حزب الله يكرّم العملاء الاقوياء , ويبيّض تاريخهم حسب الاهواء

 

السفير :

في الثالث عشر من تشرين الأول 1990، خرج الضابط ميشال عون من القصر الجمهوري، مهزوماً. كانت هزيمته الأولى، عندما أقر النواب اللبنانيون اتفاق الطائف في مدينة الطائف السعودية، وهزيمته الثانية، عندما قررت «القوات اللبنانية» بشراكة كاملة مع بكركي، أن تشكلا معاً رافعة مسيحية للمظلة الإقليمية ـ الدولية التي كرّست وثيقة الوفاق الوطني، وهزيمته الثالثة، عندما نجح حافظ الأسد في انتزاع تفويض دولي ـ إقليمي، بعد مشاركته في حرب تحرير الكويت، فكان له وحده ملف لبنان، وكان ميشال عون هو أولى ضحايا التفويض.
في الحادي والثلاثين من تشرين الأول 2016، أي على مسافة أكثر من ربع قرن من هزيمة عون على يد «الطائف» وأدواته المحلية والخارجية، سيدخل «الجنرال» الى القصر الجمهوري، بصفته وصياً على إعادة تجديد خلايا «الطائف» لمدة ست سنوات، هي المدة الكاملة للعهد الرئاسي.
هو مشهد سياسي جديد، يغادر معه العماد ميشال عون كل تاريخه الانقلابي، ويصبح حارسا للصيغة التي طالما كان يشكو منها وينتظر «اللحظة التاريخية» للانقضاض عليها، فإذا بالفرصة الرئاسية، لا بل الرئاسة نفسها، تجعله يعيد النظر في أدبياته.. وصولا إلى إعادة صياغتها بما يتلاءم وبدلة الرئاسة الأولى.
نجح ميشال عون في اجتذاب «حزب الله» قبل الآخرين منذ سنتين ونصف سنة، فكان السيد حسن نصرالله صادقا في التزامه معه منذ اليوم الأول، لا بل جرت مسايرته في مرحلة ما، بحيث لا يكون «حزب الله» أول من يبايعه رئاسيا، فتأجل الإعلان الى اللحظة التي اختارها «الجنرال».. وهكذا كان.
و «غلطة الشاطر بألف غلطة». لم يقلها سعد الحريري بالفم الملآن أمس. لكنها الحقيقة المؤلمة التي لطالما صارح بها البعض في الداخل والخارج. كان ترشيح سليمان فرنجية خطوة استباقية تهدف الى كسر مسار متدحرج كانت تبدّت ملامحه منذ التفاهم على «إعلان النيات» بين «القوات» و «التيار الوطني الحر» في بداية صيف 2015. شعر الحريري أن كل ما صنعه وراكمه منذ 10 سنوات ذهب هباءً.. وها هو حليفه المسيحي الأول سمير جعجع يضع يده بيد الخصم المسيحي الأول ميشال عون. لذلك، صار وصول فرنجية سلاحاً بحدين، أولهما كسر التحالف الماروني الجديد وثانيهما إحراج «حزب الله» بمرشح لا يمكن أن يرفضه.
نام سليمان فرنجية قبل سنة تقريبا، رئيساً للجمهورية، لكن سرعان ما تبين له أن «حزب الله» لا يناور والالتزام واضح ولا يحتمل أي التباس. طار المشروع الحريري الثاني ليس بسبب رفض «حزب الله» بل عندما قال جعجع بالفم الملآن من معراب: «مرشحي لرئاسة الجمهورية هو ميشال عون».
بهذا الإعلان، «ذبح» رئيس «القوات» حليفه سعد الحريري. صحيح أن المستهدف من خطوة جعجع هو إسقاط ترشيح فرنجية نهائياً، وليس الخروج من آل الحريري، لكن ما بعد تلك الخطوة لا يشبه ما قبلها، حتى نظرة رئيس «المستقبل» الى جعجع تغيرت جذرياً، برغم التكاذب الدوري المشترك بين الجانبين.

