أثبتت روسيا بما لا يدع مجالا للشك التركي أنها المتحكم الفعلي بمسار الأمور في سوريا وأن مجيء إدارة أميركية جديدة لم يؤثر على هذا الحضور الطاغي لها، وبناء عليه فإن على أنقرة التفكير مرارا قبل الإقدام على أي خطوة لا تضع في الاعتبار هذه القاعدة.
 

أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، الأحد، أن أنقرة لا تمانع في فرض الجيش السوري سيطرته على مدينة منبج الواقعة إلى الغرب من نهر الفرات، في تصريح يعكس حجم الارتباك التركي في التعاطي مع المعضلة السورية، ومدى تأثر مواقفها بما يرسمه اللاعبون الكبار من وزن روسيا.

وقال يلدريم في تجمع شعبي بمدينة سينوب “لا ننظر إلى دخول الجيش السوري إلى منبج وخروج وحدات حماية الشعب الكردي من المدينة كتطور سلبي، فالأراضي السورية يجب أن تكون للسوريين”.

وشدد رئيس الوزراء التركي على أن المدينة “مفتاحية” لحل الأزمة في سوريا.

وكانت روسيا قد أعلنت مؤخرا عن توصلها لاتفاق مع المجلس العسكري لمنبج، يقضي بتسليم الحكومة السورية قرى على تخوم منبج، في خطوة فُهم أنها تمهيدية لتسليم كامل المدينة للأخيرة.

والمجلس العسكري لمنبج جسم ينضوي ضمن تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي تقوده وحدات حماية الشعب الكردي المصنفة تنظيما إرهابيا من قبل تركيا.

وسبق وأن لوّحت تركيا بالتقدّم صوب منبج، لإنهاء الوجود الكردي فيها، بعد سيطرتها على مدينة الباب.

ويرى مراقبون أن الموقف المستجد لأنقرة جاء بعد أن تبين للنظام التركي أن الإدارة الأميركية الجديدة ليست بوارد التخلي عن دعمها للأكراد، أو تسليم منبج إلى قوات عربية سنية مقربة منه، مثلما يطالب.


بنيامين نتنياهو: سأبلغ الرئيس بوتين الخميس معارضة إسرائيل لوجود إيران في سوريا
وأملت تركيا إلى وقت ليس ببعيد في أن يكون تعاطي الرئيس الأميركي دونالد ترامب أفضل من سلفه باراك أوباما في الشأن السوري، خاصة بعد الزيارات المتواترة للمسؤولين العسكريين الأميركيين إليها، وإعلان واشنطن نيّتها إنشاء مناطق آمنة.

وقد حاولت أنقرة بكل السبل إقناع البيت الأبيض بضرورة التخلي عن الأكراد، في مقابل انخراطها بشكل أكبر في الحرب على داعش، وذهبت إلى حدّ حشد الدعم الإقليمي عبر زيارة أدّاها الرئيس رجب طيب أردوغان، في فبراير، إلى دول خليجية وعلى رأسها السعودية وقطر.

وبالتوازي مع ذلك راحت أنقرة تتعامل بفتور مع الجانب الروسي، ترجم ذلك بإعلاء نبرة تصريحاتها المناوئة للنظام السوري، فضلا عن إرسالها وفد منخفض المستوى إلى اجتماع أستانة 2 في فبراير الماضي، انتهى دون إقرار بيان ختامي.

هذا المسلك التركي الذي وصفه آنذاك محللون روس بانقلاب جديد لأردوغان، سرعان ما عاد يُصوّب مساره بعد أن بدا واضحا أن الولايات المتحدة لن تترك الحليف الكردي الذي يشكل لها ورقة مهمة ليس فقط على صعيد مقارعة داعش، بل وأيضا في ما يتعلق بنفوذها مستقبلا بسوريا.

ويقول مراقبون إن تغير الموقف التركي لا يعود فقط إلى يأس أنقرة من إمكانية حدوث تغير على مستوى السياسة الأميركية في سوريا، بل مرده كذلك روسيا، التي أبدت قدرة كبيرة على التعامل مع المناورات التركية، حيث لم تترك مجالا للصدفة من خلال دفعها بالجيش السوري صوب جنوب الباب وغربها.

