حضور بارز للمملكة في لبنان , نريد دولتكم للوفاق وليس للخلاف

 

السفير  :

إذا كان تأليف الحكومة يصطدم بجدار الالتزامات والتفاهمات المتناقضة التي شكلت ممرا إلزاميا لوصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، فإن القدرة على إيجاد توليفة ائتلافية في علاقات لبنان الدولية والإقليمية، تبدو هي الأخرى مهمة صعبة للغاية، خصوصا أن المنطقة تعيش في قلب الاشتباك وفي صلب نيرانه التي تلامس حدود لبنان ودواخله.
ولعل المسار الممتد من زيارة وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف ووزير شؤون الرئاسة السورية منصور عزام، الى زيارة مستشار الملك السعودي أمير منطقة مكة، خالد الفيصل، موفدا من الملك سلمان، من ثم وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، موفدا من أمير قطر، غدا، يشي بأن زمن الاستحقاقات الخارجية بدأ يفرض نفسه سريعا على جدول أعمال رئاسة الجمهورية، بدليل خطاب الاستقلال الأول الذي جاء باهتا للغاية ويكاد يكون صورة طبق الأصل عن خطابات العهد الوسطي السابق.
لكأن طائرة رئاسة الجمهورية تحوم في الأفق وتتزود بالوقود جوا، وهي تدور ثم تدور على نفسها، في انتظار أن ينجلي غبار المعارك عن أرض الاقليم، لكن الخطورة تكمن في أن يطول الانتظار، خصوصا أن هناك من تعهد لبنانيا (طبعا ليس رئيس الجمهورية) للقيادة السعودية بأن يؤدي مسار ترئيس «الجنرال» إلى انتزاعه، في أحسن الأحوال من حضن «حزب الله» والمحور السوري ـ الايراني الى المسار المقابل، أو في أسوأ الأحوال، يقف في منتصف الطريق، فيصبح رئيســــا وسطيا شبيها بميشال سليمان!
وفي زمن «الصور» و«المشهديات» و«العروض»، سيجلس الرؤساء الأربعة في منصة واحدة، اليوم، وهم يشاهدون العرض العسكري، لمناسبة عيد الاستقلال، في وسط العاصمة، قبل أن يتوجهوا إلى بعبدا لالتقاط صور جديدة، أبرزها تلك التي ستجمع رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، في ضوء الاشتباك السياسي المفتوح على مصراعيه بينهما، مع وقائع يومية، تشي بأن ممارسات ثأرية قد بدأت تطل برأسها من أكثر من وزارة وإدارة ومؤسسة رسمية، وربما تؤدي الى تأزم الموقف أكثر بين عين التينة وبعبدا.
ومن الطبيعي أن يحصل لقاء، قبل بدء التهاني الرسمية، في بعبدا بين عون وبري والحريري، وربما يعقد هذا اللقاء في نهاية الاستقبال، حيث تبحث الأمور المتعلقة بتشكيل الحكومة.
ووفق مصدر متابع لمسار التأليف، فإن الصيغتين الثلاثينية والعشرينية لم تحسما حتى الآن، ولكن الأمر يتوقف على فرصة التوافق مع الرئيس بري، علما أن محطة «أو. تي. في.» استبقت لقاء القصر، ورددت لليوم الثاني على التوالي، كلاما يوحي بحصر التفاهم والاتفاق على الحكومة، «بحسبِ روح الميثاق ونص الدستور، بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف تشكيلُها، وهو اتفاقٌ يضمن سلامةَ الولادة، وصحّةَ التركيبة، وآليةَ التنفيذ، أيا كانت آخر الذرائع، ومهما افتُعلت عراقيل وهميّة».
وقال المصدر المتابع لـ «السفير» إن رئيس الجمهورية ليس معنيا بالسجال الذي دار بالأمس بين بري والحريري، وكشف أن اللقاء بين عون والحريري «ركز على غربلة الحقائب، وتم التفاهم على الحقائب المتعلقة برئيس الجمهورية و «التيار الوطني الحر»، أي إنهما اتفقا على كل ما كان عالقا بين الحريري و «التيار» ومن ضمن الاتفاق حسم حصة «القوات اللبنانية» لأن «التيار» فاوض على حصته وحصة «القوات».
وعن كلام الحريري عن سؤال من يعطل التأليف الحكومي، قال المصدر نفسه إن الحريري «يقصد في ذلك حصة تيار المردة».
وكان الحريري قد أمل بعد مغادرته، أمس، القصر الجمهوري، «أن تحل العثرات التي تعترض تشكيل الحكومة»، مشيرا الى أنه «أصبح معروفا أين هي (العثرات)».
وعلى الفور، رد بري عليه قائلا: «ليس جوابا على دولة الرئيس سعد الحريري بل توضيحا له، الذي يعرقل هو الذي يخالف الدستور والأعراف وقواعد التأليف وليس من يحذر من ذلك، وقد يكون الهدف الأبعد الإبقاء على قانون الستين».
وقال مصدر آخر لـ «السفير» إن العثرات تتمحور حول الآتي:
أولا، الحصة الشيعية لن يكون من ضمنها أي وزير لرئيس الجمهورية، وبالتالي، لن يكون بمقدور «الثنائي» تسمية أي وزير غير شيعي!
ثانيا، تمت المقايضة بين عون والحريري، بحيث يعطى الأول حق تسمية وزير سني مقابل وزير ماروني للحريري (غطاس خوري).
ثالثا، لن يعطي رئيس المجلس موافقته على أي تشكيلة اذا لم تضمن مقعدا أساسيا لـ «المردة» (الصحة أو التربية أو الاتصالات أو الطاقة)، طالما هو يصر على التمسك بالاشغال العامة.
رابعا، تبلورت قناعة حريرية بوجوب إعطاء مقعد لـ «الكتائب» لكن لم يعرف على حساب حصة من مسيحيا، الا إذا تمت العودة الى صيغة الثلاثين التي لا يحبذها الحريري لأسباب سياسية مرتبطة بقدرتها على ضمان تمثيل مكونات لا يفضل وجودها في حكومة برئاسته.
خامسا، يجزم قياديون في «التيار» بأن أحدا لن يمس حصة «القوات» التي تضم نائب رئيس الحكومة ووزيرا في حقيبة خدمية أساسية وثالثا في وزارة عادية.. والأهم منح «القوات» حق «الفيتو» على الاسم المقترح من رئيس الجمهورية لحقيبة وزارة الدفاع، إذا لم يكن مقبولا من سمير جعجع.
سادسا، ثمة مفاجآت قد تحصل ضمن البيت الطائفي الواحد على صعيد الحصص والأسماء في آخر لحظة، من دون إعطاء تفاصيل إضافية.
من جهة ثانية، غلب على زيارة الموفد الملكي السعودي خالد الفيصل الطابع البروتوكولي، وخصوصا أنها مخصصة للتهنئة أولا ولتوجيه دعوة رسمية الى رئيس الجمهورية لزيارة السعودية ثانيا، ولم يتم خلالها البحث في تفاصيل محددة «لأن الرغبة هي أن تبحث كل الملفات خلال الزيارة الرسمية الى السعودية، ومنها هبة تسليح وتجهيز الجيش بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وقد وعد عون بتلبية الدعوة بعد تشكيل الحكومة لأنه يجب أن يكون الوفد الوزاري المرافق من الوزراء الأصيلين وليسوا من وزراء حكومة تصريف الاعمال» على حد تعبير مصدر رسمي.
وشملت لقاءات الموفد السعودي الذي غادر والوفد المرافق بيروت ليلا، رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النواب، رئيس حكومة تصريف الأعمال، رئيس الحكومة المكلف الذي أقام مأدبة عشاء على شرف الوفد السعودي شارك فيها حشد سياسي وروحي كبير، وألقيت كلمات مجاملة تميزت بطابعها الهادئ سياسيا، وشدد الأمير خالد الفيصل في كلمته في «بيت الوسط» على «أننا لا نريد لبنان ساحة خلاف عربي بل ملتقى وفاق عربي».
وفيما شكر العماد عون للقيادة السعودية الرعاية التي يلقاها اللبنانيون في بلادها ومساعداتها للبنان، التزم «حزب الله» الصمت إزاء زيارة الموفد السعودي، لكن المقدمة السياسية لنشرة أخبار محطة «المنار» تكفلت بـالضيافة، وقالت الآتي: «اللبنانيون على عهدهم، سيحيون الاستقلال ويؤجلون الى ما بعده السؤال»، وأضافت: «السؤال الذي ندعوه (الأمير خالد الفيصل) للإجابة عليه: هل سترسل بلاده موفدا الى العراق لتهنئتهم بحسن إدارة الزيارة المليونية لاربعينية الامام الحسين، ومن ثم اعتذاره عن تطاول صحيفة بلاده «الشرق الاوسط» المقربة جدا من ديوانهم ودواوينهم الملكية، على المسلمين وشعائرهم الدينية ومناسباتهم الروحية بلغة فتنوية ما غادرت صفحاتها يوما.. هل سيعتذرون لمنظمة الصحة العالمية وللعالم عن الكذب الذي يمارسونه إعلاما وسياسة، كلما خنقهم ميدان، أو خذلهم رهان، من اليمن الذي فضح وهنهم، الى العراق وسوريا حيث سيوؤد حلمهم وتكفيريوهم»

