تحقق الاستراتيجيا الروسية في سوريا نجاحات واضحة ولعل أبرزها تذويب الجليد بين أنقرة وعمان من جهة ودمشق من جهة أخرى، ولعل الخاسر الأكبر سيكون الجانب الإيراني الذي يعمل على تحويل سوريا إلى منطقة نفوذ له كحال العراق.
 

بدأت معالم التنسيق بين دمشق وأنقرة تتضح شيئا فشيئا في الشمال السوري وتحديدا في مدينة الباب، مع تراجع فرضية الصدام بينهما التي تبناها البعض.

وتزامن ذلك مع استمرار التحضيرات لاجتماع جنيف بين المعارضة والنظام لبحث الحل السياسي للأزمة السورية، وترجم ذلك في اجتماع فني، الاثنين، لخبراء من روسيا وتركيا وإيران وأيضا الأردن بالعاصمة الكازاخستانية أستانة.

وبات كل من الجيش السوري وقوات درع الفرات التركية يطوقان بالكامل مدينة الباب الاستراتيجية، بعد أن تمكن الجيش من التقدم في الجنوب ليصبح على بعد خمسة كيلومترات فقط من المدينة.

وتفرض قوات درع الفرات سيطرتها على الجهات الشمالية والشرقية والغربية للباب الواقعة شمال شرقي مدينة حلب التي سيطر عليها النظام السوري في ديسمبر، والتي أطلقت مرحلة جديدة في الصراع السوري.

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن، الاثنين “بات عناصر تنظيم الدولة الإسلامية محاصرين تماما في مدينة الباب، آخر معاقل التنظيم في محافظة حلب، بعد سيطرة قوات النظام وحلفائها ليل الأحد الاثنين على طريق رئيسي يربط الباب بالرقة”.

وكان هذا الطريق الأخير المتبقي للجهاديين من وإلى الباب. وذكر المرصد أن تقدم الجيش السوري الذي بات على بعد خمسة كيلومترات من الباب، جاء “بدعم من حزب الله اللبناني وبإسناد من كتائب المدفعية والدبابات الروسية”.

ويبدو أن هناك خطة مرسومة برعاية روسية لتقدم قوات درع الفرات والجيش السوري بشكل متزامن على محاور المدينة.

وكانت تركيا قد عجزت على مدار الأشهر الماضية عن تحقيق أي خرق نوعي بالباب، الأمر الذي دفعها إلى الاستنجاد بالجانب الأميركي الذي أبدى شروطا اعتبرتها أنقرة مجحفة للمشاركة في القضاء على تنظيم داعش بالمدينة، لتتجه أنقرة صوب الحليف الروسي الذي رحب بتقديم الدعم لها، وقد شارك منذ أسابيع قليلة في قصف مواقع لداعش بالمدينة، قبل أن تدخل مدفعيته على الخط في الهجوم الأخير الذي شنه الجيش السوري على الجهة الجنوبية من الباب.

وتقع الباب على مسافة نحو ثلاثين كيلومترا من الحدود التركية، وتشكل منذ العاشر من ديسمبر هدفا رئيسيا للعملية العسكرية التركية.

ويتساءل الكثير من المراقبين عمن ستؤول إليه مهمة دخول الباب وبسط نفوذه عليها، خاصة وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد صرح قبل أيام بأنه لن يسلم المدينة للجيش السوري.

ويرى محللون أنه ربما يوجد اتفاق روسي تركي يقضي بسيطرة تركيا على الباب، ولكن شريطة ألا تتقدم قوات درع الفرات أكثر في الأراضي السورية، بانتظار ما ستسفر عنه جهود عملية السلام.

وكان أردوغان قد أكد مؤخرا أن لا نية لقواته بالتقدم إلى أبعد من الباب، وأن الهدف الرئيسي من عمليته هو إبعاد التهديد الإرهابي عن حدود بلاده، وجاء كلامه ليناقض تصريحات سابقة أطلقها وأكد خلالها أن قواته ستتجه بعد الباب إلى منبج ثم إلى الرقة (معقل التنظيم الجهادي في سوريا).

الدور الذي تلعبه روسيا في انفتاح كل من تركيا والأردن على دمشق، سيكون الخاسر الأكبر منه إيران وأذرعها العسكرية
وتشهد السياسة التركية في سوريا استدارة لافتة، بعد أن بات واضحا أن الاستمرار في النهج السابق سيكلف أنقرة الكثير، في ظل تصاعد موجة التهديدات وخيبة الأمل التي تشعر بها من الجانب الأميركي.

