ثمّة ما هو غير طبيعي يحصل على خط حارة حريك وبعبدا، فلأول مرة يصل إلى العلن مستوىً عالٍ من التوتر والاختلاف عبر رسائل صحافية بينهما، ومقالات لكتّاب مقرَّبين من حزب الله، وهو أسلوب الحزب المفضَّل للتعاطي مع حلفائه في حالات كهذه.
 

والاختلاف القائم حاليًا بين الرئيس ميشال عون وحزب الله بدأ فعليًا منذ لحظة ترشيح الرئيس سعد الحريري لميشال عون للرئاسة الأولى، وحينها تمّ وضع حزب الله أمام خيار من اثنين: فإما الذهاب بتسوية الحريري الرئاسية وانتخاب عون وتحمّل ما سيحصل بعده  بسبب مفاعيل التفاهمين اللذين وقّعهما الرئيس عون مع كل من القوات والحريري، ويكون بذلك قد رفع عن نفسه تهمة التعطيل، وإمّا الثبات على موقفه المتمترس وراء موقف الرئيس نبيه بري الرافض لعون ، والإبقاء على الفراغ وبذلك يخسر عمقه المسيحي المتمثل بعون.
قرّر حينها الحزب اللجوء إلى الخيار الأول لأنه كان مضطرًا، وهذه الفترة من الاحراج بحجة الالتزام الاخلاقي بدأ فيها  الخطاب العوني يتغير بدءًا من تصريحات الوزير جبران باسيل الإيجابية تجاه السعودية، وصولًا إلى تغيّر تغطية التيار الوطني الحر الإعلامية لأحداث لبنان والإقليم، وقد استغل العونيون هذا الإحراج على أكمل وجه.
حزب الله محرَج:
جاء خطاب القسَم ورسالة الاستقلال لتأكيد اختلاف ميشال عون الرئيس  عن ميشال عون التيار.
فميشال عون التيار كان محكومًا بتفاهم مارمخايل مع حزب الله، وتحوّل إلى طرف في النزاع الحاصل في لبنان والإقليم، أما ميشال عون الرئيس فيلتزم بتفاهمه مع القوات اللبنانية ولاحقًا سعد الحريري، وكلا التفاهمين متناقضين مع تفاهم مار مخايل بالمعنى السياسي.
تفاهم مار مخايل أمّن للتيار حليفًا قويًّا في الانتخابات النيابية والوزارية وهذا أقصى ما كان ينوي حزب الله إعطاءه إياه، أما التفاهمين الآخرين فعبَّدا الطريق لميشال عون نحو قصر بعبدا.
وسط هذا التصادم والتناقض بين شبكة تفاهمات التيار الوطني الحر، كان على حزب الله أن يقول كلمته الحاسمة لتصويب بوصلة عون من جديد نحو خيارات الحزب الاستراتيجية خصوصًا بعد المغالاة التي تبنّاها الحزب بخطاباته تجاه عون وفريقه.
أوّل رسالة كانت من خلال عدم الضغط على سليمان فرنجية للانسحاب من السباق الرئاسي، والثانية هي الرسالة التي توَجّه بها السيد حسن نصر الله لجمهور التيار الوطني الحر وانتقد فيها خطاب هذا الجمهور، والثالثة هي تكليف الرئيس نبيه بري بمفاوضات الشأن الحكومي وهو ألدّ خصوم ميشال عون، والرابعة تمثّلت بالعرض العسكري في القصير، أما الرسالة الخامسة فعرض وئام وهاب الشبه عسكري في الجاهلية، وفي الرسالة السادسة تهديدات سورية تلقّاها ميشال عون من قبل دوائر وشخصيات مقرّبة من النظام السوري كأحمد شلاش، وليس آخر الرسائل المقالات الصحافية من قبل  صحف  مقرّبة للحزب تطلق نيرانها على جبران باسيل والعهد الجديد.