 

النهار :

تزاحمت عشية احياء لبنان الذكرى الـ 73 لاستقلاله دلالات المواقف السياسية الداخلية من الذكرى ومن مأزق تعثر تأليف الحكومة الجديدة التي ستكون الغائب الأكبر عن مشهدية "عودة الدولة" عبر العرض العسكري في جادة شفيق الوزان وفي الاستقبالات التقليدية في القصر الجمهوري، فيما اضفى حضور الموفد السعودي الى لبنان مستشار الملك سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة مكة الامير خالد الفيصل ابعادا بارزة على الاتجاهات السعودية الدافئة حيال العهد ولبنان من خلال تكريس الرياض العاصمة العربية الاولى التي سيزورها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
ووسط هذا المناخ الذي "اختنق" بالمأزق الحكومي الذي يشد باقلاع العهد والحكومة العتيدة الى الوراء برزت الكلمة الاولى للرئيس عون في ذكرى الاستقلال التي القاها مساء أمس والتي، وان جاءت مكملة لخطاب القسم في اطارها العام، تضمنت عناوين حصرية لبعض الملفات والاستحقاقات أبرزها واقع لبنان وسط زلازل المنطقة وتشديدها على تعزيز الجيش والوحدة الوطنية ومشاركة الجميع في ورشة البناء الوطني. وخاطب الرئيس عون اللبنانيين قائلاً: "ان آمالكم المعقودة على هذا العهد كبيرة بحجم تضحياتكم ومعاناتكم وانتظاركم وكما بدأنا هذه الطريق معا سنكملها معا فجهزوا سواعدكم لان أوان بناء الوطن قد حان وورشة البناء تحتاج الى الجميع وخيرها سيعم الجميع". واذ شدد على انه " اصبح لزاما علينا ان نحصن الاستقلال وان نعيد اليه قوته " اعتبر ان ذلك " يعني الامتناع عن اللجوء إلى الخارج لاستجداء القرارات الضاغطة على الوطن بغية الحصول على منفعة خاصة على حساب المصلحة العامة". كما شدد على "تعزيز الوحدة الوطنية كضرورة قصوى وأولوية لتحصين لبنان وتأمين استقراره، " مبرزاً وجوب "ايلاء المواطنين في المناطق الحدودية من الشمال الى الجنوب اهتماماً خاصاً لتنمية بلداتهم وقراهم". وتناول واقع المؤسسات التي "عانت ولا تزال من وهن"، داعياً الى "تحديثها وتغيير أساليب العمل وقواعده وتحرير العنصر البشري من ثقافة الفساد". كما افرد حيزا لافتاً للجيش فاشاد به كمصدر أمن وطمأنينة وثقة وضمان توحيد مشددا على تعزيز قدراته.

