حتى الساعة الخامسة من بعد ظهر الأمس كان ترشيح الحريري لعون رئيساً للجمهورية وهماً لم يقبضه الشارع السنّي البيروتي على محمل الجد، حتى أزاح رئيس التيار الأزرق الستارة عن موقفه رسمياً في بيت الوسط. فأصبح العماد ميشال عون قاب قوسين أو أدنى من قصر بعبدا، وأصبح ترشيح الحريري له حقيقة مرّة لم يبلعها بعد البيارتة وربما لن يبلعوها.

بالأمس سقط الحريري في شرّ خياراته السياسية مرة أخرى. وما بقي من شعبيته، المتقلصة يوماً بعد يوم، حين رشّح النائب سليمان فرنجية للرئاسة سقط اليوم بعد تبنيه ترشيح الجنرال عون رئيساً. داعساً بذلك على آراء قاعدته الشعبية ومعلناً ما أسماه شارعه بـ"انتحاره السياسي".

حالة عدم الرضى
زارت "البلد" طريق الجديدة لتقف على آراء شعبٍ لم يأبه زعيمه أو من كان زعيمه بخياراته. ففي الشوارع لافتات لا تشبه مواقف الأهالي وشعارات لا تصب في خانة وجهات نظر المارين من جنبها، إذ وحّدت حالة عدم الرضى عن خيارات الحريري الشارع السنّي الذي تخطى حالة العتب ودخل في حالة الحقد على الحريري، فيما تفاوتت نسبة الحقد بين شخص وآخر.
يعلق الحاج أحمد على ترشيح الحريري لعون بقوله: "من جرّب المجرب كان عقلو مخرب، فقد رأينا عون عندما كان رئيساً كيف هرب من قصر بعبدا وترك جيشه يواجه الحرب بنفسه". ولا يريد الحاج أحمد عون رئيساً حتى لو كان المقابل مجيء سعد الحريري رئيساً للحكومة، ويقطع على نفسه عهداً بأنه لن يصوت بعد اليوم للحريري. شامتاً بأهل بيروت وهو منهم كونهم "دفعوا عيشهم الكريم ثمن انتخاب محادل الحريري على مبدأ (زي ما هي) وهم اليوم يحصدون ثمن تأييدهم الأعمى له". ورأى في معارضة الرئيس بري لترشيح عون موقفاً نابعاً من تبادل الأدوار بينه وبين حزب الله الذي لا يستطيع التخلي عن حليفه السياسي عون وترك لعبة الرفض لبرّي.
ولا يبتعد رأي عيسى كثيراً عن رأي الحاج أحمد فهو أيضاً ليس راضيا لا على رئاسة عون للجمهورية ولا حتى برئاسة الحريري للحكومة، "لماذا أرضى به رئيسا للحكومة وهو لن يقدم لشعبه الذي وفى له كرمى لوالده الشهيد إلا الجوع والحرب الاقتصادية والتهميش الممنهج". ويتمنى عيسى أن يتوحد أهالي بيروت في موقفهم لمقاطعة الحريري في الانتخابات النيابية القادمة وألا "يخضعوا لرشوة الـ100 دولار مهما كان مقدار حاجتهم لها".

"انتحار سياسي"
أما ميساء فقهرها كبير من الحريري الذي لطالما "آمنت به" وعملت لخدمة لوائحه الانتخابية حتى من دون مقابل "فقط لأنه ابن الشهيد". وترى بأن ليس من سبب يبرر للحريري ترشيحه لعون. وتقول بغضب "الشارع السنّي لا يريدك رئيساً للحكومة يا سعد الحريري ولا يريدك زعيماً بعد اليوم". يشاركها الرأي والغضب نفسه محمد، ويرى بأن الحريري دعس على رأي قاعدته الشعبية وخان شعبه بخطوته تلك. وأقسم في حديثه لـ"البلد" بأنه لن يتوجّه بعد اليوم إلى صناديق الاقتراع لانتخاب لوائح الحريري لأي سبب من الأسباب". متوجهاً بالسؤال للحريري "كيف لك أن ترشح من قال لك ذات يوم one way ticket ) ) روحة بلا رجعة... فإذا انت نسيت وذاكرة كرامتك قصيرة جداً فنحن لم ننس".
ويصف العم أبو عمر ما يفعله الحريري اليوم بـ"الانتحار السياسي" ويرى بأنه فشل بالسياسة ولا يصلح لممارستها في لبنان، متوقعاً بأن تنقلب خياراته ضده في الشارع السني لا سيما في الانتخابات، داعياً الحريري للنزول إلى الشارع إلى بيئته السنّية ليرى ويسمع عن قرب امتعاض الشارع وغضبه من تصرفاته الغير مسؤولة التي يلجأ لها مؤخراً. متوجها له بالقول "الله يرحم أبوك"، وتعليقاً على موقف بري يقول أبو عمر "يا ريت عنا رئيس حكومة سني متل نبيه بري".

مرّ وأمرّ
وعلى مبدأ شر البلية ما يضحك يجيب علي عن سؤالنا برأيه عن ترشيح الحريري لعون ممازحاً "شو بدي قول يعني واحد مسطول رشح واحد مجنون" ويرى بأن الحل لا يكون إلا بضخ دم جديد على المؤسسات الرسمية والمناصب الرئاسية الثلاثة وبطاقم سياسي نظيف من الدم والصفقات والمتاجرة بلقمة عيش اللبناني فـ"السياسة هي إدارة شؤون الشعب لا تجويعه".
وحده هشام كان له رأي معارض قليلاً لآراء من التقيناهم في طريق الجديدة، وحاول بطريقة ما التبرير لموقف الحريري الأخير، مع عدم تأييده له بنفس الوقت. فـ"هذه الحالة السياسية ليست بجديدة على لبنان وتعودنا على حلّ الأمور المعقدة عن طريق الصفقات والتسويات والحريري اليوم رأيه ليس من رأسه بل له مرجعية خارجية سيتبنى خياراتها من دون شك، واليوم وإن كان الشارع غير راض عن هذه التسوية وهذا حقه، إلا أن الحريري وُضع بين خيارين كلاهما مرّ إما السير برئيس من 8 آذار وتحديداً عون وإما أن يسير بالبلد نحو الهاوية". فيما رفضت ندى إعطاء رأيها بموقف الحريري، فهي "غير راضية عن الوضع السياسي ككل في لبنان ولا يهمني من سيأتي رئيساً للجمهورية أو الحكومة لأنهم جميعاً لا تهمهم إلا الكرسي ولا يأبهون بمصالح الشعب ولا يكلفون أنفسهم عناء إلقاء نظرة واحدة على معاناة الشعب وحاجاته التي ما عادت تحل مشاكله برئاسة أولى أو ثانية أو ثالثة".

فصول الغضب
إذا، لم يعد ترشيح الحريري لعون كذبة، بل أصبح أمرا واقعا ستطول من بعده فصول الغضب السنّي على الزعيم الأزرق، وربما سيكسب الحريري بترشيحه الأخير كرسي رئاسة الحكومة نعم ولكنه لن يكسب وطناً أطال العزف على أنغام أزماته في خطاب الأمس... وبغض النظر إن كان ترشيح الحريري لعون سيعني بالمطلق ضمان كرسي بعبدا لعون أو لا، يبقى السؤال هل ستنفع الحريري الرئاسة الثالثة إذا خسر شعبيته؟ لعله سؤال تبقى الاجابة عنه برسم الأيام المقبلة تحديدا الانتخابية منها.