لم يكن من السهل التوقع بهذه النهاية السريعة لـ"قصة" وادي بردى. سريعاً استطاع حزب الله والجيس السوري السيطرة على المنطقة بعد الحصار المديد الذي فرضاه على قرى الوادي السبع. والآن، أسئلة عديدة تطرح لمرحلة ما بعد ترحيل المدنيين ومسلحي المعارضة من تلك المنطقة إلى إدلب. أول الأسئلة هو عن الوجهة المقبلة للمعركة إذا ما بقيت الظروف في سوريا تسمح باستكمال المعارك. وبعدها تكر السبحة، عن كيفية انجاز الاتفاق الذي تمت عرقلته لأكثر من مرة.

في البداية كان حزب الله وإيران يضعان هذه المنطقة في وضع المقايضة مع كفريا والفوعة المحاصرتين بريف إدلب. ولكن، بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ استناداً إلى الاتفاق الروسي التركي سقطت هذه المعادلة. بل هي سبقت في سقوطها هذا الاتفاق، وتزعزت منذ تسوية حلب وإخراج المعارضة من احيائها الشرقية. فجاء التصعيد في بردى رفضاً للاتفاق الذي لم يشمل تطبيق المطالب الإيرانية، واصرّ حزب الله والنظام على تحقيق انتصار في تلك المنطقة، أولاً لرد الاعتبار، وثانياً لتأكيد أن هناك منطقة نفوذ لا يمكن لأحد أن يحلّ ويربط فيها غير إيران. وهذه المنطقة الاستراتيجية تمتد على الجغرافيا التي عمل النظام وإيران على تغيير ديمغرافيتها وتبدأ من جنوب دمشق ومحيطها وصولاً إلى ريفها في القلمون نحو حمص. أما الهدف الثالث فهو تأكيد إيران بقاء دورها التقريري في الساحة السورية استناداً إلى منطقة جغرافية تسيطر عليها. مقابل ذلك، تعتبر مصادر قريبة من الحزب أن فصائل المعارضة هي التي فتحت المعركة بقطع المياه عن دمشق. وهذا العمل كان للمزايدة على فصائل معارضة أخرى وافقت على الذهاب إلى مؤتمر أستانة، ولولا ذلك لما كان الحزب شن هجومه على تلك القرى، وهي كانت ساقطة من حيث المبدأ لكنها متروكة للتفاوض.
ولكن، ماذا بعد وادي بردى، في ظل بقاء وقف اطلاق النار؟ عملياً، فإن حزب الله أصبح يسيطر على معظم المناطق المحيطة في دمشق وريفها، ولديه توجه أساسي للسيطرة على المنطقة كلها، أي على دمشق الكبرى، لتشكيل حزام آمن حولها. لذا، فإن ما تبقى أمامه هو السيطرة على الزبداني ومضايا، اللتين يعتبرهما ساقطتين عسكرياً لكنهما متروكتان للعبة التفاوض والتوازنات. والسيطرة الكاملة عليهما تعني أن الحزب ربط القلمون بتلك المنطقة عبر سهل رنكوس، كما تبقى أمامه منطقة الغوطة الشرقية، والناحية الجنوبية الغربية لدمشق كبيت جن والقرى المحيطة بها.
حتى الآن، لا بوادر عسكرية توحي بأن ثمة معركة ستفتح نظراً للالتزام بوقف إطلاق النار، لكن متى تسقط الهدنة، فإن لدى حزب الله هدفاً أساسياً، وهو الذهاب في اتجاه جنوب غرب العاصمة وتحديداً بيت جن، لتأمين خط الحماية لدمشق ولتأمين خط الحماية لبعض مناطق الجنوب اللبناني. لكن، أي معركة من هذا النوع ستكون خاضعة لتوازنات اقليمية أوسع، نظراً لدخول العامل الإسرائيلي على الخط.
ومنذ انتهاء معارك حلب، فقد أعاد حزب الله تموضع قواته في سوريا، حيث تم سحب بعض المجموعات من حلب وبعض المناطق المحيطة، في اتجاه المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية، فيما عزز مواقعه في ريف حمص الشرقي. وذلك بعد معارك تدمر، خصوصاً أن هذه المنطقة تعتبر الأهم بالنسبة إلى الحزب وإيران، لأنها ترتبط بالبادية السورية التي تتصل بالعراق، وهي الخط المعتمد لتمرير طهران شحنات التسليح والدعم للحزب. وهي الخط الواصل من إيران ولبنان عبر العراق وسوريا. وهي منطقة غنية بالموارد الطبيعية، وخصوصاً الفوسفات. وكذلك، فإن هذا هو الخط الذي تطمح طهران بتمرير أنابيب غازها ونفطها عبره نحو البحر المتوسط ومنه إلى أوروبا.