 

خالد الفيصل
وكان الرئيس عون أعرب لدى استقباله الامير خالد الفيصل عن "حرص لبنان على تعزيز العلاقات اللبنانية - السعودية " مقدرا المواقف التي يتخذها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز حيال لبنان. واعلن الامير خالد الفيصل انه نقل دعوة الى الرئيس عون لزيارة المملكة وان رئيس الجمهورية سيلبي الدعوة بعد تشكيل الحكومة.
وبعد زيارتيه للرئيسين نبيه بري وتمام سلام زار الامير "بيت الوسط" حيث اقام رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري مأدبة عشاء على شرفه تميزت بجمعها حشدا واسعا من الشخصيات السياسية والرسمية والنيابية والوزارية. واعتبر الحريري ان "هذا الجمع الوطني انما هو تعبير عن عمق المحبة والمودة والاحترام التي يكنها جميع اللبنانيين للمملكة العربية السعودية وان المجتمعين انما اتوا ليقولوا ان علاقات لبنان وشعبه مع المملكة أكبر من ان تمس وأعمق من ان ينال منها".

 

"محركات" التأليف
في غضون ذلك، اكدت مصادر في "تيار المستقبل " مساء أمس لـ"النهار" ان الرئيس الحريري سيحضر اليوم العرض العسكري الى جانب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام.
وعلمت "النهار" ان الحريري لدى وصوله الى قصر بعبدا صباح امس للقاء الرئيس عون، فاتحه الاخير بالخبر الذي نشرته "النهار" البارحة عن احتمال تغيبه عن العرض العسكري وألح عليه شخصياً ان يشارك الى جانبه مع الرئيسين بري وسلام، كإشارة الى حسن انطلاقة العهد، وكرسالة الى الداخل والخارج مفادها ان لا أزمة، وان ما يحصل على صعيد تأليف الحكومة ليس سوى وضع عابر سرعان ما سيتم تخطيه. وقد نزل الحريري عند رغبة عون وتمنيه عليه الحضور.
من جهة أخرى، قالت المصادر في "تيار المستقبل" ان محركات التأليف أقلعت مجددا صباح أمس وانها ستعمل بقوة في اليومين المقبلين، مع وضع صيغة الـ 30 وزيراً الى جانب صيغة الـ24 المطروحة أساساً. ووصفت اجواء بداية الاسبوع بأنها مشجعة لان العقد تضاءلت الى حد بعيد، من غير ان تنتفي نهائيا.
ورداً على سؤال عما ما اذا كان الصراع على الحقائب سيطول، لاحظت المصادر ان الصراع على الحقائب امر طبيعي، لكن المهم الا يكون في الامر ما هو أبعد أي صراع ارادات.
وفي دردشة على هامش العشاء الذي اقامة الرئيس الحريري على شرف الموفد السعودي، وقال رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع إن المشكلة ليست مشكلة حقائب بالنسبة الى العراقيل التي توضع في وجه تأليف الحكومة، بل انها مشكلة التعامل مع عهد جديد، ومشهد جديد في الساحة اللبنانية، ولذلك تزاحمت "الرسائل " المتعددة الشكل الى العهد بهدف تحجيمه وما يحصل على مستوى تأليف الحكومة هو احدى الرسائل.

بري والحريري
وتعول بعض الاوساط على اللقاءات الجانبية التي ستتيحها مشاركة الرؤساء بري والحريري وسلام اليوم الرئيس عون في استقبالات قصر بعبدا للبحث في مخارج للعقد التي لا تزال تعترض تأليف الحكومة وخصوصاً بعدما توترت الاجواء بين بري والحريري عقب قول الاخير من بعبدا أمس إن "من يعرقل معروف" ورد عليه بري "ان من يعرقل هو من يخالف الدستور والاعراف وقواعد التأليف".
وقال بري امام زواره ان "لا جديد نهائياً في موضوع الحكومة وما قلته كان نهائيا وابلغته الى الرئيس الحريري، أما من يعرقل فالجواب ليس عندي وليسأل من يعرقل التأليف". وكرر انه لن يشارك في حكومة من دون النائبين سليمان فرنجية ووليد جنبلاط. وأضاف: "كل من يهاجمني على غير وجه حق سيسمع الجواب المناسب، اما اذا هاجمني وكان معه حق في نقطة معينة سأراجع نفسي وأقول معه حق".

 

 

المستقبل :

بمعزل عن الضخ الإعلامي والسياسي الذي زجّ التأليف الحكومي منذ لحظات التكليف الأولى في سباق معنوي ضاغط مع ذكرى الاستقلال اليوم، تحلّ الذكرى الاستقلالية الـ73 على اللبنانيين وسط فرحة وطنية مُستحقّة بعد تحرر الجمهورية من براثن الشغور الرئاسي ومفاعيله الهدامة التي استحكمت بمقدرات الدولة طيلة عامين ونصف العام. ولأنّ لبنان الذي يحتفل باستقلاله اليوم عروبي الهوية والانتماء أضحت الفرحة الوطنية مزدوجة عشية الذكرى مع الاحتضان العربي الوازن الذي جسدته المملكة العربية السعودية للعهد الجديد من خلال زيارة موفد خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل إلى بيروت أمس ناقلاً رسالتين من الملك سلمان بن عبد العزيز إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، الأولى تهنئ بانتخابه والثانية تدعوه لزيارة المملكة «في أقرب فرصة ممكنة» فوعد عون بتلبية الدعوة فور تشكيل الحكومة على أن تكون السعودية أولى محطات رحلته العربية. أما لعموم اللبنانيين، فرسالة – أمنية سعودية أخوية عبّر عنها الأمير خالد الفيصل من بيت الوسط بعبارة بالغة الدلالة والاتزان قائلاً: «لا نريد لبنان ساحة خلاف عربي بل ملتقى وفاق عربي». 

إذاً، طغت زيارة الوفد السعودي الرسمي إلى بيروت أمس على شريط الأحداث السياسية والإعلامية انطلاقاً من مضامينها العربية والسعودية الوازنة في كفة دعم لبنان 

ووحدته وسيادته. وفد خادم الحرمين الشريفين الذي تقدّمه مستشاره الأمير خالد الفيصل يرافقه وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور نزار مدني والمشرف العام على مكتب أمير مكة المستشار عبد الله بن عابد الحارثي، إلى جانب القائم بالأعمال السعودي في بيروت وليد البخاري، استهلّ جولته اللبنانية من قصر بعبدا حيث اجتمع برئيس الجمهورية الذي أكد للوفد الحرص على تعزيز العلاقات اللبنانية - السعودية، معرباً عن تقدير المواقف التي يتخذها العاهل السعودي تجاه لبنان وعن شكر القيادة السعودية للرعاية التي يلقاها اللبنانيون في رحاب المملكة، مع تشديد عون على أن لبنان حريص على الاستمرار في الدور الإيجابي الذي لطالما أداه في خدمة القضايا العربية المشتركة. 

