الحقيقة أنه لو تمّ الاتفاق قبلاً على كل هذه الأمور، لأمكن أي رئيس منتخب أن ينطلق منذ اليوم الأول
 

لم يتوانَ الرئيس نبيه برّي عن قول الحقيقة، حقيقة السلّة التي طالب بها وأصرّ عليها في طاولة الحوار، وجعلها شرطاً لانتخاب الرئيس كي تأتي التسوية متكاملة، وتُزال المعوقات والألغام من حقل العهد الجديد أياً تكن قوة رئيسه. صحيح أن الرئيس برّي ليس الآمر الناهي في الجمهورية، لكنه، للحقيقة، الأقوى على الساحة، خصوصاً في ظل تفويض "حزب الله" المُعطى له في أكثر من ملف.

ولم يتوانَ الرئيس برّي عن الجهر بالواقع، وهو أن الحكومة باتت تفصيلاً، لأن المهمّ هو قانون الانتخاب الذي سيعيد هذه المرّة فعلاً تحديد الأحجام، ورسم خريطة توزيع قوى جديدة في مجلس النواب. وهذه الخريطة الجديدة ستبدّل كثيراً في الأمور، وستصبح الخيارات مفتوحة على أزمات كبيرة لا تجد حلّاً ربما في ظل عدم وجود آلية دستورية للحل، وغياب ضابط الايقاع منذ خروج الجيش السوري وتراجع نفوذه في لبنان.
وإذا كان "حزب الله" يؤدي هذا الدور، أو يتّهم بذلك، فإن قيادته تعي هذا الأمر وتحاول تجنّب تحوّل ممثّلها في أي مفاوضات اسماً بديلاً لغازي كنعان أو رستم غزالة أو سواهما من الذين كانوا يحرّكون اللعبة السياسية،. لكن الحزب بما له من تحالف وعلاقات، وبما يقدّم من دعم معنوي ومادي لمجموعات وأحزاب، يملك سلطة الحل والربط، أو على الأقل "يمون" على أولئك الممسكين بالقرار، لتسهيل الأمور ودفعها إلى الأمام.
لكن الحزب الذي أوكل الى برّي أمر إدارة تأليف الحكومة، يفضّل لو تمّ الاتفاق قبل الانتخاب على السلة التي تضمّنت اسم الرئيس وخطاب القسم واسم رئيس الحكومة، وشكل الحكومة وبيانها الوزاري، وأخيراً قانون الانتخاب المقبل.
والحقيقة أنه لو تمّ الاتفاق قبلاً على كل هذه الأمور، لأمكن أي رئيس منتخب أن ينطلق منذ اليوم الأول، ولم يكن هناك سبب للعرقلة. أما أن الاتفاق لم يحصل وتمّ انتخاب الرئيس، فإن العراقيل ستظهر أمام كل استحقاق من الاستحقاقات الآنفة الذكر. ونرى حالياً عرقلة تأليف الحكومة، وقد تشهد اشتباكاً على بيانها، ويحاول الرئيس برّي الخروج باتفاق ضمني على قانون الانتخاب يسبق ولادة الحكومة، التي كما قال صارت تفصيلاً.
لكن الواقع المُضحك والمبكي في آن واحد، هو التخوّف من توجّه الحكومة في القانون العتيد، علماً أن الجميع يعلم، بمن فيهم الحزب وحركة "أمل"، ان قانون الانتخاب يطبخ في مكان خارج المؤسّسات الدستورية، ثم تتبنّاه الحكومة، ويبصم عليه مجلس النواب، إذ لا إمكان للاعتراض إذا ما اتفق "الزعماء" على أي مشروع قانون.
من هنا يصبح إقحام الحكومة في قانون الانتخاب أمراً غير مبرّر على الإطلاق. فالحكومة هي التي تحكم نظريّاً وفق الدستور، فيما طريق تأليفها لا توحي بأنها حرة في قرارها وسيدة نفسها.