اذا كان "مشهد الاستقلال" الذي راهن عليه كثر لاخراج أزمة تأليف الحكومة من عنق الاجتماع الرباعي الرئاسي الذي ظلل استقبالات قصر بعبدا مرّ مخيباً، فيبدو ان الموجة الجديدة من الرهانات عادت لتتجدد في الساعات الاخيرة على طريقة "المشي على الحبل" المشدود. والحال أن المعطيات التي تحدثت أمس عن تقليص العقبات المتبقية أمام استكمال التركيبة الحكومية لتنحصر في ثلاث حقائب فقط، بات بمثابة الهامش الأخير الذي من شأنه ان يشكل اختباراً حاسماً لحقيقة المجريات التي حاصرت عملية التأليف. وهذا يعني ان أياماً قليلة قد تكون كافية لتبين ما اذا كانت معركة "الشهيات " المفتوحة والاحجام السياسية داخل الحكومة تقف وراء عرقلة التأليف، أم ان قطباً مخفية تطارد اقلاع عهد الرئيس ميشال عون وترسم خطوطها الحمر أمامه، علماً ان مزيداً من العرقلة المحتملة سيؤدي أيضاً الى اثارة شكوك كبيرة في استهداف شخص الرئيس المكلف سعد الحريري نفسه في مهمته. وقد رسخ هذا الانطباع تقاطع "اعلان النيات" الحسنة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل اللذين التقيا على تأكيد تقليص الفجوات أمام تأليف الحكومة مثبتين ضمناً طول باع كل منهما في مجريات التأليف سلبا أو ايجابا.
وقالت مصادر معنية بالمشاورات الجارية منذ الثلثاء الماضي لـ"النهار" إن عملية التأليف تكاد تنحصر في "مربع" النائب سليمان فرنجية الذي أفردت له نهائياً حقيبة التربية بعدما ثبتت حقيبة الأشغال في حصة الرئيس بري في مقابل افراد الصحة لـ"القوات اللبنانية " بدل الاشغال. وأشارت الى انه اذا توافرت نيات التسهيل فعلا فان توافقا لا يبدو صعبا بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس على وزير شيعي يعد من حصة الرئيس عون بعد التوافق بينهما على اسمه. لكن المفارقة التي رسمت علامات الشكوك حول مشروع المخرج الطروح تمثلت في ان اوساط "تيار المردة " أكدت ليلاً لـ"النهار" ان النائب فرنجية لم يتبلغ أي عرض جدي في صدد حقيبة التربية، علما انه لا يزال متمسكا باحدى الحقائب الثلاث الاتصالات أو الاشغال أو الطاقة. كما ان أوساط "القوات اللبنانية" اكدت بدورها انها لم تتبلغ تبديل حصتها في التشكيلة الحكومية.
في أي حال، لم يتجاوز الاجتماع الرباعي في قصر بعبدا الذي ضم رئيس الجمهورية الى الرؤساء بري والحريري وتمام سلام اطار كسر الجليد بين عون وبري. وبادر رئيس الجمهورية الى القول انه لا يتدخل في اسماء الوزراء. ثم قدم الحريري عرضاً لمجريات التأليف وما يعترضه من عقد. وجدد بري وعده بالتدخل لدى فرنجية لاقناعه بحقيبة التربية عند مشارفة عملية التأليف نهايتها، لكنه تشبث بحقيبة الأشغال. وبدا واضحاً ان احياء الحرارة في علاقة عون وبري ظل قاصرا عن تحقيق الاختراق الذي أمل فيه الحريري.

الرسالة القطرية
في غضون ذلك، اتخذت زيارة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لبيروت أمس بعداً بارزاً لجهة الاحاطة الخليجية بالوضع في لبنان منذ انتخاب رئيس الجمهورية، وقد أتت بعد يومين فقط من زيارة الموفد الملكي السعودي أمير مكة خالد الفيصل للبنان. ونقل الوزير القطري رسالة الى رئيس الجمهورية من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تضمنت دعوة الى زيارة قطر، ثم قام بجولة شملت الرؤساء بري وسلام والحريري والتقى ليلا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع كما التقى المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم.
وشدد الوزير القطري على ان موقف بلاده من لبنان " معروف وواضح من دعمه المستمر للشعب اللبناني". وتمنى ان "يتبع القرار الشجاع الذي انهى ازمة الفراغ بانتخاب الرئيس عون بقرار الذهاب الى تشكيل الحكومة تحت قيادة الرئيس الحريري ونحن سنستكمل دعمنا للأشقاء في لبنان وللحكومة اللبنانية".
ورأى الرئيس الحريري ان "الحراك الخليجي تجاه لبنان يدل على انفتاحه في اتجاه العودة الى لبنان الذي لم يتركه أساساً، لكن الازمات المتعاقبة في الداخل اللبناني وبخاصة الفراغ اوصلتنا الى الضياع ونرى الان بعد انتخاب الرئيس عون انه بات هناك أمل وعاد الامل لدى الخليجيين بان لبنان يتعافى". وأفاد انه ستكون للرئيس عون زيارات خليجية.
وعقب لقاء جعجع والوزير القطري سئل هو هدف زيارات المسؤولين الخليجيين للبنان هو "سحب الرئيس عون من الحضن الذي استدفأ فيه سنوات"، فأجاب جعجع :"لماذا هذا التفكير؟ هذه نظرة سلبية الى الأمور، فاليوم لدينا رئيس للجمهورية انتُخب حديثاً، فما الذي ننتظره ونتوقعه من كل دول العالم؟ لقد بدأت الزيارة الأولى من وزير خارجية إيران ثم تلتها زيارات من دول أخرى، ويجب ألا ننسى علاقات الصداقة بين لبنان ودول الخليج".