وإذ التقى كلاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة ورئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام في المصيطبة، اختتم وفد خادم الحرمين زيارته اللبنانية في بيت الوسط حيث كان في استقباله الرئيس المكلف سعد الحريري الذي أقام مأدبة عشاء تكريمية على شرف الأمير الفيصل والوفد المرافق حضرها حشد من القيادات السياسية والروحية والأمنية والسفراء العرب المعتمدين في لبنان إلى جانب شخصيات وطنية واقتصادية واجتماعية وإعلامية. وخلال العشاء كانت كلمة للرئيس الحريري لفت فيها إلى أنّ هذا «الجمع الوطني» إنما هو تعبير عن عمق المحبة والمودة والاحترام التي يكنّها كلّ اللبنانيين للمملكة ولشعبها وقيادتها ولخادم الحرمين الشريفين« منوهاً بأنّ رسالة اللبنانيين الحقيقية إلى السعودية تؤكد أنّ «علاقات لبنان وشعبه مع المملكة أكبر من أن تُمسّ، وأصدق من أن تُعكّر، وأعمق من أن يُنال منها». وتوجه الحريري إلى الأمير الفيصل بالقول: «إنّ توقيت زيارة سموكم والوفد المرافق عشية عيد الاستقلال، إنما هو تعبير عن تمسك المملكة العربية السعودية باستقلال لبنان وسيادته وازدهاره، تماماً كما أن رسالة هذه الأمسية الطيبة هي أن لبنان المتمسك بهويته العربية ملتزم بكل القضايا التي تحمل المملكة رايتها، بدءاً من استعادة الحقوق العربية كافةً وصولاً إلى مكافحة التطرف والإرهاب بكل أشكاله ومسمياته».

بدوره، رد الأمير الفيصل على كلمة الحريري الترحيبية بالقول: «أحمل إليكم تحية خادم الحرمين الشريفين متمنياً لكم عيداً مباركاً وفاتحة خير إلى مستقبل عظيم لشعب عظيم وقيادات حكيمة»، مشيراً إلى أنه نقل إلى رئيس الجمهورية رسالتين من الملك سلمان «الأولى لتهنئته باختياره وانتخابه رئيساً، والثانية لتقديم الدعوة لفخامته لزيارة المملكة العربية السعودية» كاشفاً في هذا المجال أنّ عون رحب وقبل الدعوة «على أن تبدأ بعد استكمال مشاورات تشكيل الحكومة وأن زيارته للمملكة سوف تكون الأولى من لبنان إلى أي بلد عربي«.

وفي حين أشاد بقدرة الشعب اللبناني «على صنع المستحيل»، ختم موفد خادم الحرمين كلمته ناقلاً إلى اللبنانيين «رغبة وتمنيات اخوانكم وأخواتكم السعوديين والسعوديات بأننا لا نريد لبنان ساحة خلاف عربي بل ملتقى وفاق عربي».

ولاحقاً غادر الأمير فيصل والوفد المرافق إلى جدّة عبر مطار رفيق الحريري الدولي حيث كان في وداعه ممثل الرئيس عون الوزير الياس بو صعب، بعدما كان الوزير جبران باسيل في استقبال وفد خادم الحرمين لدى وصوله ظهراً ورافقه من المطار إلى قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية. 

مشاورات التأليف

وكان الرئيس المكلف قد زار أمس قصر بعبدا قبل الظهر حيث تداول مع عون في آخر التطورات المرتبطة بتشكيل الحكومة الجديدة في ضوء الاتصالات الأخيرة. وبعد اللقاء أكد الحريري في دردشة مع الصحافيين الاتفاق مع رئيس الجمهورية «على الأمور كافة»، مكتفياً بالقول رداً على سؤال عن مدى قرب إعلان التشكيلة الحكومية: «من يُعقّد معروف إسألوه».

وعلى الأثر، عمّم الرئيس بري تصريحاً إعلامياً قال فيه: «ليس جواباً على دولة الرئيس سعد الحريري بل توضيحاً له، الذي يعرقل هو الذي يخالف الدستور والأعراف وقواعد التأليف وليس من يحذّر من ذلك، وقد يكون الهدف الأبعد الإبقاء على قانون الستين«.

 

الديار :

خطاب الاستقلال لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون اكد فيه على ثوابت عهده ببناء الدولة وتحصين لبنان مؤكداً ان ورشة البناء تحتاج الى الجميع، وخبرها سيعم على الجميع. وكما بدأنا الطريق معاً سنكملها معاً، فجهزوا سواعدكم لان بناء الوطن قد حان.
وجدد الرئيس موقفه حول ما تعانيه المؤسسات الوطنية من وهن تضاعف بسبب الخلل في الممارسة السياسية والدستورية. ولا يمكن ان ننهض من جديد ما لم يتم تحديثها وتغيير اساليبها وقواعدها. واضاف «ان الامور لا تستقيم ما لم نحرر العنصر البشري من ثقافة الفساد، ومكافحته تكون بالتربية وبالقانون من خلال التشريع الملائم. ووجه التحية للجيش اللبناني الذي هو مصدر امن وطمأنينة وضمانة وتوحيد وسيادة».  وهو يستطيع ان يقوم على الحدود بما يقوم به في الداخل، اذا ما تعززت قدراته التقنية وتدرب على اساليب ملائمة لانواع القتال المحتملة التي سيواجهها في المستقبل. ودعا الى تحصين الاستقلال وان نعيد له قوته، ما يعني الامتناع عن اللجوء الى الخارج لاستجداء القرارات الضاغطة على الوطن، بغية الحصول على منفعة خاصة على حساب المصلحة العامة ايا تكن هذه المنفعة. (خطاب الرئيس عون صفحة 5)
اما على صعيد الحكومة، فان حكومة الاستقلال لن تولد في ظل استمرار التعقيدات والشروط والشروط المضادة. وفي المعلومات، ان الرئيس المكلف سعد الحريري قدم صيغة حكومية للرئيس عون تضمنت اعطاء وزارة التربية للمردة وابقاء «الاشغال» للقوات اللبنانية، وكذلك عدم اعطاء وزير شيعي من حصة رئيس الجمهورية. وذكر ان هذه الصيغة لم يتم التوافق عليها، وهذا ما دفع الحريري بعد لقائه رئيس الجمهورية الى القول «نحن ورئيس الجمهورية متفقان على كل الامور، ونأمل ان تحل بعض العثرات التي تعترض التشكيل واصبح معروفاً اين هي. ونأمل ان تحل، لكن من يعقد الامور معروف فاسألوه». وسرعان ما جاء الرد سريعاً من قبل الرئيس نبيه بري الذي قال: «ليس جواباً على الحريري بل توضيح له، الذي يعرقل هو الذي يخالف الدستور والاعراف وقواعد التأليف وليس من يحذر من ذلك، وقد يكون الهدف الأبعد الابقاء على الستين».
مصادر الرئيس سعد الحريري اكدت ان كلام الرئيس بري ليس موجهاً ضدها او ضد الحريري، بل المقصود به رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. واشارت المصادر الى ان الرئيس الحريري استأنف اتصالاته بعد توقف لـ48 ساعة.

