ليس صحيحاً أن التيار الوطني الحرّ ينام على حرير. لا نوم في الرابية، مشاروات، اتصالات وعمليات حسابية، تحسباً لأي خطوة ناقصة قد تتخذ تبدد الأحلام. ينتظر النائب ميشال عون الأيام المقبلة لاتضاح الصورة، والبناء على الشيء مقتضاه، خصوصاً مع ورود معلومات عن أن حجم التصويت لعون لن يكون كما يشتهيه، وثمة مخاطرة من المشاركة بحال بقي توزع الأصوات على ما هو عليه. في ما يعلنه عون، فهو يريد أكثر من مئة صوت ليبدأ عهده مرتكزاً على أسس ثابتة، ولا يريد الفوز بأصوات قليلة كي لا يبقى طيلة عهده مترنّحاً، خصوصاً أنه يريد وصفه بالرئيس التوافقي لا أن يفوز بعد معركة.

دوافع عديد قد تمنع التكتل من المشاركة في جلسة 31 تشرين الأول، أولها عدم حل الأمور العالقة مع الرئيس نبيه برّي، وإعلان عدد كبير من نواب المستقبل معارضة التصويت له، بالإضافة إلى استمرار النائب سليمان فرنجية بترشحه. هذه كلها تدفعه إلى الخوف من أمر ما غامض، ولا سيما أنه يتنامى إلى مسامعه أن هناك مساعي سياسية بدأت بها الكتلة المعارضة له من مختلف الأطراف لأجل الوقوف وقفة واحدة، إذ إن الرئيس فؤاد السنيورة يعمل على رأس المستقبليين المعارضين، على التنسيق مع مستقلي 14 آذار لإفشال التسوية، ويلتقي معهم بشكل أو بآخر برّي وفرنجية وقوى أخرى.

حتّى الآن، الحسابات العونية للأصوات المؤكد تجييرها لعون هي 58. وبالتالي، هذه لا تمنحه أكثرية الثلثين في الدورة الأولى، ولا الأكثرية المطلقة في الدورة الثانية. وبناء عليه، فقد صدرت أوامر من الرابية إلى كل الحزبيين والمناصرين إلى وقف كل أشكال الاحتفال إلى أن ينتخب عون رئيساً. وهذا أيضاً يتلاقى مع مواقف دولية عديدة وصلت إلى الرابية أبدت استغرابها من إمكانية نجاح التسوية، لأن ثمة قطبة مخفية حول هذا الحراك. فيما الظروف غير ملائمة لإنجاز الاستحقاق. يضاف ذلك إلى موقف وزير الخارجية الأميركي جون كيري، المشكك بنتائج مبادرة الحريري. فيما تعلّق المصادر على هذا الكلام بأنه لا يجب تحميله أكثر مما يحتمل.

في الاحتمالات التي يدرسها الجنرال مع فريقه الإستشاري، إمكانية المشاركة في الجلسة بدورتها الأولى وعلى أساس فرز الأصوات يتقرر البقاء في القاعة أو الانسحاب منها. وبالتالي، تطيير النصاب. وذلك يكون مبنياً على كيفية توزع الأصوات في صندوق الاقتراع، فإذا أحس عون بالخطر ينسحب. لكن أحد المستشارين رفض هذه الفكرة لأنها ستحوّله إلى مرشح خاسر، وقد يتكرر معه ما حصل مع سمير جعجع حين كان مرشّحاً.

ولكن، يصعب على عون عدم المشاركة في الجلسة، إذ إن أحد أبرز بنود الإتفاق مع الحريري تركّز على عدم تعطيل النصاب بعيد إعلان الترشيح، كي لا يتكرر السيناريو الذي حصل بعيد ترشيح فرنجية. وكذلك يدخل جعجع على خطّ الرابية للضغط من أجل المشاركة. وهو أبلغ عون في لقائهما بضرورة المشاركة، وعدم القبول بالتأجيل، لأن الفرصة قد تضيع. وهنا أيضاً، رأي لدى شخصية مخضرمة وقريبة من عون، إذ يشبّه ما جرى، بما جرى بين معاوية بن أبي سفيان وعمر بن العاص في معركة صفين.

ويروي المخضرم: "من يدعم ترشيح عون في هذه الفترة هم خصومه التاريخيون، ومعاوية وعمرو كان خصمين إلى أن جمعتهما الظروف. وفي معركة صفين، وبعيد مبادرة الإمام علي بن أبي طالب لوقف الاقتتال وحجب دم المسلمين، وخروجه إلى معاوية بالسؤال: علام يقتتل الناس؟ فأخرج إليك وتخرج إليّ ويكون الأمر لمن غلب. وحينها تحمّس عمرو وهو حليف معاوية الجديد وخصمه القديم، قائلاً: لقد أنصفك الرجل. فظّن معاوية أنه يدفع به إلى الهلاك لأن لا أحد يقف أمام سيف عليّ. لكن معاوية تنبّه للأمر، واعتبر أن حليفه اللدود ينصب له الفخّ لأخذ الولاية من بعده، فكان عليه أن ردّ الأمر على حليفه، وطلب من عمرو مبارزة علّي، الذي نجا من القتل بإحدى البدع". ويعتبر المخضرم أن إصرار جعجع والحريري على مشاركة عون في الجلسة، قد ينطوي على ما هو غير محسوب، وإن لم يكن الفوز حليفاً لفرنجية، إلا أن ذلك قد يكون نهاية حظوظ الجنرال والاتجاه إلى مرشّح آخر".

عليه، فإن النصائح التي توجه إلى عون، هي بالامتناع عن المشاركة قبل ضمان ترتيب العلاقة مع الرئيس برّي، وضمان الأصوات اللازمة للفوز، وإنسحاب الوزير فرنجية. وهذا يعني أن الأمر يحتاج إلى مزيد من التشاور وترتيب البيت الداخلي في قوى 8 آذار. وهذه ما يريدها عون من حزب الله، الذي سيعلن موقفه الأحد على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، وبعد الكلام يمكن استشراف الوضع.