إن العلاقة المتوترة بين إيران والسعودية والتي يمكن وصفها بالعدائية ناشئة أساسا على خلفية سعي كل منهما للتصدي لزعامة العالم الإسلامي، إذ أن القواعد السياسية الخارجية لكلا العاصمتين الرياض كما لطهران بنيت على أساس الخصومة والعداء المتبادل والذي يرقى إلى مستوى الحرب الحقيقية الموجعة بأبعاد غير مباشرة
 

منذ ما يقارب الأربعة عقود أي من أواخر السبعينات من القرن الماضي وتحديدًا منذ إنتصار الثورة الإسلامية في إيران والعلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية تشهد حالًا من التوتر كان يزداد حينًا ويخفت أحيانًا أخرى تبعا لمواقف كانت تقدم عليها أي من الدولتين في سياق الأحداث التي تشهدها المنطقة. 
والعلاقة المتوترة بين البلدين والتي يمكن وصفها بالعدائية ناشئة أساسا على خلفية سعي كل منهما للتصدي لزعامة العالم الإسلامي، إذ أن القواعد السياسية الخارجية لكلا العاصمتين الرياض كما لطهران بنيت على أساس الخصومة والعداء المتبادل والذي يرقى إلى مستوى الحرب الحقيقية الموجعة بأبعاد غير مباشرة. 
فالسعودية التي أسست مملكتها على إسلامية مصادرها ومنابعها ومنابرها وعلاقتها مع الخارج سعت لتتصدر واجهة الإسلام والمسلمين في العالم، وجمعت بين جناحي الحكم والدين ضمن إطار فلسفة التوحيد الذي قاد إلى قيام المملكة بزعامة المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود. 
وفي ظل الحرب الباردة التي شهدها العالم أواخر القرن الماضي فإن السعودية تولت الدفاع عن أمنها الاستراتيجي في وجه التهديدات التي كانت تتعرض لها جراء تداعيات هذه الحرب، وكان على الرياض أن تواجه المد العروبي القومي الذي تنامى بتأثير قيادة الزعيم جمال عبد الناصر وذلك المد الشيوعي الذي غزا المجتمعات العربية بعد تراجع تأثير الاستعمار عن المنطقة، وكذلك كان على الرياض أن تتعامل مع الزلزال الإسلامي الثوري الإيراني بعد إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بكثير من المواجهة والتحدي، سيما وأنه كان يطرق أبواب المملكة والدول الخليجية ويهز عرش تمثيلها للإسلام، ذلك أن الزعيم الإيراني الإمام روح الله الخميني الذي قاد الثورة بنجاح باهر ومنقطع النظير، لم يكن الإسلام الذي رفعه بالضرورة اسلاما شيعيا لو قدر له أن يخترق جدار السنة، إلا أن مرشد الثورة الأول فهم حدود طموحاته داخل صفوف السواد الأعظم من المسلمين في العالم، وهو الذي حقق إنجازات في الوجدان العام للمنطقة لا سيما في واجهته الفلسطينية مرة وفي تحالفه مع تيار الإسلام السياسي مرة أخرى. 

 

إقرأ أيضًا: الرئيس عون بين الرياض وطهران
وتراجعت إيران إلى المنطلقات المذهبية لجمهوريتها الإسلامية وثبتت المذهب الجعفري الاثني عشري روحا لدستور الجمهورية الإسلامية حيث أصيبت العلاقة بين طهران مع جماعة الإخوان المسلمين وفروعها الفلسطينية بكثير من الوهن والضعف خصوصا بعد وضوح العلاقة بين إيران والنظام العلوي في سوريا. 
هذا السلوك الإيراني ترتب عليه تراجع طهران عن احتكار قيادة الإسلام والمسلمين لتطل من نافذة تمثيل الشيعة في العالم إذ أن ايران تعتبر الشيعة في أي مكان امتدادا طبيعيا لنفوذها ومصالحها في العالم، وهي معنية بمصيرهم وأحوالهم وأمنهم، وعلى هذا الأساس تدرج طهران تدخلها في العراق والبحرين والسعودية ولبنان واليمن وباكستان وسوريا. 
وبناءا على هذه الرؤية فإنها تنشيء احزابا وفصائل ومقاتلين تتحرك وفق أجندة إيران ومصالحها الإستراتيجية ومزاج قيادتها. 
أما السعودية وحتى ولو كانت لا تجاهر بأنها راعية الحراك السني في المنطقة إذ أنها ما زالت على الأقل على المستوى الرسمي تتحدث عن إسلام واحد وجامع، إلا أن الصراع السني - الشيعي بات الوجه الواضح لصراع الرياض مع طهران. وأن أدوات هذا الصراع في كافة ميادين الاحتكاك تنشط وفق شروط الخلاف المذهبي السياسي الحديث بين السنة والشيعة. 

إقرأ أيضًا: المصالح المتنافرة في سوريا
وقد لا نجافي الحقيقة في القول أنه ليس هناك صراعا مذهبيا بين السعودية وإيران بقدر ما هو صراع مصالح واستراتيجيات وأنظمة بين دولتين يفترض أنهما حاميتان للإسلام. وإنما المذهبية تستخدم كأداة لشحن النفوس واستحضار الأحقاد الدفينة وتحريك الشارع لاستعداء الشارع الآخر، مما فتح منافذ للإرهاب الذي انتظم ضمن تنظيمات ومجموعات وميليشيات قدمت للعالم صورة مشوهة عن الإسلام باستخدامها وسائل الإجرام والتوحش مغلفة بأثواب إسلامية.