من المفترض النظر الى الحكومة الجديدة بايجابية لكونها ولدت بعد مخاض طويل نسبياً اذا ما قيس بارادة العهد الاقلاع السريع
 

 ومن المفترض ان تعطى الحكومة فرصتها من دون حكم مسبق على فاعليتها، كما في كل عهد جديد، وكل محطة جديدة، اذ لا يمكن قياس النجاح او عدمه استباقاً، ولو ضمت الحكومة اسماء رفيعة المستوى، وناجحة في اختصاصاتها، لان تولّي الشأن العام، والنجاح فيه، يختلف كلياً عن تلك النجاحات الافرادية في حقول اخرى، غالباً ما تكون بعيدة عن الحقائب التي يتولاها الوزراء، وهو علة العلل في لبنان طالما ان التأليف يتم على مبدأ تمثيل الجميع وفق تقاسم الحصص السياسية، من دون اعتماد مبدأ الكفاية لدى الجهات الممثلة في احيان كثيرة.
ولا ضرورة لاحتساب حجم التمثيل ما بين 8 اذار و14 اذار، بعدما اختلط الحابل بالنابل، واطلت وجوه من الزمن الغابر من دون تبرير، واعتبرت اطلالتها عصية على فهم كثيرين إلا ضمن سياق ما هو مفروض من وصاية تتخذ وجوها واشكالا مختلفة. فالدائرة المرسومة لعمل الحكومة معلومة مسبقاً ولن تخرج عن السياق المتبع منذ اعوام.
لكن حكومة الوحدة الوطنية حققت انجازا متقدما في الشكل اذ اوجدت وزارات دولة في حقول متقدمة، هي التخطيط ومكافحة الفساد وحقوق الانسان والمرأة والنازحون، ويستحق كل اختصاص من تلك الآنفة الذكر وزارة سيادية في ذاتها، لا وزارات دولة فقط لان لبنان المتقدم عما يحوطه، لا يزال متخلفاً في معظم هذه المجالات، فهو فاقد للتخطيط وغارق في الفساد ولا حقوق فيه للانسان "غير المدعوم"، والمرأة مغيبة عن سلطة القرار، ومكبل بملف اللاجئين (وهي العبارة الاصح اذ ان اللاجئين عندنا عبروا حدودا معترفا بها، ولم ينزحوا من محافظة لبنانية الى اخرى). ويبرز التحدي الاكبر في اعطاء حيز مكاني، اي جغرافي، وربما في السرايا الحكومية، لهؤلاء الوزراء الجدد، فلا يلزمون منازلهم، او مكاتبهم الخاصة، لان من شأن ذلك ان يمحو كل جدية في مهماتهم. ثم يجب اعطاؤهم القدرة على الحراك من خلال فريق عمل متقدم ومتخصص من اصحاب الكفايات، حتى لا يتحول عملهم مجرد خطابات رنانة، تليها شكوى من نقص الامكانات للقيام بأي عمل جدي.
صحيح ان اعطاء حقيبة شؤون المرأة لرجل يدعو الى التعجب، لكن الجانب الآخر مضيء شكلاً، وسينتظر اللبنانيون، ومعهم المجتمع الدولي، مدى ترجمة العصرنة في استيلاد الحقائب، ومحاكاة التوجهات العالمية، ووضع خطط منسجمة مع الاتفاقات الدولية، والعمل لتطوير القوانين اللبنانية، والاهم القدرة على التنفيذ، فلا يتحول العدد المضاف من الوزراء حشواً يزيد الاعباء المالية، ويرضي الاحزاب والزعماء، ولا يحقق شيئاً للوطن، بل على العكس، يضعف رصيد الوزراء الجدد، ويدفع هيبة الدولة الى مزيد من التدهور، وربما يثير الضحك والسخرية.