بعدما كانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تدعم استعمار كوكب المريخ، يبدو أن دونالد ترامب وجه أنظاره إلى القمر أولاً ثم خصخصة الفضاء ثانياً.


وأوردت صحيفة "بوليتيكو" عن مقرّبين من الرئيس رغبته في تغيير أهداف ناسا للفترة المقبلة عبر إعادة إحياء مهمة إرسال البشر إلى القمر خلال 3 سنوات فقط.

ورغم أن مهمّة إرسال البشر للقمر منذ 50 عاماً يقابلها العديد من التشكيك من قبل أصحاب نظريات المؤامرة، إلا أن ترامب مصرٌّ على تعزيز النشاط البشري في المسافة بين القمر والأرض بدلاً من الفضاء السحيق بهدف "دعم التطوير الاقتصادي للفضاء"، وفق ما أورد ملخص تقرير مستشاري ترامب.

وسيكون من مهام ناسا الجديدة النمو الاقتصادي وخلق صناعات جديدة تهيئ الطريق للقطاع الخاص من أجل الانخراط أكثر في صناعات الفضاء.

وأوضح ملخص التقرير أنه "إذا التزمت ناسا بهذه السياسة، سيصبح الفضاء صناعة تتخطى ترليونات الدولارات تحت سيطرة أميركا".

بوش ثم أوباما

ويبدو أن تغيير سياسة ناسا وتحويل اهتمامها من كوكب لآخر ليس المرة الأولى، إذ كان الرئيس السابق جورج بوش وجه بإعادة إرسال البشر إلى القمر بحلول العام 2020 وذلك أثناء حكمه.

لكن عندما تولّى أوباما الحكم قبل 8 سنوات ألغى هذا البرنامج معتبراً أنه "يضيع تركيز" الوكالة الفضائية مع بداية عهد احتراف صناعة المركبات الفضائية، طلب وقتها من ناسا إرسال البشر إلى المريخ بحلول العام 2030.

سياسة ترامب الفضائية الجديدة لا تعني إلغاء مهام المريخ، لأن الوكالة ملزمة من الكونغرس بتحقيق أهدافها بحلول 2030، ولكنها تعني زيادة النشاط في الباحة الخلفية لكوكب الأرض، أي بينها وبين القمر، لأهداف تجارية.

ونقل التقرير أن مستشاري ترامب يريدون بكل بساطة "رواد فضاء من شركات خاصة على مركبات فضائية من القطاع الخاص تدور حول القمر أو تسير عليه بحلول 2020".

العهد الجديد أم القديم

وتشعل استراتيجية ترامب "السريعة والميسورة" المنافسة بين الشركات الخاصة ورحلة البيت الأبيض في البحث عن قادة يديرون السباق إلى الفضاء.

لكن هذه الآمال تخلق في نفس الوقت صراعاً بين المتعهدين التقليديين ومليارديرات التكنولوجيا الحديثة، الذين استثمروا أموالاً طائلة في مغامراتهم للانضمام للسباق.

بدوره قال ممثل الحزب الجمهوري في بنسلفاينا روبرت واكر إن المستقبل سيشهد قتالاً كبيراً لأن الأمر يتعلق بمليارات الدولارات، خصوصاً وأن العمل الرائد والمتطور في هذا المجال بات ينتج خارج مباني ناسا.

وتشير صحيفة "بوليتيكو" إلى أن مستشار التقنية بيتر تيل أقنع ترامب باستخدام ناسا وسيلة لمساعدة القطاع الخاص على النمو والتطور ثم استغلاله لخلق فرص عمل كبيرة كان وعد بها ترامب أثناء حملته الانتخابية.

أكبر عملية خصخصة

ويشير ملخص التقرير إلى أن الفضاء الجديد الذي يطمح له ترامب يعني خصخصة مدار الأرض بحيث يحق للشركات الخاصة تشغيل محطات خاصة، في ما وصف بـ"أكبر عملية خصخصة تنفذها أميركا في تاريخها". مثال على ذلك إرسال أقمار صناعية لأهداف عسكرية وإعلامية واتصالات وتجسس.

تضع هذه الرؤية الجديدة ثقة كبيرة بالقطاع الخاص، والتي عكستها إنجازات شركات ضخمة مثل "سبايس إكس" التي يملكها إيلون ماسك، أحد أعضاء مجلس المستشارين الاقتصاديين لترامب.

ولكن الشركات الخاصة الثلاث الكبرى التي تعاقدت معها ناسا لإنشاء مركبات فضائية متأخرة أصلاً في التزاماتها، والتي كانت تنص على إتمام مهمة المريخ العام المقبل. وفي أقل من سنتين انفجر صاروخان تابعان لـ "سبايس إكس".

بدوره قال مدير جمعية الكواكب في كاليفورنيا كاسي درير لمجلة "ذا أتلانتك": "إن إدخال القطاع الخاص في السباق لا يعني أبداً إمكانية تجاهل حقائق الفيزياء أو البيئة القاسية للفضاء".

وكشف التقرير أن مستشاري ترامب يفضلون الشركات الجديدة التي تقتحم السباق الفضائي على الشركات القديمة مثل "بوينغ" و"لوكهيد مارتن"، وهو أمر لن يلاقي ترحيباً في الكونغرس، إذ أوكل العام 2010 الشركتين المذكورتين أعلاه بإرسال صاروخ يقل رواد فضاء للمريخ نهاية العام 2018.

احتلال القمر؟

لكن طموح ترامب لا يقف فقط عند حد استشكاف ودراسة القمر، بل إعلان سيادة الولايات المتحدة الأميركية على أجزاء منه، الأمر الذي قد يفتح جبهات جيوسياسية مع دول أخرى وتحديداً الصين، بعدما أعلنت أنها بصدد إرسال مهمات استكشافية للجانب المظلم من القمر.

لذا فإن غرز العلم الأميركي على القمر المرة المقبلة سيعني استعماره بشكل قد يتعارض مع معاهدة الفضاء الخارجي برعاية الأمم المتحدة.

تلقى ناسا سنوياً تمويلاً حكومياً لا يقل عن 19 مليار دولار، ووفق الرؤية الجديدة سيصبح دورها استشارياً وتنظيمياً سواء للمهمات أو الأبحاث.

فهل يقبل الكونغرس إعطاء صبغة تجارية للوكالة التي سطّرت تفوق أميركا علمياً وتكنولوجياً فيحولها من لاعب هجوم ورأس حربة إلى مجرد حكم.. الأيام والكونغرس يجيبان عن هذا السؤال.