ليس هناك من لبناني لا يشاطر الرئيس سعد الحريري رغبته في انجاز تشكيل الحكومة سريعاً، وأن تتحقق التمنيات بأن تولد هذه الحكومة في عطلة نهاية هذا الاسبوع، أو في غضون الايام القليلة المقبلة.لكن رغم كل ذلك، الحذر واجب في بلد كلبنان الذي عرف كل أنواع اللامنطق في الحاضر والماضي. ولا ننسى ما جرى ذات يوم في كانون الثاني عام 2011 عندما تم اسقاط حكومة الرئيس الحريري خلال اجتماعه بالرئيس الاميركي باراك اوباما في البيت الابيض. في ذلك التاريخ دخل الحريري مكتب الرئيس الاميركي رئيسا للحكومة وخرج منه رئيسا سابقا.

ليس هناك من تفسير لتدخل "حزب الله" في توزيع الحقائب الوزارية متجاوزا الرئيس المكلّف ومعه رئيس الجمهورية ميشال عون سوى قرار الحزب ومن خلفه طهران ضبط التحولات اللبنانية على ايقاع المصالح الايرانية التي لم تستوعب حتى الان اسقاط ورقة الفراغ الرئاسي التي كانت بحوزة ايران. ثم جاءت نتائج الانتخابات الاميركية لتثير كل التساؤلات حول مصير الاتفاق النووي مع ايران والذي يمثل أحد أبرز انجازات السياسة الخارجية لاوباما. فالرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب وخلال حملات ترشيحه وصف هذا الاتفاق بأنه "أغبى ما رأيت". وجاء موقف الخارجية الاميركية بالامس القائل بان بامكان ترامب الغاء الاتفاق ليشعل النار في هشيم الشكوك التي تجتاح الجمهورية الاسلامية. وهذا ما استدعى ردا سريعا من وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الذي قال ان الاتفاق "ليس بين ايران وأميركا فقط، بل هو اتفاق دولي بين ايران والدول الست الكبرى". لبنان مجددا، كما هي حاله دائما، صندوق بريد. والرسالة الجديدة التي يجري تحضيرها هي شكل الحكومة التي ستطلق عهد الرئيس عون الى العمل. معدو الرسالة، سواء أكانوا على صواب أم على خطأ، لن تعجبهم ولادة حكومة تنعم بترف حرية القول والفعل، وتضم في صفوفها "القوات اللبنانية" التي تعتبر نفسها مناهضة للهيمنة الايرانية عبر "حزب الله" على مقادير لبنان.
هل استعجل الرئيس الحريري في تهنئة الرئيس الاميركي المنتخب واصفا فوزه بـ"انتصار مدوّ للديموقراطية الاميركية"؟ الجواب ليس متوافرا بعد. لكن بالامكان مقاربته من خلال طريقة التعامل مع مهمة الحريري في التأليف. ومن المؤشرات اللافتة تدخل الحزب في تحديد حصة "القوات" في الحكومة ونوعية الحقائب التي يجب أن تحظى بها. وكذلك من مؤشراتها تحوّل قصر بسترس وليس بيت الوسط مكانا لتوزيع الحقائب فيتجه اليه الحاج وفيق صفا ثم السيد نادر الحريري. ومن المؤشرات أيضا وأيضا تعليق نشرته وكالة أنباء فارس الايرانية في 9 الجاري واتهمت فيه الرياض بأنها "تأمل" من خلال الحريري "اعادة بناء سياساتها وتحالفاتها وتحقيق مصالحها على الصعيد الداخلي اللبناني".
ان ولادة الحكومة الجديدة سريعا يسقط كل هذه الهواجس. أما اذا تأخرت هذه الولادة فسيطل أحدهم ليقول: "الحق على ترامب"، جريا على القول المشهور "الحق على الطليان".