تحول سليمان فرنجية بسرعة من وزير ونائب إلى مرشّح جدي لرئاسة الجمهورية. كاد أن يصبح رئيساً للبلاد لولا شخص واحد، سيكون رئيس الظلّ في عهد الرئيس ميشال عون. جبران باسيل هو الذي يتحمّل مسؤولية حرمان فرنجية لقب الفخامة. على الأقل هذا بالنسبة إلى الزعيم الزغرتاوي. كان في الإمكان أن يكون "الجنرال" مرناً ومتعالياً عن الرئاسة لشخصه لولا باسيل وإصراره وثباته.

هي الحرب غير المعلنة بين متجايلين، ينحدر كلّ منهما من بيئة مختلفة. ما حصل أربك الجميع، أظهر الصورة وكأن باسيل إنقلب على الجميع، وكسر حلقات ثابتة، وإن بطريقة استفزازية، بالنسبة إلى كثر. ما استدعى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، خلال لقائه الأخير مع عون وباسيل إلى الطلب من الأخير بأن "يخفها شوي". وهذه إشارة إلى حجم الامتعاض لدى فرنجية والرئيس نبيه بري من تصرفات باسيل.

يعتبر فرنجية نفسه صاحب دين على باسيل في حياته السياسية. فهو الذي وهبه حقيبة وزارية كانت من حصّته، وبها انطلق في حياته الرسمية. بعيد ترشيح تيار المستقبل فرنجية ظنّ الرجّل أن الجميل سيُردّ. ذهب للقاء باسيل، فبادره بما هو خارج عن السياق، جعله ينتظر عشر دقائق في صالون منزله قبل لقائه. فهم فرنجية الرسالة، وثارت فيه الحمية.

الأسوأ من ذلك، هو ما يعتبره البعض إنتصاراً سجّله باسيل على كلّ الأفرقاء، تخطّى المحظور على طاولة الحوار في جلستها الأخيرة، وكان يستعدّ لقلبها، واضعاً المسمار الأخير في نعش سلّة بري وسلاحه الأمضى لوضع شروطه. والأخطر من ذلك بالنسبة إلى المتضررين من باسيل، أن من انقلب على بري وتجرأ عليه في عقر داره، ذهب إلى تحقيق ما يريده بإيصال عمّه إلى رئاسة الجمهورية بعد أسابيع على فعلته التي لم يجرؤ عليها أحد، فيما هو وفرجية عاجزان عن فعل شيء.

ويبقى السؤال: ماذا بعد هذا الصراع المفتوح بين ابن البترون وابن زغرتا؟

الأول تحوّل من صهر زعيم سياسي إلى صانع عهد بعكس رغبة مختلف الطبقة السياسية؛ والثاني، الزعيم ابن الزعيم، الحريص جداً على صورة الشخص الذي لا يمكن لأحد المسّ بها وببكاويته. باسيل وحده فعل ذلك، ويستعد لما هو أكثر، فيطمح إلى مدّ نفوذه وتوسيعه في الشمال، إلى زغرتا تحديداً، مستفيداً من العهد الرئاسي وما يمكن إغداقه على الزغرتاويين، ومستنداً إلى تحالف آخذ في التعمّق مع القوات اللبنانية.

فـ"الثابت في الخطّ المقاومة"، فرنجية، يجد نفسه في مكان غير محسوم، وليس قادراً على البقاء في مكانه بعد ما حصل، ويستعدّ للذهاب أكثر باتجاه الحريري. يعوّل على علاقته المستجدة برئيس المستقبل، لتحصين نفسه في السياسة حالياً، وحفظ موقعه مستقبلاً، وشعاره ما قاله الحريري: "لا نزال شباباً، وما زال الطريق أمامنا".

وفيما يبقى الزعيم الزغرتاوي خلف موقف بري، بات يؤمن أنه إذا ما تشكلت جبهة المعارضة، لا يمكنها أن تكون فاعلة إلا من خلال الدخول في الحكومة وإنتهاج نهج المعارضة. وهذا رد مباشر على طريقة التيار الوطني الحر في التعاطي مع الحكومات في العهد السابق. وقاعدة العمل هي تمرير ما يناسب هذه الجبهة، وعرقلة ما لا يناسبها. وبذلك، سيتم إثبات الذات، والإفادة من اللغة الاعتراضية شعبياً. لذلك، سيسعى فرنجية إلى تجذير تفاهمه مع المستقبل وحزب الكتائب والوزير بطرس حرب، لنسج تحالف انتخابي واسع في البترون والشمال للأخذ في الثأر.

وضمن هذا الصراع المفتوح، ثمة من يعتبر أنه قبل يوم من جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، ثمة من سعى إلى المبادرة باتجاه فرنجية لإصلاح الوضع مع عون والسير خلفه، لكنه رفض ذلك لأمر يتعلّق بكرامته، فبقي على موقفه الذي وصفه البعض بأنه "ضعف نظر أصاب عين السيد الثانية".