هل يمكن مقارنة زيارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع لقصر بعبدا منذ أيام، بتلك التي قام بها بعد أوّل اشتباك عام 1989 إثر عودة العماد ميشال عون من تونس واندلاع مواجهة عسكرية مفاجئة بين الجيش اللبناني و»القوات اللبنانية»؟
 

التاريخ يكرّر نفسه لكن بنسخة ونكهة مختلفة، فجعجع الذي أطفأ النار الى حين زيارته للقصر آنذاك، فعل الشيء نفسه اليوم، لكن مع فارق أنّ الامس كانت تحكمه مساكنة الضرورة التي وُلدت في ربع الساعة الأخيرة من نهاية عهد الرئيس أمين الجميل، في حين أنّ اليوم يشهد ولادة شهر عسل «قواتي» ـ «عوني»، لا يصعق ولا يغرق، حسبما تردده ادبيات الطرفين.

ولكن يبقى السؤال: لماذا قرّر جعجع الدخول الى «مملكة» الكهرباء؟ وما هي حساباته؟ وهل يريد فعلاً، أو هل هو يؤمن فعلاً أنّ في استطاعته أن يغيّر ويصلح بما أفسدته سياسات عمرها عشرات السنين، وبما أكملته سياسات عمرها من عمر اتفاق الدوحة؟

قد يبدو هذا الدخول مستغرباً، خصوصاً انه كاد يهز التحالف الناشئ بين التيار و«القوات»، وهذا ما حدا بجعجع الى زيارة بعبدا، لفصل ملف الكهرباء عن العلاقة مع التيار، وهو ما عاد جعجع واكده في كلمته من معراب، التي بدا فيها أنه ماضٍ في اثارة الموضوع ولو كلف الامر الاستقالة من الحكومة، او بالحدّ الادنى عدم تصويت وزراء «القوات اللبنانية» على الموازنة في مجلس الوزراء.

لكن ما هو موقف التيار والرئيس ميشال عون في ملف الكهرباء؟

باستقباله وزير الطاقة سيزار أبي خليل رد عون على جعجع، وهذا الرد، في رأي مصادر مطلعة سيترجم في مجلس الوزراء، بإقرار الموازنة من دون التوقف عند مطلب «القوات اللبنانية» بربط إقرارها ببدء عملية الخصخصة في انتاج الكهرباء، فهذا ما يريده الوزير باسيل الذي لن يسمح لأيّ طرف أن يغيّر في «هندسة» الكهرباء، التي يسير بها على شكل خطة، ستترجم بإنشاء معامل ولكن تحت إشرافه وبشروطه، ولذلك سيبقى القديم على قدمه، ولن تستطيع «القوات» رغم نيلها تعاطف الرأي العام أن تحدث اختراقاً في ملف الكهرباء، طالما بقي وزراؤها بمفردهم في هذه المواجهة، في ظلّ صمت معظم مكوّنات الحكومة، إما لانتفاء المصلحة بالوقوف في وجه باسيل، او لوجود مصلحة ببقاء الوضع على ما هو عليه، وفي هذا الاطار لا بد من التساؤل عن سبب صمت الرئيس سعد الحريري ووزراء «المستقبل»، والامتناع عن دعم مسار خصخصة الانتاج، على رغم أنّ هذا المسار كان جزءاً من خطة الرئيس رفيق الحريري لحلّ أزمة الكهرباء.

ويبقى السؤال، هل إنّ تنظيم الخلاف الكهربائي بين «القوات» وباسيل، سيؤثر على بقية الملفات؟

تقول المصادر إنّ جعجع عاد مرتاحاً من قصر بعبدا الى ما سمعه من عون بالنسبة الى قانون الانتخاب، خصوصاً في ما يتعلق بالالتزام بالقانون المختلط، الذي على اساسه سيكون الاتفاق حول صيغة ترضي الجميع، وإلّا فلن يكون هناك اتفاق.

وتشير هذه المصادر الى أنّ حزب الله المتمسّك بقانون «التأهيل» على اساس القضاء، لن يستطيع التمسّك بموقفه الى النهاية، خصوصاً بعد أن تقدم النائب وليد جنبلاط الى نادي مؤيّدي «المختلط»، وهو ما يجعل الحزب محاصَراً في رفضه للمختلط، كون رئيس مجلس النواب نبيه بري يتفهّم هواجس جنبلاط الذي اودعه صيغة قبوله «المختلط» معدّلاً.

ولم تستبعد المصادر أن يفتح حزب الله بابَ النقاش في المختلط قريباً، وبمجرد حصول هذا الامر يكون هذا القانون قد اصبح حقيقة، بغض النظر عن التمديد التقني المتوقع للمجلس النيابي، وبغض النظر عن نوع التعديلات التي سيطرحها الحزب على صيغة المختلط التي ستتجاوز تعديلات جنبلاط كونها تتصل بمحاولة الحزب من خلال أيّ صيغة مقترحة نيل مقاعد لحلفائه خصوصاً السُنّة والدروز.