البلد وناسه الطيّبون، هم الرابحون في تأليف الحكومة. أما الأطراف السياسية والحزبية فهي كلها خاسرة، لأن هذا التأخير المتمادي في ولادة الحكومة، يُعتبر عجزاً غير مسبوق في تاريخ حكومات عهود الاستقلال الأولى!

عشرة أسابيع ونيّف، أضاعتها الطبقة السياسية العاجزة والفاسدة، في مناورات الكرّ والفرّ، وفي مفاوضات المحاصصات الفئوية والأنانية، من دون الأخذ بعين الاعتبار الحد الأدنى لمصالح العباد والبلاد.

على طريقة: «رضينا بالهمّ… والهمّ ما رضي فينا»، كما يقول المثل الشعبي، تفاءلت أكثرية اللبنانيين بإنهاء الشغور الرئاسي، بعد سنتين ونصف السنة من التعطيل المتعمّد، وقبلوا بالعماد ميشال عون رئيساً على أمل طيّ صفحة الانقسامات، والعودة إلى حالة منعشة من الاستقرار السياسي، تُهيّئ المناخات المناسبة للدورة الاقتصادية لاستعادة حركتها الناشطة، والتخلص من حالة الجمود والكساد، والموت السريري الذي داهم الكثير من المؤسسات في العديد من القطاعات الخدماتية والإنتاجية!

ولكن التعثر في التأليف، وتغليب الحسابات المصلحية والانتخابية على حساب مصالح البلد والناس، ضربا موجة التفاؤل التي عمّت فور إنهاء الشغور في قصر بعبدا، وأفرغا الزخم التوافقي الذي أحاط بانتخاب عون رئيساً، من مضمونه، وأعادا أجواء التشاؤم إلى الفضاء الوطني!

* * *

أن تكون حكومة العهد الأولى «وزارة انتخابات»، لا يقلل ذلك من قيمتها السياسية، خاصة وأن رئيسها سعد الحريري، يتمتع بحيثية شعبية وزعامتية، توازي، إذا لم تكن أكبر من حيثية رئيس الجمهورية، وبالتالي فإن اختصار التعامل مع الحكومة الوليدة في دائرة الانتخابات فقط، فيه افتئات، ليس على رئيس الحكومة وحسب، بل على كل الأطراف السياسية الممثلة في هذه التشكيلة الحكومية، التي جاءت أشبه بخليط هجين، لا يجمع بين مكوناته الحد الأدنى من القواسم السياسية المشتركة!

قد يعتبر البعض، لا سيما فريق رئيس الجمهورية، أن أولوية عمل الحكومة وضع قانون انتخابات جديد، بل يذهب أحدهم إلى اعتبار أن هذه المهمة تكاد تكون الوحيدة للحكومة الجديدة!

ولكن… ماذا لو لم يتم التوافق على صيغة القانون العتيد؟

وهل يجوز أن تتعطل مصالح البلاد والعباد، في حال تعطلت إرادات التوافق بين الأطراف السياسية المتصارعة، على كعكة الانتخابات، وعلى الحصص المتنافرة في هذه السلطة المتهالكة؟

ألا تكفي الأضرار الفادحة التي أصابت النظام السياسي نتيجة الشغور الرئاسي المعيب، والتي أدّت إلى تهميش مشروع الدولة ودورها، وقضم مؤسساتها الفاعلة، والوصول إلى حافة الانهيار الشامل؟

* * *

إنها حكومة العهد الأولى سياسياً ووطنياً وعددياً، وليست مجرّد حكومة انتخابات بلا نكهة سياسية، ولا لون وطني، على نحو ما يحاول فريق رئيس الجمهورية أن يصوّرها، وبالتالي فإن نجاح هذه الحكومة هو نجاح للعهد، وفشلها، لا سمح الله، هو فشل للعهد منذ بداياته، خاصة وأن أكثرية أعضائها محسوبون على فريق رئيس الجمهورية وحلفائه!