ـ بري: لن اشارك اذا لم يشارك فرنجية ـ

الرئيس نبيه بري اكد امام الزوار: «لا شيء جديد عندي حول موضوع الحكومة، ما قلته قد قلته». وحول من يعرقل تأليف الحكومة  قال: الجواب ليس عندي، فليُسأل من يعرقل. وحول ما يقال عن محاولة لعدم اشراك فرنجية، رد حاسماً «قلت واذكّر، وليكن معلوماً فكلامي واضح وهو انني لن اشارك اذا لم يشارك فرنجية ووليد جنبلاط في الحكومة».
وعن الاجواء السلبية التي تجيش ضده قال: «كل من يهاجمني عن غير وجه حق يسمع جوابي المناسب».
وحول ما يقال عن محاولات منه للضغط على القوات قال: «في مسألة تشكيل الحكومة لا علاقة لي بالقوات ولا بغيرهم، فعلاقتي مع الرئيس المكلف، وقد قلت له ما عندي وابلغته موقفنا وهذا الموقف واضح ونهائي».
واشارت مصادر متابعة لملف تأليف الحكومة، ان الوضع «مسكر» وليس هناك من «حلحلة» بين الرئيس عون وبري، والتوتر انتقل ايضاً الى جبهة بري - الحريري. واشارت المصادر الى ان المعركة الاساسية هي على ملف النفط، فرئيس الجمهورية يريدها من حصته والرئيس بري يريد اسنادها الى تيار المردة والى الوزير الاسبق بسام يمين.

ـ 8 آذار وتمثيل فرنجية ـ

اما قوى 8 اذار فتؤكد انها لن تعطي حصة وازنة لرئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وحجمه النيابي لا يسمح له باعطاء 4 وزارات مع وزارة لميشال فرعون من حصة القوات اللبنانية. وبالتالي، فان الرئيس بري الذي يفاوض باسم 8 اذار هو يفاوض في هذا المجال باسم حزب  الله وحركة امل والمردة والقومي وطلال ارسلان والبعث. وبالتالي، لا تراجع عن تمثيل المردة بحصة اساسية. وتؤكد قوى 8 آذار، انها لن تسمح بتحجيم سليمان فرنجية لمصلحة سمير جعجع او جبران باسيل المصر على تحجيم حصة المردة لامور تتعلق بالانتخابات النيابية المقبلة، او ربما لحسابات رئاسة الجمهورية بعد انتهاء عهد العماد ميشال عون. ولذلك، تعتبر 8 آذار ان المعركة الحالية هي معركة احجام وقانون انتخابات. ولذلك، فان 8 آذار التي  يفاوض باسمها الرئيس بري، تريد الحصة الشيعية كاملة عبر اسناد المالية والاشغال لحركة امل ووزارة الشباب والرياضة والصناعة لحزب الله.  واذا تم اسناد حقيبة شيعية الى الرئيس عون، فان من حق الرئيس بري ان يقترح الاسم الشيعي، ولا يمكن ان تكون حصة الطوائف الاسلامية جميعها موازية لحصة الثنائي المسيحي فقط، وهذا لن يحصل.

ـ القوات اللبنانية ـ

القوات اللبنانية مرتاحة جداً الى اجواء التحالف الثنائي بينها وبين الرئيس ميشال عون وتعتبر ان الوزير جبران  باسيل يفاوض باسمها وباسم التيار الوطني الحرّ، وان الوضع المسيحي يعيش افضل ايامه منذ العام 1990، وهي مرتاحة ايضاً لإصرار رئيس الجمهورية على اعطاء حصة وازنة للقوات اللبنانية. كما ان القوات اللبنانية ستصر اذا استمر «الفيتو» على اعطائها وزارة الاشغال على العودة  للمطالبة بحقيبة سيادية.
اما حزب الكتائب، فتشير المعلومات الى ان الرئيس امين الجميل عندما زار بعبدا والتقى الرئيس ميشال عون، طرح معه توزير الكتائب الحريصة على انجاح مسيرة العهد. كما ان رئيس الحزب سامي  الجميل ابدى رغبة ايجابية امام الرئيس عون لدعم العهد الجديد والمشاركة في الحكومة. وفي المعلومات، ان النائب سامي الجميل يرغب اذا اسندت وزارة الصناعة الى كتائبي ان يكون هو وزيراً للصناعة لاستكمال ما بدأه شقيقه الشهيد بيار الجميل في وزارة الصناعة.
هذه الاجواء توحي بان مسار تأليف الحكومة امامه مطبات كبيرة، وربما يطول موعد التأليف، الا اذا حصلت تطورات بدلت الامور في الساعات المقبلة، في ظل مساع يقوم بها اصدقاء مشتركون بين الرئيسين عون وبري من اجل عقد خلوة بينهما على هامش احتفالات الاستقلال تؤسس لمخرج ما.