وتفضل تركيا اليوم تعزيز التعاون مع روسيا باعتبارها الممسكة بمفتاح الحل في سوريا، وهي ترى أن في ذلك تقليصا للخسائر، وضمان وجود نفوذ لها داخل سوريا.

وتحاول أنقرة هضم التعامل مع النظام السوري بالنظر لإدراكها أن استمرار موقفها الرافض له لن يجديها نفعا على الأقل في الفترة الحالية، وهو ما يفسر تصريحات مسؤوليها في الفترة الأخيرة بأنه لا حل دونه.

مسلك تركيا ليس ببعيد عن الجار الثاني لسوريا الأردن الذي بدا واضحا أن التنسيق العسكري بينه وبين النظام السوري يتحسن شيئا فشيئا.

وسبق أن أعلن رئيس هيئة الأركان المسلحة الأردنية الفريق الركن محمود فريحات في حوار مثير له مع قناة “بي بي سي” البريطانية عن وجود قنوات اتصال عسكرية تعمل بين عمان ودمشق.

ومع أن الأردن لم يكن منغمسا في الأزمة السورية بشكل كبير على خلاف تركيا فإن استمرار الأزمة شكل له صداعا أمنيا واقتصاديا مزمنا وجب اجتراح حلول لإنهائه ولعل أفضل الحلول هو التقارب مع روسيا حليفة الأسد، مع الحفاظ على علاقته بالطرف الأميركي الحليف الاستراتيجي له.

وأكد الفريق الركن في ذات الحوار “نحن منذ بداية الأزمة السورية لم نعمل ضد نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا نهائيا.. علاقاتنا مع النظام (السوري) لا تزال مفتوحة.. حدودنا لا تزال مفتوحة.. والعلاقات الدبلوماسية إلى غاية الآن موجودة”.

ويرى مراقبون أن الغارات الجوية التي أقدم عليها الطيران الأردني، ليل السبت الأحد، بمعزل عن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد مواقع لداعش في الجنوب السوري، تمت بالتنسيق مع دمشق التي التزمت الصمت حولها.

كما أن بيان الجيش الأردني -الذي تطرق إلى أن أحد مواقع داعش التي قصفت كان “قاعدة عسكرية للجيش السوري”- مؤشر إضافي على وجود مثل هذا التنسيق.

ويرجح متابعون أن تكون روسيا الحجر الأساس في تعزيز التواصل بين عمان ودمشق، لافتين إلى أنها كانت خلف دعوة الأردن إلى المشاركة في مباحثات فنية عقدت الاثنين، في أستانة وضمت كذلك خبراء من تركيا والأمم المتحدة وإيران.

وركزت تلك المباحثات على بحث سبل تعزيز عملية وقف إطلاق النار في سوريا.

وقال اللواء ستانيسلاف حاجيمحميدوف، نائب رئيس دائرة العمليات التابعة للأركان العامة للقوات الروسية، الذي ترأس وفد الخبراء الروس في اللقاء الفني في العاصمة الكازاخستانية ” خلال المحادثات، قدم الجانب الأردني معلومات مهمة جدا حول الوضع في جنوب سوريا، وأبلغنا بتوجه الفصائل المسلحة في جنوب سوريا نحو الانضمام إلى نظام وقف الأعمال القتالية وباستعدادها لإجراء عمليات قتالية ضد التنظيمات الإرهابية الدولية مثل داعش وجبهة النصرة في جنوب سوريا”.

وأكد رئيس الوفد الروسي أن المشاركين في الاجتماع أبدوا اهتماما كبيرا بالتقرير حول الوضع في جنوب سوريا، وأعربوا عن الاستعداد لمواصلة التعاون مع الجانب الأردني.

يشار إلى أنه في 23 و24 يناير الماضي، عقد اجتماع في أستانة، بقيادة روسيا وتركيا وإيران، ومشاركة الولايات المتحدة والنظام السوري والمعارضة السورية، لبحث التدابير اللازمة لترسيخ وقف إطلاق النار في سوريا.

وخلال الاجتماع اتفقت تركيا وروسيا وإيران، على إنشاء آلية مشتركة للمراقبة من أجل ضمان تطبيق وترسيخ وقف إطلاق النار في سوريا.

ويتوقع مراقبون أن الدور الذي تلعبه روسيا في انفتاح كل من تركيا والأردن على دمشق، سيكون الخاسر الأكبر منه إيران وأذرعها العسكرية التي تريد تحويل سوريا إلى عراق جديد وهو ما لا يصب في صالح موسكو.