أما وأن الحريري له أسبابه الشخصية من وراء العودة الى السرايا الكبيرة، فقد أوجد له من هم حوله من «أصدقاء» و «مستشارين» ووزراء مخضرمين، الفتوى الموجبة: أنت تفتدي «الطائف» بترئيس ميشال عون. هذه بضاعة لا تكسد. يمكن تسويقها في السعودية وعند كل حريص على الصيغة ومن خلالها على الاستقرار.. والأهم عند جمهورك.
هذا هو جوهر خطاب الحريري، أمس، في معرض سرده للأسباب الموجبة لترشيح عون. لم يتحدث الحريري عن تفاهم أو صفقة لكنه أشار صراحة إلى وجود اتفاق سياسي كامل يشمل كل سنوات العهد، أول حروفه أن يكون الحريري رئيسا لكل الحكومات (وهو التزام نظري)، لكن الأهم عدم المس بالطائف وتحييد لبنان عن الصراع السوري وإطلاق عجلة المؤسسات وتحريك الاقتصاد. لكأنه قالها بصراحة لـ «الجنرال» إن مسؤوليتك أن تعينني.. «فأكون سعدك».
لم يقنع الحريري أهل بيته بخياراته وهو كان يتمنى لو أن «الجنرال» أعانه قبل ذلك، بأن يسحب سلسلة ألغام من هذا الدرب السياسي الجديد في لبنان. درب يرسم مسارات جديدة ويخلط أوراق جميع الفرقاء، بما فيها معسكرات الثامن والرابع عشر من آذار وما بينهما من وسطيين أو «منتظرين».
الدليل على ذلك ما أصاب علاقة الحريري بالرئيس نبيه بري وليس ما أصاب علاقة الأخير بالعماد عون. ليس هناك حد أدنى من العتب في عين التينة لا على «الجنرال» ولا على «حزب الله». هذان الاثنان يترجمان ما اتفقا عليه في السر والعلن، ولكن الأزمة مع سعد الحريري الذي كان قد التزم أكثر من مرة مع بري وسرعان ما بدد التزاماته وأخلّ بها. هذا الكلام بلغ مسامع سعد الحريري من المعاون السياسي لبري الوزير علي حسن خليل، مثلما سمعه، ليل أمس، نادر الحريري من خليل في جلسة الحوار الثنائي بين «المستقبل» و «حزب الله» في عين التينة، وهي كانت جلسة رئاسية بامتياز كادت تنقلب فيها الأدوار والإدارة، حتى أن الحاج حسين الخليل، لعب دور الراعي، محاولا تذليل شقة الخلافات بين «المستقبل» و «أمل»، لكن الوقائع كانت تترجم في الطبقة الثانية من عين التينة.
فقد كان استقبال الرئيس نبيه بري للعماد عون فاترا وباردا وقصيرا ولم تتخلله لا حفاوة بروتوكولية ولا غذائية ولا مشهدية. كان الرئيس بري صريحاً مع «الجنرال»: مشكلتي ليست معك. أنا ملتزم بحضور جلسة 31 تشرين وسأصوّت ضدك، وإياك أن تسمع لمن يقول لك إنني سأقاطع. لكن الأهم من ذلك كان تأكيد بري أنه لن يعطي صوته لسعد الحريري في الاستشارات النيابية الملزمة، «وأنا ملتزم منذ الآن بعدم تسميته رئيسا للحكومة، وقراري حاسم بالذهاب إلى المعارضة».
يشي مشهد البارحة باختلاف الأدوار والتحالفات. هنا، ثمة استدراك جوهري. تحالف «حزب الله» و «أمل» هو «تحالف استراتيجي ثابت ولا يتزحزح»، وهذه النقطة سيؤكدها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله يوم الأحد المقبل في احتفال ذكرى تأبين الشهيد «الحاج علاء»، وسيضمّن خطابه المتلفز تأكيدا لأهمية الحوار والانفتاح وإبرام التفاهمات الضرورية لحماية العهد الجديد.
ماذا بعد؟
لننتظر «برمة العروس» التي ستقود «الجنرال» إلى دارة وليد جنبلاط ومن بعدها إلى بنشعي ومعراب، والأهم أن تكون العيون مفتوحة على الأمن في هذه الأيام العشرة الفاصلة عن جلسة الانتخاب. كل التجارب تشي بأن مسارات كهذه لم تنكسر إلا بالأمن.

