من موقع المجرّب يقدّم الرئيس تمام سلام، اقتراحات لعلّها تكون مفيدة، لتشكيل حكومة إنقاذ حقيقية، ولعلّ أسوأ ما يمكن أن يقع فيه «العقل المخرّب» هو تكرار التجربة وتوقّع نتائج مختلفة في الوقت نفسه.
 

تبدو المرارة واضحة في تعابير سلام. يتحدث عن الاداء السيئ، ثم يعود الى نعي هذا الأداء وإلى توقّع الأسوأ في السنوات الثلاث المقبلة، إذا لم يُلجم الجنوح الذي يتخذ أشكالاً تحريضية، ولا يكتفي بالشحن وإثارة البغضاء بين مكونات الوطن، بل يمدّ يده الى الكتاب، أي الى الدستور، ممعناً فيه تأويلاً وخرقاً لغايات لا تصلح لأنّ تواكب خطورة المرحلة.

يقرأ سلام في المرحلة ومتطلباتها، منذ اتفاق الدوحة والى اليوم. إبتعد منذ البداية عن توسّل العودة الى السراي بشروط الأزمة، ومن سبّبوها، لكأنّ جملته الشهيرة «حكومة مرقلي لمرقلك» التي اختصر فيها سبب الانهيار، لا تزال ماثلة، وهي المعادلة التي لو تكرّرت في تشكيل الحكومة، لباتت كفيلة، بوضع الكارثة التي يعيشها لبنان في خانة الاستعصاء واللاعودة.

عن الأداء السيئ يقول سلام: «اذا استمر هذا الأمر فلن نكون في افضل حال في السنوات الثلاث المقبلة. والمؤلم أنّ التعامل مع الوضع الراهن يبدو كأنّه في مواجهة أزمة سياسية عادية، لا في مرحلة على مشارف الانهيار الاقتصادي والاجتماعي».

ويضيف: «نحتاج الى حلٍ جذري غير تقليدي. فحكومة التكنوقراط ليست اختراعاً، بل هي ممرّ إجباري لاستعادة الثقة في الداخل والخارج. حكومة التكنوقراط تهدف للخروج من الأزمة، ولا سيما أزمة المصارف ومصير ودائع اللبنانيين، وهي ليست أزمة عابرة، ولا أريد القول إنّها تتطلب معجزة، لكن في الوقت نفسه لا بدّ من اطلاع اللبنانيين على حقيقة الوضع، والعمل فوراً على اتخاذ إجراءات، أولها تشكيل حكومة «غير شكل»، وبالكاد حينها يمكن الخروج من الأزمة خلال أشهر وربما سنوات، بعد أن نكون قد اتخذنا إجراءات جريئة وقاطعة في محاربة الهدر والفساد، واستعادة الانتظام الى مؤسسات الدولة».

يضع سلام الإصبع الحكومية على الجرح: «المطلوب إبعاد القوى السياسية عن تسلّم الحقائب الوزارية، ووضع هذه الحقائب في أيدي اختصاصيين محرّرين من التبعية السياسية، ولا يعملون إلّا بدافع من ضميرهم وكفاءتهم ورؤيتهم للإنقاذ المطلوب. الحقائب يجب ان يتسلّمها اختصاصيون، فلكل حقيبة دورها ومهمتها، ولا يتعارض توزيع الحقائب على الوزراء التكنوقراط، مع التشكيلة الحكومية، بل يتكامل معها، لتكون الحكومة فاعلة».

يقرأ سلام في المرحلة وخطورتها ومتطلباتها، فيقول: «نريد ان تبدأ المحاسبة والمساءلة. فمنذ اتفاق الدوحة والى اليوم، أصبحت الحكومات مرآة للمجلس النيابي، وهذا ما أضعف آلية المحاسبة. والمطلوب اليوم ان يكون المجلس النيابي سلطة التشريع والمحاسبة، وان تكون الحكومة السلطة التنفيذية التي تخضع لرقابة المجلس. إنّ نمط الحكومات التي تشكّلها معظم كتل المجلس النيابي الذي طُبّق بعد الدوحة انتهت صلاحيته، وهو ليس من الدستور، ويجب اليوم تشكيل حكومة تكنوقراط منتجة، لوقف الانهيار».

ماذا عن التمثيل السياسي في الحكومة؟ يقول: «المشاركة السياسية بحدود معينة في الحكومة ممكنة، لإعطاء نوع من الاطمئنان الى طبيعة القرارات التي ستتخذها، لكن موضوع استلام القوى السياسية الحقائب يجب ان يكون خطاً أحمر لا يتجاوزه أحد. وأنا أنصح أن تتشكّل الحكومة من وجوه جديدة، تضيف أملاً في إمكان نجاح الحكومة»، وناصحاً بأن لا يكون عدد الوزراء في أي حكومة اكثر من 20 وزيراً.

وعن مشاركة «حزب الله» في الحكومة وإمكان ان تؤدي الى حجب المساعدات الدولية، يقول: «لم تكن هذه المشاركة عائقاً في الماضي ولا اعتقد انّها عائق اليوم، لكن الحكومة يجب ان تكون حكومة اختصاصيين، مع تمثيل سياسي مدروس».

وعن المعادلة التي يضعها «التيار الوطني»، والتي تقول إما أن يكون هو والحريري معاً في الحكومة أو خارجها، يشير سلام الى «انّ هذا التصنيف في المعادلة الوطنية، لا يشمل رئيس الحكومة الذي لا يقارن موقعه بموقع أي وزير، بل بموقع رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي».

وعن كلام المرشح السابق للحكومة سمير الخطيب من دار الفتوى حول اجماع الطائفة السنّية على تسمية الحريري لتشكيل الحكومة يقول: «كان من الممكن ان يكون الإخراج أفضل، لكن علينا الانتباه الى أنّ مكوناً في لبنان كان غاضباً من الطريقة التي عامله بها من يدّعون تمثيل المكونات الاخرى، وتبقى دار الفتوى مرجعية وطنية قبل أي شيء آخر».

ويلفت الى البيان الذي صدر عن رؤساء الحكومة السابقين الثلاثة، فيقول: «تكلمنا على خرق الدستور، وعلى رئاسة الوزراء ليس باعتبارها موقعاً لطائفة، بل موقع وطني لجميع اللبنانيين».