ـ موفد سعودي ـ

وفي ظل الاجواء الحكومية الملبدة، زار امير مدينة مكة المكرمة الامير خالد الفيصل لبنان موفداً من الملك السعودي سليمان بن عبد العزيز، والتقى الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وتمام سلام وسعد الحريري. وقد وجه الامير خالد الفيصل دعوة للرئيس عون لزيارة المملكة العربية السعودية والتأكيد على تعيين سفير جديد للسعودية في لبنان بعد تأليف الحكومة. ونقلت مصادر سعودية تأكيدها ان الهبة السعودية للجيش اللبناني ستستكمل، لكن لاي مهمة؟ وتؤكد المصادر السعودية «اذا استخدم السلاح حسب المهمة الاساسية للجيش اللبناني بحماية الحدود والاوضاع الداخلية، سيتم استكمال الهبة ومباركتها. اما اذا كانت لحماية حزب او جيش، سيكون للسعودية موقف، وإذّاك لكل حادث حديث.
وتقول المصادر ان ما سمعوه ان حزب الله اللبناني سيكون منضبطاً داخل الاراضي اللبنانية لمساعدة الشرعية اللبنانية ورئاسة الجمهورية. اما موضوع حزب الله ودوره الاقليمي، فهو خارج البحث من قبلنا، لان هذا الوجود خارج الاراضي اللبنانية. وبالتالي، فان التعامل ليس من صلاحيات الحكم اللبناني.

 

الجمهورية :

يحتفل لبنان اليوم بعيد الاستقلال، وكلّ الدولة حاضرة في العيد، ولعلّ هذه الفرصة الجامعة تسحب نفسَها على مسار التأليف بنيّاتٍ حسنة وصادقة، وبغسلِ قلوب يوفّر الحد الأعلى من التواضع، وكذلك التفهّم والتفاهم بين مختلف الأطراف، بما يُكمّل الصورة الحكومية ويُعجّل بولادتها جامعةً لكلّ الأطراف ومن دون استثناء.

للعيد وهجُه هذه السنة، بعد اكتمال صورة الدولة بانتخاب رئيس الجمهورية، ومن حق اللبنانيين أن يطمحوا لأن يشكّل العيد، نقطة الانطلاق نحو الاستقلال الحقيقي الذي لطالما تاقوا إليه، تصان فيه السيادة بكلّ معانيها، ويحرّر اللبنانيين من كلّ ما ينغّص حياتهم، ويزيد من هواجسهم، ويُخرجهم من عتمة المشكلات وما أكثرها، والأزمات التي تراكمت على مرّ السنوات.. إستقلال حقيقي، تلتقي فيه كلّ الإرادات الداخلية على صيانة الاستقرار الداخلي وتعزيز الأمن الداخلي وعلى الحدود، وللجيش والأجهزة الامنية جهود مشهود لها في هذا المجال، وكذلك توفير الأمان الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي، الذي هوالمطلب الأكثر إلحاحاً لدى كلّ اللبنانيين.

ولقد شكّلت رسالة الاستقلال لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وهي الأولى بعد غياب سنتين وأكثر، فرَضه الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى، محطةً بارزة، فجاءت استكمالاً لخطاب القسَم، حدّد فيها خريطة الطريق إلى كيفية علاج الداخل من الأمراض التي يعانيها.

هذا في وقتٍ ما زالت السلبية تتحكّم بمسار التأليف، وأبقَته عالقاً في دائرة التعقيدات من هنا وهناك. لا بل إنّها أبقَت مزاج البلد بشكل عام «معوكراً»، جرّاء تعكّر المزاج الرئاسي على خط التأليف، والذي لم يصفُ بعد في غياب الوصفات العلاجية التي لا يبدو أنّها في المتناول حتى الآن.

لفتة فرنسيّة

وفي خطوة بارزة تدلّ إلى عمق العلاقات اللبنانية - الفرنسية، وفيما تقترب باريس من انتخاباتها الرئاسيّة حيث تدخل تلك العلاقات كعنصر بارز في الحملة الانتخابية بين المتنافسين نظراً للأهمية التي يشكلها لبنان في السياسة الفرنسية العالميّة وسط تصاعد اليمين المتطرف، حضرت رئيسة حزب «الجبهة الوطنية» المرشحة للانتخابات الرئاسية مارين لوبان وعدد من النواب الفرنسيين حفلَ الاستقبال الذي أقيم في مقر السفارة اللبنانية في باريس بمناسبة عيد الاستقلال.

وأشار سكرتير الدولة الفرنسي للتنمية الدولية ماتياس فيكل إلى أنّ «لبنان طوى صفحة عبر انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد أكثر من سنتين من الفراغ وتسمية رئيس حكومة جديدة». وأكّد أنّ «الأولوية الآن هي لتشكيل حكومة تجسّد هذه الاندفاعة الجديدة، ونعرف الجهود المبذولة في هذا الاتجاه ونتمنّى نجاحها».

التأليف المعطّل

إلى ذلك، دخلَ التأليف الحكومي في دائرة التعقيد، على نحو لم يَشفع له اللقاء بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري في بعبدا أمس والذي انتهى بتوجيه الحريري اتّهاماً إلى جهات لم يسَمِّها بالتعطيل، الأمر الذي ولّد انطباعاً بأنّ الولادة الحكومية قد تتأخّر الى أجل غير مسمّى، ويتأخّر معها استحقاق قانون الانتخاب الموعود، وربّما الاستحقاق النيابي برُمّته. وبدا من المواقف أنّ الخلاف على التأليف ليس خلافاً تقنياً بمقدار ما ينطلق من خلفيات سياسية تتعاظم يوماً بعد يوم، مشفوعةً بكيديات وفيتوات متبادلة.

زوّار بعبدا

في هذا الوقت، نقل زوّار قصر بعبدا لـ«الجمهورية» انّ زيارة الحريري لم تكن مقررة من قبل، وأنه رغبَ بوضع رئيس الجمهورية في حصيلة الاتصالات التي كانت جارية بعيداً من الأضواء كما تمّ التفاهم من قبل بينهما. وهو أبلغَ عون أنّ ما كان عالقاً في المفاوضات الجارية بينه وبين «التيار الوطني الحر» قد تمّ التفاهم بشأنه، وخصوصاً تلك المتصلة بالتفاهم على الحقائب المخصصة للطرفين».

ولفت هؤلاء إلى «أنّ ما تبقّى من عقَد حكومية تعوق التشكيلة الوزارية بات محصوراً بتلك التي ما زالت عالقة بين رئيس مجلس النواب و«التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية الذي يرغب بتسمية حصته من الطوائف الأساسية، ومنها حقيبتان سنّية وشيعية، والتي ما زالت الحقيبة الشيعية منها مدارَ جدل مع بري الذي لا يرغب بالتخلي عن أيّ مِن المقاعد الشيعية، ولا بالنسبة إلى مطالبه بالحقائب العائدة إلى فريق «الأوراق البِيض» في جلسة 31 تشرين الأول الماضي.

