إنتهت المفاوضات التي جرت في العاصمة الكازخستانية أستانا بين المعارضة السورية المسلحة والنظام السوري برعاية روسية - تركية - إيرانية ببيان ثبت قواعد اللعبة الحالية كما ورد في قرار مجلس الامن الدولي 2336 وتبعا للقاء الثلاثي الذي حصل في موسكو بين الأطراف الثلاثة
 

شمل البيان  بنود تثبيت وقف إطلاق النار والإتفاق على آلية ثلاثية لمراقبته والتمسك بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالأزمة السورية وفصل جماعات المعارضة السورية المسلحة عن النصرة وداعش والدفع نحو مفاوضات أخرى في  جنيف في شباط المقبل.

من ربح هذه الجولة؟

تمحور عنوان المؤتمر ورؤيته في أستانا حول تثبيت وقف إطلاق النار وتحقق ذلك من خلال إدراجه كبند أساسي في البيان وهو مطلب المعارضة الأساسي بعد الخسارة الفادحة التي تلقتها في حلب،  فإستطاعت من خلال تثبيت هذا البند لجم إندفاعة النظام وحلفائه الذين لم يتوقفوا عن  ترداد سمفونية الحسم العسكري على كافة الأراضي السورية بعد معركة حلب  وهذا ما تم تعطيله قانونيا من خلال تثبيت هذا البند إضافة إلى صعوبة وقائع الميدان.
أضف إلى ذلك ، إستطاعت المعارضة السورية المسلحة  فرض حضورها على الجانب الروسي وحتى الإيراني في طاولة واحدة بعد دعاية إعلامية مارسها النظام السوري وحلفائه منذ عام 2011 حاول فيها شيطنة المعارضة السورية بأجمعها ووصفها بالإرهاب، وهذه الدعاية إنتهت بإعتراف روسي ورد في بيان أستانا التي وافقت عليه إيران وتركيا والذي فصل بين فصائل المعارضة السورية المسلحة وكل من جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) . وقد إستبق هذا الفصل بين المعارضة السورية المسلحة وباقي التنظيمات الإرهابية تصريح روسي ملفت رفض فيه إعتبار جيش الإسلام منظمة إرهابية وهو فصيل ينشط في أرياف دمشق ويرأس مجلسه السياسي محمد علوش رئيس وفد المعارضة السورية.


ولم تنته سلة مكاسب المعارضة هنا بل تجاوزتها لقبول المتحاورون بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالأزمة السورية كما كانت تطالب المعارضة منذ بدء المؤتمر.
لكن بالمقابل كان هناك مكاسب حققها النظام السوري وحلفائه من خلال المفاوضات.
فلم تستطع المعارضة السورية منع الرعاية الإيرانية للمفاوضات ومشاركتها في آلية مراقبة وقف إطلاق النار،  فكان الحضور الإيراني في كل من الآلية الثلاثية لمراقبة وقف إطلاق النار وفي المشاركة بالمفاوضات.
أيضا لم يتم ذكر أي شيء من قريب أو بعيد عن المجموعات العسكرية الأجنبية المتحالفة مع النظام السوري والمدعومة من إيران ، وهذا ما فسره البعض بأن المؤتمر لم يكن مخصصا سوى للبحث في آليات تثبيت وقف إطلاف النار ولضرورة عدم ذكر مبادىء سياسية في البيان الختامي.

إقرأ أيضًا: السعودية تعود إلى لبنان بقوة وتكريس لمعادلات ما بعد إنتخاب عون
والأهم من كل ذلك ، تم الإعتراف بالدور الروسي كراعي للحل في سوريا لا طرفا في النزاع وهذا تنازل كبير من المعارضة لكنه قد لا يرض به النظام السوري وحلفائه مستقبلا  لأن روسيا الإتحادية عندما ستمارس مهامها على هذا الأساس ستغير مجبرة من سلوكها الحربي وإستهدافاتها العسكرية.
أضف إلى ما تقدم لم يتم الحديث عن مرجعية جنيف 2012 الداعية للإنتقال السياسي في سوريا بل إكتفى بالإشارة إلى القرار الأممي 2254 فعدم ذكر جنيف يعد نكسة للمعارضة ومكسب للنظام لذلك كان خيار المعارضة التحفظ على ذلك والتحفظ على إعتبار مفاوضات أستانا منصة ومرجعية لتطبيق القرار 2254.

إقرأ أيضًا:  أوباما يوجه صفعة تاريخية لنتنياهو

فرص النجاح:

وفي قراءة سريعة يتبين أن البيان كان موزونا بدقة وحرفية لإخراجه بطريقة تضمن المكاسب للجميع في ظل تحفظات متبادلة بين طرفي النزاع.
لكن يبقى السؤال عن فرص نجاح تثبيت وقف إطلاق النار في ظل الحملات العسكرية المستمرة في أرياف دمشق وحلب وهي مناطق خالية تقريبا من التنظيمات الإرهابية،  وأيضا في ظل غياب اللمسات الأميركية الفاعلة بعد تسلم الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم.
فهل سنشهد جولة للمفاوضات ذات نتائج عملية في جنيف؟ وهل ستنتهي معارك النصرة والمعارضة السورية على خير؟ وماذا عن آليات الدمج المقترحة بين فصائل المعارضة وجيش النظام لأجل محاربة التنظيمات الإرهابية؟ وهل من مصلحة النظام الذهاب بعيدا في معادلة تكريس الإعتراف بالمعارضة السورية شكلا ودورا ومضمونا ؟
والأهم من كل ذلك،  أين سيتموضع حزب الله في حال سارت الأمور كما هو مخطط لها؟!
كل الأمور متعلقة برؤية ترامب للدور الإيراني والروسي في الشرق الأوسط ونظرته للإسلام الراديكالي، وهي متوقفة على سلم أولوياته.