تتحرك العلاقات الديبلوماسية، وإن بشكل خفي، بين السعودية وإيران عبر لبنان. فبعد الموقف الذي أطلقه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن التعاون بين البلدين، الذي أنتج حلاً للأزمة اللبنانية، "يصادف" وجود موفدين سعودي وإيراني في بيروت هذا الأسبوع. صحيح أنه في الشكل والعلن لا يمكن وضع هذه الزيارات ضمن برنامج متفق عليه، لكن لا يمكن إلا القراءة ما بين السطور.

يصل الإثنين، 23 كانون الثاني، إلى بيروت المستشار الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني للشؤون الدولية حسين أمير عبداللهيان، كما يصل الشيخ محمد عبدالله مبارك الصباح موفداً من أمير دولة الكويت، فيما يصل الثلاثاء وفد وزاري سعودي يتقدمه وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان لمتابعة نتائج زيارة الرئيس ميشال عون إلى المملكة. وفي هذا السياق، ثمة من يشير إلى تواصل غير مباشر بين إيران والسعودية، للبناء على ما تم إنجازه في لبنان، ونقله إلى أزمات المنطقة.

لكن مصادر متابعة تقلل من أهمية هذه التوقعات والتحليلات، معتبرة أن الأمر لا يجب تحميله أكثر مما يحتمل، مع تأكيد السعي الإيراني الدائم لإصلاح العلاقة مع السعودية، التي لم تكن متجاوبة، بحسب مصادر قريبة من حزب الله. وتعتبر المصادر أن إيران لديها مصلحة في ذلك، أولاً بحكم الجيرة، وسحب فتائل الأزمة، وموضوع الحج، وباعتبار أن السعودية أكبر منتج للنفط ولا يمكن استمرار العداء معها. وتلفت المصادر إلى أن الرئيس الإيراني حسن روحاني أبدى فور انتخابه إيجابية تجاه السعودية ودول الخليج، وكانت أول مقابلة صحافية أجراها لمصلحة صحيفة الشرق الأوسط.

وتؤكد مصادر متابعة أن الرغبة الإيرانية في ايجاد تسويات للقضايا العالقة مع السعودية لاتزال على حالها، لا بل تتنامى أكثر فأكثر، سواء بالنسبة إلى سوريا، والحج، واليمن والبحرين. لكن حتى الآن لا تجاوب سعودي، بل هناك تصعيد، خصوصاً في البحرين واليمن. وتلفت المصادر إلى أن الجميع ينتظر ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا، وإذا كان مؤتمر الحوار في أستانة سيصل إلى أي نتيجة. وإذا نجحت هذه الخطوات يمكن حينها إنتظار تطورات إيجابية في العلاقة بين البلدين.

لكن، ما هي علاقة لبنان؟ تعتبر المصادر أن لبنان يشكل محطة توازن وتواصل بين الطرفين. وآخرها كانت التسوية التي تم التوصل إليها، وبالتالي فهو سيبقى ساحة تقاطع ايجابية بينهما، لكن مع احتفاظ كل طرف بموقعه ودوره الفاعل والمؤثر في المعادلة اللبنانية. كأن هناك اتفاقاً غير مباشر بينهما على أن أحداً ليس قادراً على إلغاء الآخر. وهذا ما تريد إيران تكريسه في مختلف دول المنطقة، وما ترفضه السعودية، معتبرة أنه على إيران عدم التدخل في الشؤون الخارجية للدول العربية، ولا يجب أن تكون شريكة فيها.

ووفق المصادر، فإن إيران تتخذ هذه الخطوات التقاربية لأنها تحتاج إلى تسويات في هذه المرحلة، خوفاً من المتغيرات الأميركية، إضافة إلى أنها لا تتحمل الغياب عن موسم الحج لأكثر من سنة. ومن الأسباب أيضاً، الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستشهدها إيران، وسعي روحاني إلى تعزيز موقفه الداخلي عبر تحقيق تسوية مع السعودية، قد تزيد فرص إعادة انتخابه، لأن إيران داخلياً تريد تسويات.

السؤال الأساسي الذي يطرح، ازاء ذلك، هو إلى متى ستبقى السعودية قادرة على رفض التسوية؟ وما الذي سيدفعها إلى تغيير موقفها؟ تجيب المصادر أن الأمر مرتبط بسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وبعيداً من العلاقات بين البلدين، فإن الزيارات التي ستشهدها بيروت، ستكون دليلاً بارزاً على الإهتمام العربي والدولي بالوضع اللبناني. وهي ليست المرة الأولى التي يتزامن فيها حراك سعودي مع حراك إيراني، إذ إنه قبيل انتخاب عون زار بيروت الوزير السبهان، وبعيد انتخابه زارها ظريف، وقبيل سفر عون إلى السعودية زار بيروت رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي علاء الدين بروجردي. والآن تتزامن هذه الزيارات وهي تحمل رسالة مباشرة، مفادها أن كل دولة تريد تأكيد وجودها وبقائها في لبنان، في سياق التنافس على النفوذ واستمالة العهد الجديد