وعلمت «الجمهورية» أنّ الرئيس المكلف لم يرفع أيّ تشكيلة وزارية لرئيس الجمهورية، وأنّ زيارته الى قصر بعبدا تأتي في سياق الاتصالات التي استأنفها، بعد تراجُع حدّة التوتر على جبهة بعبدا ـ عين التينة، والذي انعكسَ جموداً لأيام عدة على هذه الاتصالات.

«المستقبل»

ووصَفت مصادر «المستقبل» أجواء اللقاء بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بأنّها كانت جيّدة.

ونفَت حصول أيّ اشتباك سياسي بين الرئاستين الثانية والثالثة، وقالت لـ«الجمهورية»: «إنّ الرئيس الحريري ليس في صَدد الاشتباك مع أحد، بل هو يعمل بجهد لتأليف الحكومة العتيدة، وليس لكي يشتبك مع أحد، ثم إنّ الرئيس بري كان واضحاً في ردّه بأنّ جوابه ليس جواباً على الرئيس الحريري، وبالتالي ليس هناك أيّ اشتباك «.

ولا تلمس المصادر نيّة عند أيّ طرف بتفشيل مهمّة الرئيس المكلف، إلّا أنّها لفَتت إلى وجود مطالب وطموحات متناقضة، وهذا بالأمر طبيعي، ومهمّة الرئيس المكلف هي أن يوازن بين هذه المطالب.

وأكّدت المصادر أخيراً مشاركة الحريري في احتفالات الاستقلال اليوم «إلّا إذا حتَّم عمله عليه السفر».

الحريري

وكان الحريري قد قال بعد زيارته بعبدا: «نحن متّفقون مع فخامة الرئيس على كلّ شيء، هناك بعض العثرات ومن يعطّل معروف اسألوه». ​

برّي

وسارَع بري إلى التعليق على كلام الحريري، فقال في تصريح له: «ليس جواباً على دولة الرئيس سعد الحريري بل توضيحاً له، الذي يُعرقل هو الذي يخالف الدستور والأعراف وقواعد التأليف، وليس من يحذّر من ذلك، وقد يكون الهدف الأبعد الإبقاء على قانون الستّين».

وأمام زوّاره، قال بري أن لا جديد في الموضوع الحكومي، وما قلته قلته، وكلامي كان نهائياً وأبلغته الى الحريري.

وحول الحكومة ومَن يعرقلها، قال: «الجواب ليس عندي، فليُسأل من يعرقل».

وقيل له إنّ هناك من يصرّ على رفضِ إشراك النائب سليمان فرنجية في الحكومة، فقال: «قلت وأكرّر، ليكن معلوماً أنّني شخصياً لا أشارك في حكومة بلا النائبين وليد جنبلاط وفرنجية».

وعن وجود من يجيّش أجواء سلبية ضدّه، أجاب بري: «كلّ من يهاجمني عن غير وجه حقّ فسيَسمع الجواب المناسب، وأمّا إذا هاجمني في نقطة معيّنة ويكون معه حق، أراجع نفسي وأقول معه حق».

وحول ما يقال عن محاولات ضغط على «القوات» لتحجيم تمثيلها، قال: «في مسألة تشكيل الحكومة، لا علاقة لي لا بالـ«القوات» ولا بغيرها، أنا علاقتي مع الرئيس المكلف».

رئيس حزب مسيحي

وأكّد رئيس حزب مسيحي لـ«الجمهورية» أنّ «أزمة ولادة الحكومة لا تتعلّق بحقيبة بالزائد أو بالناقص، وليست مسألة وزير سياديّ، أو تمثيل أحزاب وخلافاً على الأحجام السياسيّة، بل إنّ المسألة أبعد من ذلك بكثير، فهناك من استيقَظ على واقع جديد وتخطّى موضوع التأليف الحكومي». وشدّد على أنّ العرقلة هي عرقلة لانطلاقة العهد وللرئيس المكلّف على السواء».

وأضاف: «إستعراض «حزب الله» العسكري في القصَير لم يكن إلّا رسالة للداخل، وإذا لم تصل الرسالة بشكل واضح أتبعَوها بعرض «سرايا التوحيد» في الجاهلية، وهذا العرض الأخير ليس موجّهاً إلى الساحة الدرزيّة الداخلية».

وردّاً على سؤال عن الوقت الذي ستبصِر فيه الحكومة النور: أجاب: ما زلنا في بداية الطريق، مشَكّكاً بوجود نية حقيقية بتسهيل التأليف.
ولفتَ إلى أنّ «التحالف الجديد بين «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» و«القوّات» أخاف المعرقلين».

مجموعة تعقيدات

وكانت مصادر تواكب مساعي التأليف قد تحدّثت عن مجموعة من التعقيدات، أبرزُها:

- إصرار فريق رئيس الجمهورية على تمثيل «القوات اللبنانية» بالحجم المعلن.

- إصرار «حزب الله» على تمثيل رئيس تيار «المردة» النائب فرنجية والحزب السوري القومي الاجتماعي، مع شرط أساسي أنه يربط مشاركته في الحكومة بمشاركتهما. ونُقل عن مستويات رفيعة في الحزب قولها «لن نشارك في حكومة بلا فرنجية و«القومي».

- إصرار رئيس مجلس النواب نبيه بري على حصّته الوزارية المتمثلة بحقيبتَي المال والأشغال، إضافةً إلى تمثيل فرنجية، وهو ربَط مشاركته في الحكومة بوجود فرنجية فيها.

- إصرار قوى سياسية على اختلافها على التمثيل بغير طوائفها. فرئيس الجمهورية يريد تمثيلاً شيعياً وسنّياً، والرئيس المكلف يرغب بتوزير مسيحي من كتلته، ورئيس مجلس النواب و«حزب الله» يرغبان بأن يكون توزير فرنجية و«القومي» من الحصّة المسيحية، الأمر الذي لا يلقى قبولاً من عون و«القوات».

- عقدة تمثيل الروم الأرثوذكس وموقع نائب رئيس مجلس الوزراء الذي ما يزال محلَّ تجاذب.