ونجح الجيش السوري في الأيام الأخيرة في تحقيق نجاحات ميدانية مهمة مكنته من الوصول إلى مشارف منبج، لتدخل الديبلوماسية الروسية وتعقد صفقة مع الأكراد يتم بموجبها تسليم قرى تابعة للمنطقة إلى الجيش، تمهيدا لتسليم كامل المدينة.

ويرجّح المراقبون أن هذه الخطوة الروسية تمت بموافقة أميركية باعتبار أن الأخيرة هي من تبسط سيطرتها على المدينة جوّا.

وقد حققت موسكو من خلال هذه الضربة العسكرية والسياسية المزدوجة جملة من الأهداف أهمها إسقاط حجة تركيا بأن قرارها بشن عملية في منبج يهدف بالأساس إلى إبعاد الأكراد عن حدودها، ونسف المنطقة الآمنة التي تعمل تركيا على إنشائها في هذا الشطر، وأيضا زيادة تأمين الجهة الشرقية من حلب (حيث باتت قوات درع الفرات المدعومة تركيا محصورة في رقعة جغرافية معينة).

والنقطة المهمة أيضا هو أن روسيا نجحت في بعث برسالة إلى الأتراك مفادها أنها قادرة على التأثير في أكراد سوريا بشكل كبير، وقد تذهب إلى حد تشريكهم في الجولات التفاوضية المقبلة لحل الأزمة السورية.

ومعلوم أن روسيا ورغم تقاربها في الأشهر الماضية مع تركيا إلا انها حافظت على صلاتها مع الطرف الكردي.

ويقول مراقبون إن روسيا أكدت في الأيام الأخيرة أنها المتحكم الفعلي بخيوط اللعبة السورية، وأن على تركيا مستقبلا التفكير أكثر من مرة في حال قررت التغريد خارج السرب الروسي.

وترجم ذلك بوضوح أيضا في سيطرة موسكو على دفة محادثات جنيف 4 التي أسدل الستار عليها الجمعة الماضية، لتعلن بعدها موسكو عن جولة جديدة لها في 23 مارس الجاري، متجاوزة في ذلك حتى المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا.

هذا التحكم الروسي بمجريات الأمور في سوريا، لا يؤثر فقط على الجانب التركي بل أيضا على باقي الأطراف المحيطة بسوريا وبينهم إسرائيل التي يزور رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو موسكو الخميس، للحصول على ضمانات بمنع وجود إيراني دائم في سوريا.

وقال نتانياهو الأحد إنه سيحاول إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو بمنع تواجد عسكري إيراني دائم في سوريا.

وأوضح في مستهل اجتماع للحكومة أن “إيران تحاول ترسيخ وجودها بشكل دائم في سوريا عسكريا على الأرض وفي البحر لتفتح تدريجيا جبهة من هضبة الجولان” التي تحتل إسرائيل جزءا منها.

ووفقا للبيان الصادر عن مكتبه، قال نتنياهو “سأبلغ الرئيس بوتين الخميس في موسكو معارضة إسرائيل الحازمة لاحتمال كهذا”.

وتخشى إسرائيل أن تشكل سوريا مستقبلا منصة انطلاق لعناصر الحرس الثوري الإيراني والمليشيات التي تدور في فلكه مثل حزب الله اللبناني لاستهدافها.

وتنخرط إيران منذ بداية الأزمة السورية في العام 2011 في القتال إلى جانب النظام السوري، عبر المئات من عناصر الحرس الثوري والعشرات من المليشيات وعلى رأسهم حزب الله.

ويقول متابعون إن هذا التدخل الإيراني وإن كان الهدف المباشر له هو إنقاذ الأسد حليفها الاستراتيجي، إلا أنه يحمل أهدافا بعيدة الأمد وهو ضمان نفوذ قوي لها داخل سوريا لا يهدد فقط إسرائيل بل كامل المنطقة، وهنا لسائل أن يسأل، هل تستطيع موسكو فعلا إنهاء هذا التدخل بعد انتهاء الأزمة السورية؟