يستمر النقاش على قانون جديد للانتخاب في لبنان، لكن في مناخ سياسي متعفّن وغير صحّي على الاطلاق. لجنة رباعية ولجان اخرى تجتمع للبحث عن الصيغة الفضلى، ولو لم يكن هناك تواطؤ على الآخرين لما اجتمعت سرّاً. عناوين الخلاف: اعتماد الانتخاب النسبي، الأكثري، أو المختلط. ويُفهَم من المؤيدين والرافضين أن أي صيغة لا تحقّق التمثيل الصحيح، بل الأفظع أن كل المجالس التي انتُخِبت على مرّ العقود الماضية وانتَخَبت رؤساء للجمهورية ومنحت الثقة للحكومات وأقرّت قوانين ذات أهمية استراتيجية للدولة والمجتمع... لم يكن تمثيلها صحيحاً، ما يفترض أن كل ما نتج منها يفتقد "الشرعية". أي أن البلد عاش، منذ "الاستقلال" وولادة "الدولة"، على كذبة طويلة ومتوارثة.
في غمرة الجدل الدائر يختلط الحقّ بالباطل، وحسن النيّة بسوئها، والتذاكي بالغباء. إذ يُشار الى مؤيّدي الاستمرار على قانون 1960 بأنهم طائفيون، وإلى المطالبين بـ "النسبية" باعتبارهم رواد المواطنة، وإلى المنادين بـ "المختلط" بأنهم اصلاحيون متردّدون. هذا يريد العودة الى الدستور، وذاك الى "الطائف"، وذلك الى الميثاقية، وآخرون الى حوار وطني أو الى الاحتكام للرئيس أو الى ترقّب ما سيقوله الأمين العام لـ "حزب الله"!.. إذاً فالمسألة مسألة تحالفات وتوازنات سياسية، أساسها طائفي لكنها تتغطّى مجدّداً بـ "التفاهم" السياسي بين "التيار العوني" و"حزب الله"، أي بين طرفين طائفيين يريدان انتخاباً بـ "النسبية" بغية الاستحواذ على تمثيل طوائفهما ومن خلاله على القرار السياسي. وهكذا، فبدلاً من أن نشهد عملية اصلاحية تغلب عليها النزاهة ندخل في "حرب أهلية" سياسية أشدّ فتكاً من الصراع المسلّح، كونها تنطلق من وجوب خداع المجتمع.
لاحظوا أن الهدف الأساسي المعلن نبيل، فالجميع يقرّ بوجوب اصلاح قانون الانتخاب، لكن ليس بأي "مُصلحين". الأكثر نبلاً القول بأن الهدف هو الغاء الطائفية، لكن ليس بتحالف سياسي يرمي في حقيقته الى تغليب تحالف طائفي. فبعد أعوام من الشحن الطائفي والمذهبي لا يستطيع الشاحنون اقناع أحد بأنهم تبدّلوا فجأةً، قلباً وقالباً ومآرب. فالطائفية الكامنة في القلوب والعقول لا تُلغى بقانون انتخاب يفتّت تمثيل طائفة ثالثة خارج ذلك "التفاهم"، ويؤدّي حتماً الى "سحق" الأقليات والمستقلّين غير الطائفيين، بل بتطوير تشريعي تدريجي للنظام أخفق الجميع في مقاربته قبل "الطائف" وبعده. والأهمّ أن الطائفية لا تُلغى بـ "طائفيين أولاً" بنوا مصالحهم على أساس طائفيتهم، بل بوطنيين أولاً يريدون للتعايش المشترك أن ينعكس على هويّة الدولة. يبقى السؤال: لماذا تعطّل الحوار الوطني الأخير عندما اقترب من قانون الانتخاب، وقبل ذلك عندما اقترب من "الاستراتيجية الدفاعية"؟ الأرجح لأن حلف "التيار العوني" - "حزب الله" لم يبدّل استراتيجيته بعد انتخاب الرئيس، فالهدف لا يزال تغيير الغالبية لتغيير النظام... عبر مجلس النواب.