أمام هذه العقد، أكّدت المصادر لـ«الجمهورية» أنّ «الامور مستعصية وتكاد تكون عادت إلى المربّع الأول، وعزّز ذلك الاشتباكُ المتفاقم بين الرئاسات وتبادل الاتهامات بالعرقلة، وهذا يُنذر بطول أمد التأليف والغرَق في تفاصيل قد لا يكون معلوماً كيف ستُسحَب الشياطين من داخلها».

وأكّدت المصادر أنّ الكلّ، وخلافاً للكلام المعسول عن تسهيل التأليف لا يقرن هذا القول بالفعل، بدليل تبادل الطروحات التعجيزية والتشبُّث بها، والتعاطي مع الاستحقاق الحكومي كقطعة جبنة يحاول كلّ طرف ان يقضم جزءاً منها وأكبرَ من حجمه».

دعم سعودي

إلى ذلك، لا تزال جرعات الدعم للعهد الجديد تتوالى، وجديدُها دعمٌ سعودي عبّرت عنه زيارة وفد سعودي موفداً من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الى بعبدا وعين التينة والمصيطبة و»بيت الوسط».

وضمّ الوفد مستشارَ خادم الحرمين الشريفين امير منطقة مكة خالد الفيصل ووزير الدولة للشؤون الخارجية نزار مدني، والمشرف العام على مكتب أمير مكة المستشار عبد الله بن عابد الحارثي، والقائم بالأعمال السعودي في بيروت المستشار وليد البخاري.

وفيما سلّمَ الفيصل الى الرئيس عون رسالة تهنئة من الملك سلمان ودعوةً منه لزيارة المملكة في أقرب فرصة، أكّد عون حِرص لبنان على تعزيز العلاقات اللبنانية- السعودية، وكذلك حرصَه على الاستمرار في دوره الإيجابي في خدمة القضايا العربية المشتركة مُقدّراً المواقف التي يتّخذها الملك سلمان تجاه لبنان.

وعلمت الجمهورية» أنّ عون أبلغَ الموفد السعودي رغبتَه بتلبية دعوة خادم الحرمين الشريفين، وأنّه سيتقدّم بعد تشكيل الحكومة الجديدة وفداً وزارياً موسّعاً عند القيام بها، رغبةً منه بتعزيز العلاقات بين بيروت والرياض على مختلف المستويات وبكلّ الإمكانات المتوافرة لضمان استعادة هذه العلاقات مجدَها الغابر.

وفي المعلومات أنّ الموفد السعودي لم يتناول موضوع الهبة السعودية للجيش اللبناني ولا إجراءات المملكة لإحياء حضورها الديبلوماسي في بيروت.

ومساءً أقام الحريري مأدبة عشاء تكريمية على شرف الأمير الفيصل والوفد المرافق، حضَرها: الرئيسان ميشال سليمان وأمين الجميّل، ورئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام، والرئيس بري ممثّلاً بالوزير علي حسن خليل، والنائب وليد جنبلاط، ورئيس حزب «القوات» الدكتور سمير جعجع الذي عَقد خلوةً مع الحريري بعد مأدبة العشاء، إضافةً إلى عدد من الشخصيات السياسية والروحية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية وقادة الأجهزة الأمنية والسفراء العرب المعتمدين في لبنان.

وفيما أكّد الفيصل أنّ بلاده لا تريد لبنان «ساحة خلاف عربي، بل ملتقى وفاق عربي»، شدّد الحريري على أنّ علاقات لبنان وشعبه مع السعودية، «أكبر من أن تُمسّ، وأصدق من أن تُعكّر، وأعمق من أن يُنال منها»، وأنّ لبنان «المتمسّك بهويته العربية، ملتزم بكلّ القضايا التي تحمل المملكة رايتَها، بدءاً من استعادة الحقوق العربية كافةً وصولاً إلى مكافحة التطرّف والإرهاب بكلّ أشكاله ومسمّياته».

 

 

اللواء :

والمضمر، يأتي عيد الاستقلال الثالث والسبعين مثقلاً بالترقب والآمال المعقودة على نقلة نوعية تعيد العافية إلى الدورة السياسية، وتعيد وضع لبنان على سكة العلاقات الطبيعية مع العالم العربي، بالتزامن مع المحادثات التي أجراها الوفد الملكي السعودي برئاسة أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل مع الرؤساء: ميشال عون ونبيه برّي وتمام سلام وسعد الحريري، والتي تضمنت حرصاً لبنانياً عبر عنه رئيسا الجمهورية والحكومة من ان لبنان «حريص على تعزيز العلاقات اللبنانية السعودية، ومقدراً المواقف التي يتخذها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز تجاه لبنان»، وفقاً لما أكده الرئيس عون، وما أكده الرئيس الحريري في كلمته امام الأمير الفيصل، خلال العشاء الذي أقامه على شرفه في «بيت الوسط» في حضور كبار الشخصيات السياسية والروحية الرسمية والحزبية والأمنية والسفراء المعتمدين في لبنان، من ان «اللبنانيين يؤكدون ان علاقات لبنان وشعبه مع المملكة العربية السعودية أكبر من ان تمس واصدق من ان تعكر واعمق من ان ينال منها، وهذا هو ضمير اللبنانيين الحقيقي تجاه المملكة وشعبها وقيادتها ومليكها».
وقال الحريري ان لبنان المتمسك بهويته العربية «ملتزم بكل القضايا التي تحمل المملكة رايتها، بدءاً من استعادة الحقوق العربية وصولاً إلى مكافحة التطرف والإرهاب بكافة اشكاله ومسمياته».
اما الأمير الفيصل فأكد من «بيت الوسط» ما قاله في بعبدا من انه نقل رسالتين من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للرئيس عون، الأولى بتهنئته بانتخابه رئيساً لجمهورية لبنان، والثانية بتقديم الدعوة له لزيارة المملكة العربية السعودية.
وكشف الأمير الفيصل ان الرئيس عون تقبل الدعوة على ان تبدأ بعد استكمال مشاورات تشكيل الحكومة اللبنانية، وأن زيارته للمملكة ستكون الأولى من لبنان إلى أي بلد عربي.
والاهم، وفقاً لمصادر معنية ما أكّد عليه الأمير الفيصل، من ان «بلاده لا تريد لبنان ساحة خلاف عربي بل ملتقى وفاق عربي».
وبعد اللقاء والعشاء في «بيت الوسط» غادر الأمير الفيصل عائداً إلى