عون المستهدف من خلال باسيل:
وعلى قاعدة :" إياكِ أعني واسمعي يا جارة "، يصبّ الإعلام المقرّب من الحزب كامل غضبه على جبران باسيل متهمًا إياه بوضع فيتوات على شخصيات مقربة من الحزب كالمردة والقومي.
والحزب يدرك أن باسيل لا يجرؤ أن يتصرف هكذا لولا الضوء الأخضر من العماد عون، فلذلك يوجّه رسائل مبطنة باتجاه العهد الجديد عبر جبران باسيل.
ففي الملف الحكومي المعقّد يظهر اختلافًا كبيرًا في وجهات النظر بين حارة حريك وبعبدا، ذلك أن من  يصرّ على توزير المردة بحقيبة أساسية ويضع فيتو على إعطاء حقيبة سيادية للقوات هو حزب الله والتيار الوطني الحر يرفض ذلك بشخص رئيس الجمهورية.
والاستهداف لعون هو استهداف للعهد بالشعارات التي رفعها، والتقارب الذي حصل مع السنّة بعد قطيعة.
فمن قال أن الحزب معجب بتجربة الرئيس القوي؟ ومن قال أن الحزب لا يزعجه مظهر الناس وهي تحيط بقصر بعبدا؟

 

 

فبتحالف الطرفين ضدّه وبعد مرور عشر سنوات يواجه تحديًا كبيرًا راهن الكثيرون عليه في الماضي، وها هو اليوم يحصل.
هذا التحدي قام في لحظة الحقيقة والإحراج،  فوجد حزب الله نفسه في عزلة داخل بيئته الوطنية مقابل انفتاح كبير لخصمه اللدود سعد الحريري على باقي الأطراف.
وجد الحزب أن التحالف مع عون بدأت تتعطل مفاعيله بسبب تفاهمين قاما مقابله، وخطاب قسمٍ، ورسالة استقلالٍ تشكّل منظومة مبادىء لا يوافق عليها حزب الله وسيعمل على تعطيلها.
فلو نجحت تجربة عون والحريري في الحكم فهذا يعني بداية لعرقلة حقيقية لأهداف حزب الله الرامية إلى مؤتمر تأسيسي كان يحاول تمريرها عبر طاولة الحوار وفكرة السلة.
فالسلة التي حوربت من قبل بكركي هي في الأصل من بنات أفكار حزب الله وتراجع عنها فيما بعد وتحمّل الرئيس بري وزرها لاحقًا وهذه من الأمور التي  لم يسلّط الإعلام عليها كثيرًا من الضوء.
فالسلة كفكرة وطرح وأهداف غايتها كانت التمهيد للمؤتمر التأسيسي، وهذا ما تعطل حدوثه بسبب استدارة الحريري وترشيح عون وانتخابه لاحقا.
أما سلة بري التي تحمل وزرها كاِسْمٍ لا كمضمون ، فكان أقصى طموحها المحاصصة في البلد واليوم يعاد الكلام عنها في الشأن الحكومي.

إقرأ أيضا : إقتربت ساعة الرئاسة فتغير عون


إذًا كان اختلافًا لا بدّ منه أمام رؤيتين للبلد والميثاق والاستقلال والسيادة، وهو يعيد تكرار مشهد 2005.
حينها، عام 2005، كانت ظروف حزب الله العربية والإسلامية بألف خير مقارنة بحالها اليوم في ظلّ الحرب السورية؛ فهل يتحمّل حزب الله حصارًا داخليًا يضاف إلى الحصار الخارجي عليه؟
لذلك سيجتهد الحزب في الأيام المقبلة في توجيه الرسائل تلو الرسائل لإضعاف العهد وإخضاعه لاحقًا لتفاهمات مار مخايل السياسية، لأنه لا يوجد خيار أمام الحزب إلا ضبط  النوستالجيا العونية لفترة بشير الجميل والعصر الذهبي للموارنة، والخيارات متاحة ومفتوحة لحزب اعتاد الذهاب بعيدا بمغامراته عندما يتحسّس خطرًا داخليًا على مشروعه المرتبط إقليميا بطهران.
اليوم، معركة شد الحبال بين رؤيتين ، والمنتصر يحدِّد فاعلية العهد في العمل والحراك. 
أقلّه اليوم، خسر حزب الله ميشال عون  بنسخة 2006،  وهذا أمر حقيقي وواضح  وعلى أساسه سيتعامل الحزب معه ويحدد خياراته.
فميشال عون اليوم ليس في أحضان الحريري أو سمير جعجع ولا في أحضان حسن نصر الله كذلك.
هو أمر يرضى به الحريري ويتقبله جعجع ولكن بالتأكيد لا يرضى به أبو هادي.

 

بقلم رئيس التحرير