الحمد للّه أنّ الأمور ما زالت في نطاق ضيق، تحريم سماع الموسيقى في أروقة الجامعة، ولم يطل مجالاتٍ أخرى.
 

أولاً: التحريم والتّسيُّب الإداري
إذا صحّت الأنباء عن قيام مجموعة شبابية متطرفة (تنتمي لأحد التنظيمات الجهادية) بمنع طلاب في الجامعة اللبنانية (منطقة الحدث) من سماع أغاني مطربة لبنان الأولى السيدة فيروز، وذلك أثناء احتفال بسيط بعيد ميلاد أحد زملائهم الذي توفي قبل أسابيع في حادث سيرٍ مؤسف، فهذا يعني جملة أمور لعلّ أبرزها التسيب الإداري والأمني في الجامعة، ممّا يُفسح في المجال لتحكّم مجموعات متطرفة بمقاليد الأمور في الكلية التي وقع فيها الحادث، وهذا يُعتبر مؤشراً خطيراً لما وصلت إليه أمور التطرف والغلو والتشدد في المؤسسات التعليمية الواقعة في مناطق نفوذ الجماعات الجهادية.

إقرأ أيضا : هنا لبنان: القتلُ مسموحٌ... والأغنياتُ مَمْنوعة
ثانياً: على خُطى الإخوان المسلمين
منذ أن كتب سيد قُطب "في ظلال القرآن" و"معالم على الطريق" خلال ستينيات القرن الماضي وتلقفها الإخوان المسلمون ،لم يتورعوا عن بسط أفكارهم المتشددة والمتخلفة إلى أهم قطاعات التعليم والإعلام تأثيراً على عقول عامة المسلمين، وقاموا بنشاطاتٍ ملحوظة لإطفاء تيارات التنوير والتحرّر ، ودعوا إلى مقاطعة ثقافة الغرب بحجّة مكافحة الغزو الثقافي، وقاموا بتكريس مفاهيم الكراهية والنبذ للأديان والثقافات الأخرى المغايرة ،وذلك وفق تعاليم فقهية ودينية مقطوعة من سياقات ظروفها التاريخية، وتمّ حرفها عن مقاصدها الإنسانية المتسامحة، بعد أن تمّ شحنها بالتشدد والتطرف والتكفير، ومن أبرزها تحريم سماع الموسيقى والغناء، وافتوا بتحريمها على الرغم من كونها مسألة خلافية، أو على الأقل من المسائل المنهي عنها، والتي قد يتسامح بشأنها الشارع باعتبارها من اللهو أو اللغو الذي لا يؤاخذ الله عزّ وجلّ به، بل راحوا يتوعدون بنار جهنم وبئس المصير للمخالفين، وأعادوا إنتاج مفاهيم الاستشهاد والجهاد والإرهاب والحرابة.
ثالثاً: تحريم الغناء..أفضل الشرور.
الحمد للّه أنّ الأمور ما زالت في نطاق ضيق، تحريم سماع الموسيقى في أروقة الجامعة، ولم يطل مجالاتٍ أخرى، فالاختلاط (المنهي عنه بلا خلاف) ما زال مسموحاً به، وهجرُ الحجاب وانحسار الشعر، فضلاً عن التّبرج ما زال مُتاحاً، وأنّ أحكام "الحسبة" لم ينادي أحدٌ بها حتى الآن، ومن نعم الله على عباده، أنّ حزب الله مازال مُعترفاً بالصيغة اللبنانية، ومؤمناً بسلطة الدولة اللبنانية الجامعة، وأنّ الدولة الإسلامية بشرعها وأحكامها ما زالت حتى الآن طيّ الغيب، ومن شاء أن يسمع فيروز والراحل وديع الصافي ، أو السيدة هيفا وهبي، وحتى ميريام كلينك، فله في أرجاء الجمهورية مُتّسعٌ لذلك.