عشية انتخاب الرئيس لإنهاء الشغور وتدشين مرحلة جديدة من عدم اليقين، خاطب الأمين العام لـ "حزب الله" فاعليات بعلبك - الهرمل في الشأن الأمني لمنطقتهم، ولأن الأمر يتعلّق ببيئة اجتماعية تقتصر على "جمهوره" وبلغ فيها الفلتان حدّاً فاق الاحتمال، فقد كان بالإمكان أن نسجّل، لمرّة نادرة جداً، أن كلام حسن نصرالله لم يكن معقولاً فحسب بل كان مسؤولاً، حتى أن هاتين المعقولية والمسؤولية أوجبتا عليه الاستنجاد والاسترشاد
بـ "ميثاق" الإمام المغيّب موسى الصدر. قد يكون هذا الخطاب الأهمّ لنصرالله، رغم أنه لم يحظَ بالتغطية الاعلامية المعتادة، إمّا لطابعه المحلي أو لانشغال الوسط السياسي بالانتخابات الرئاسية.
تكمن الأهمية في أن نصرالله ركّز على الأمن والدولة، وارتباط دوريهما بالتنمية المطلوبة لإنعاش المنطقة وتوطيد استقرارها، وهذا ينطبق على عموم البلد. معروفٌ أنه في الواقع المعاش تحوّلت الدولة وأجهزتها في بعلبك - الهرمل الى وجود رمزي محتجب وراء النفوذ الطاغي للثنائي "حزب الله - حركة أمل"، الذي فرّخ كانتونات نفوذية لعائلات وعشائر تُركت تعمل بعقليتها في مقابل خدماتها لـ "الحزب" أو لـ "الحركة". رغم أن الدولة وضعت أكثر من خطة أمنية لمعالجة الواقع المتردّي في المنطقة، وحاولت التنسيق المباشر بشأنها مع أجهزة "الثنائي"، كما عُرضت في جلسات حوار "المستقبل - حزب الله" للتفاهم عليها، إلا أنها لم تتمكّن من الإقلاع. يُعزى ذلك خصوصاً الى تداخل مصالح "الثنائي" مع الحالات التي أنشأتها قوى الأمر الواقع ونشاطاتها غير الشرعية.
هل قرّر الأمين العام لـ "الحزب" أن يغيّر لهجته ونهجه لأن الرئيس الجديد مرشحه الوحيد، ولأن الدولة كانت وستبقى "دولته"، وهل اختار بعلبك - الهرمل لتكون نموذجاً واختباراً لهذا التغيير، أم أن المسألة مجرد حكي؟ الأمور متروكة للتجريب، كما هي الحال بالنسبة الى "العهد الجديد". فالمنطق "الوطني" يقتضي أن يراد لهذه المنطقة ما يراد لسائر المناطق ولكل الملفات والجرائم. أما الكيل بمكيالين وأكثر فلا يعالج أي مشكلة بل يبقي السلاح غير الشرعي وتغوّل فئة على فئة والإفلات من العقاب والحصانة من المحاسبة، باسم "المقاومة" أو سواها، أعرافاً شاذة سائدة فوق القانون وفوق الدولة.
تحدّث نصرالله عن الأمن كأحد "شروط التنمية والسياحة وفرص العمل والاستثمارات"، وأشار الى حوادث القتل للثأر والسطو والسرقة متذكّراً أن "هناك مسؤولية على الدولة"، اضافة الى "مسؤولية رجال الدين وفاعليات المنطقة"، لكنه لم يذهب الى حد الاعتراف بالحقيقة، وهي أن هيمنة "حزب الله" قادت الى فشل الدولة ورجال الدين والفاعليات. وإذ يدعو "العائلة والعشيرة والاحزاب والاصدقاء" الى "رفع الغطاء عن القاتل" لـ"يتحمل مسؤولية الجريمة التي ارتكبها"، فلكي يكون لهذه الدعوة حدٌّ أدنى من الصدقية لا بد أن تشمل كل الجرائم وجميع القتلة. أليس كذلك؟