يطالب الكثير من الناس بضرورة المحافظة على الحرية بكل أبعادها , ويشدد الكثير منهم ايضا على اهمية الحرية في تطور المجتمعات بدءا بتبلور الافكار التي تعيش في فضاءات من الحرية , حيث ان الفكر يحتاج الى حرية التعبير ليبرز بوضوح , فيليه حرية الرد الحر ,  وبالتالي حرية الاشكال  على الرأي والرد  , وبالتالي حواب على الاشكال ورده بحرية , وهكذا تتبلور الافكار من خلال مرورها بسلسلة من الحريات , هذه السلسلة من الحريات هي الكفيلة بتشكيل اللبنة الاولى لمرحلة من التحول ضد سيادة الاستبداد بأشكاله المتعددة .

هذا الحق من الحريات تضمنه شرعة حقوق الانسان , ويضمنه الدين , لان هذا الحق يعطي للانسان حريته في ان يمتلك رأيا أيا كان , وان يعبر عن رأيه ساعة يشاء " مَن شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر " , هذه هي مساحة الحرية في الدين , التخيير بين الايمان والكفر , حيث ان تخيير الانسان وإعطاءه حريته في التعبير والرأي  يتضمن الاعتراف له بحفظ كرامته وصيانه انسانيته وتحميله مسؤولية الحفاظ عليهما من خلال تقييد حريته بالحرية التي يمتلكها , وهنا يطرح السؤال المعروف , وهو هل الحرية مطلقة ام انها محددة بحدود ؟ واذا كانت محددة بحدود هل يتنافي هذا مع الحرية ام لا ؟

مما لا شك فيه انه لا يوجد حرية مطلقة , بل ان كل الحريات مقيدة , ولكن وقع الخلاف في قيد الحرية , هل هو قيد ذاتي او قيد خارجي , اذ ان الاول لا يتنافى مع الحرية لانه قيد بحرية , والثاني يتنافى مع الحرية لانه قيد من خارج الحرية , اما قيد الحرية الذاتي فهو القيد الذي يختاره الانسان بحريته , كأن يختار الانسان بالتصويت على قانون يمنع بموجبه التدخين في مكان ما ,  وبذلك يقيد حريته بحريته وهذا لا يضر بمفهوم الحرية , فيبقى الانسان حرا ولو بحرية مقيدة , واما اذا كان القيد من خارج حرية الانسان اي ان يفرض عليه بدون اختياره كأن يفرض الحاكم قانونا او يفرض الحاكم على الناس اشياءا بدون اختيارهم او اختيار ممثليهم , فيكون منافيا لحريته وهذا جبر واستلاب لإرادته .

كما قلنا لقد حفظ الدين حرية الانسان بالتعبير والرأي , كما حفظته شرعة حقوق الانسان , لما لهذا من علاقة وثيقة بالفكر الانساني , لان حرية الرأي والتعبير هما حركة فكرية , فلذلك ان صيانة هذه الحريات تعطي الفكر غنى , وتعطي للانسان امكانية واسعة للإبداع الفكري والثقافي , بخلاف ما اذا كانت الحريات مستلبة  , فانها تميت حركة الابداع عند الانسان , كما هو حاصل وللأسف في الاجتماع العربي والاسلامي , حيث اننا نرى النتائج السلبية , لاستلاب الحريات من الانسان العربي والاسلامي , اذ جعلته يتغنى بماض بعيد , تعويضا عن حاضر فاشل , وعن مستقبل لا يعلم حاله الا الله