تطرح التطورات الأخيرة في سوريا، بعد مواقف الإدارة الأميركية الجديدة، أسئلة عديدة حول استمرارية حزب الله هناك. لدى فصائل المعارضة أحاديث وإشارات كثيرة عن أن الحزب سينسحب من سوريا خلال الأشهر المقبلة بضغط أميركي روسي وتركي. فيما لا يبدو الوضع لدى الحزب كذلك، بل سيبقى إلى أن تنتهي الأزمة بشكل نهائي وإيجاد حل كامل لها. ووسط ذلك، تلفت مصادر المعارضة إلى أن حزب الله يستمرّ في عمليات تغيير تموضع قواته في سوريا. فبعد سحبه عدداً من عناصره من هناك، يستمر بنقل فرق من مناطق العمق السوري إلى المناطق القريبة من دمشق والحدود مع لبنان.

وتكشف مصادر متابعة لـ"المدن"، عن أن فصائل المعارضة في القلمون السوري قد تلقّت من حزب الله جملة بنود للتفاوض عليها. وقد حمل تلك البنود وفد من وجهاء القلمون وعدد من المشايخ تهدف إلى اجراء ما يشبه المقايضة الجغرافية بين المناطق. بمعنى أن يسمح حزب الله بعودة نحو ثلاثين ألف مدني من مخيمات جرود عرسال التي تقع خلف حاجز وادي حميد، إلى قرية أو قريتين من القلمون، مقابل إنسحاب الفصائل العسكرية من جرود عرسال وجرود فليطا. بالإضافة إلى فتح خطوط الإمداد بين هذه القرى والمخيمات في عرسال لأجل إيصال المواد الغذائية والطبية، على أن تبقى هذه الطرق خاضعة لسيطرة حزب الله ومراقبته.

تختلف التقديرات في شأن هذه المبادرة التي قدّمها الحزب. ويعتبر أكثر من مسؤول أنه حتى اللحظة، فإن المفاوضات الجدية لم تبدأ بعد، في انتظار اجتماع بين مختلف الفصائل ووضع خطّة أساسية ينطلق التفاوض على أساسها. بالإضافة إلى تشكيل لجنة تفاوضية. ولكن السؤال الأساسي هو لماذا هذا التوقيت من جانب الحزب؟ الجواب حتى الآن مازال مبهماً. ويعتبر أحد القادة الميدانيين لـ"المدن" أن تلك الخطوة، في حال كان الحزب صادقاً في دعوته، استباقية لإنسحابه من بعض المناطق في سوريا. بالتالي، يريد إنهاء مسألة الجرود كي لا تبقى عنصر تهديد له، وكي لا يدخل في حرب يتكبد خلالها مزيداً من الخسائر للسيطرة عليها، يفضّل التفاوض.

فيما تعتبر مصادر أخرى أن الأمر يحوي بعض الغرابة في هذا الطرح، وتربط ما يجري بتطورات السياسة الدولية الجديدة، مع الإشارة إلى أنه مهما تنامى هذا الضغط، لا يمكن لحزب الله التخلّي عن هكذا منطقة مهمة بالنسبة إليه. وترى مصادر في المعارضة أن واقعها الحالي، ومواقعها في الأراضي اللبنانية في الجرود أو على صعيد المدنيين في المخيمات، أمران يفرضان عليها حلاً من هذا النوع.

أما في حال فشل المفاوضات، فتعتبر المصادر أن حزب الله حينها، سينتظر ما ستقرره روسيا في شأن هذه المنطقة وغيرها من المناطق المحيطة بدمشق، لافتة إلى بعض الاختلاف في وجهات النظر بين إيران وروسيا، وبين حزب الله وروسيا. وإذا ما قرر حزب الله التصعيد العسكري فإن ذلك سيشمل مناطق جديدة، كسرغايا وعين الحوار، القريبتين من العاصمة دمشق. وتكشف عن مساعي النظام السوري لإخلاء المنطقتين على غرار ما حصل في وادي بردى.

وقد قدّم النظام السوري وروسيا ورقة تتضمن عدداً من البنود، مطالبين الأهالي والمقاتلين بالإلتزام بها، كمنح المتخلفين والمنشقين عن الجيش مهلة ستة أشهر لإعادة تجنيدهم، ضمن قوة خاصة مهمتها الوحيدة تأمين المنطقة بإشراف الجيش السوري وبضمانة روسية. بالإضافة إلى فك الحصار المفروض بشكل جزئي وعودة الخدمات إليها والسماح للمزارعين بالعودة إلى أراضيهم". وهذا يأتي، وفق المصادر، بعد انسحاب حزب الله من عدد من المواقع في تلك المنطقة، تحت ضغط روسي.

وتنقسم آراء المعارضين ازاء هذه البنود، فمنهم من يرضى بها على اعتبار أنها تؤدي إلى تحجيم حزب الله وتقليص نفوذه في تلك المنطقة. فيما الفصائل الأخرى ترفض التنسيق مع الجيش السوري، وإن كان ذلك سيكون على حساب حزب الله. إلا أن هذا الكلام يقود إلى استنتاج جديد عن الخلافات بين روسيا والحزب في شأن بعض المناطق السورية، إذ ثمة من يعتبر أن روسيا ترفض تكرار سيناريو الزبداني الواقعة تحت سيطرة الحزب.

وفي هذا السياق، تتحدث المصادر عن أن الخلاف بين الطرفين، شمل هذه المبادرة، وأن النظام السوري والمفاوض الروسي لم يطلعا ممثل حزب الله في المفاوضات في تلك المنطقة على مضامين هذه الورقة، قبيل تقديمها إلى الأهالي والمعارضين. وتشير إلى ما هو أبعد من ذلك، معتبرة أن المفاوض الروسي أرسل إلى الحزب تحذيراً بوجوب عدم عرقلة هذا الإتفاق، إذا ما حصل.