 

النهار :

مع ان الفصول المتعاقبة التي واكبت اعلان الرئيس سعد الحريري أمس تبنّيه المتوقع لترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية لم تنطو على أي مفاجآت لهذه الجهة، فإن ذلك لم يحجب الطابع المفاجئ المقابل لمسارعة عدد من أعضاء كتلة "المستقبل" وعلى رأسهم الرئيس فؤاد السنيورة رفضهم انتخاب عون في ما يمثل تطوراً غير مسبوق من حيث أثمان "المخاطرة" التي اعترف الرئيس الحريري نفسه بأنه يُقدم عليها. ولا تقف مخاطرة الحريري عند حدود افتراقه وبعض أعضاء رفاق دربه في هذا الخيار بل تمددت في اتجاه تنامي كتلة ناخبة جديدة هي "كتلة الاوراق البيضاء" التي يبدو انها راحت تستقطب مواقف نواب من اتجاهات مختلفة ستكون الأيام الفاصلة عن موعد جلسة 31 تشرين الاول كفيلة بتحديد حجمها وتأثيرها في مجريات الريح الانتخابية إذا لم تحصل تطورات دراماتيكية اضافية غير محسوبة وهو أمر لا يمكن استبعاده اطلاقاً. والحال أنه لا يكفي ان يخرج العماد عون من خلوته والرئيس الحريري في "بيت الوسط" بخطاب "رئاسي" ناجز كأن الرئاسة صارت معقودة اللواء تماماً للجنرال، بل ان أجواء التحفظ الثقيل طبعت لقاءه السريع ورئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة على رغم حرصهما على اضفاء مسحة دافئة على لقاء كسر القطيعة والتمهيد للقاء آخر لا يعرف متى تسنح فرصته وظروف تعمقهما في ملف "عهد عون" ما دام بري مسافراً غداً الى جنيف ولن يعود إلا عشية موعد 31 تشرين الاول.
بذلك بدا واضحاً ان الحريري بلغ ذروة خياره ومخاطرته باعلان تبنيه ترشيح عون، مفنداً في الكلمة المسهبة التي ألقاها في "بيت الوسط" عصراً ظروف البلاد والدوافع التي أملت عليه اتخاذ هذا الخيار ورمى الكرة بأثقالها النارية المتبقية في مرمى الآخرين ولا سيما منهم حلفاء الجنرال وأبرزهم "حزب الله". واتسمت كلمة الحريري بعرض شامل وتفصيلي لمساره ومسار "تيار المستقبل" منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري بلوغاً الى أزمة الفراغ الرئاسي واتخاذه الخيارات المتعاقبة في تبني المرشحين الأربعة، معلناً للمرة الاولى "اننا وصلنا والعماد عون في حوارنا أخيراً الى مكان مشترك اسمه الدولة والنظام واتفقنا بصراحة على ان أحداً لن يطرح أي تعديل على النظام قبل اجماع وطني من جميع اللبنانيين". واذ أعلن أيضاً "الاتفاق على تحييد دولتنا بالكامل عن الأزمة في سوريا"، أوضح ان القواعد التي "التقينا عليها ان العماد عون مرشح لجميع اللبنانيين وما نحن في صدده هو تسوية سياسية بكل معنى الكلمة". واعترف الحريري "بأنها مخاطرة سياسية كبرى لكنني مستعد ان أخاطر بنفسي وبشعبيتي وبمستقبلي السياسي ألف مرة لأحميكم جميعاً... ولو أردت ثروة لما دخلت الحياة السياسية أصلاً وأنفقت فيها كل ما ورثت دفاعاً عن حلم من أورثني". أما العماد عون فتحدث عقب لقائه الحريري عن أمنياته أن "يكون عهداً ناجحاً"، مشدداً على انه "بالحوار لا أحد يخسر". وقال: "ليست هناك اتفاقات ثنائية وثلاثية ورباعية بل اتفاق على ادارة شؤون البلد".
ولم تنسحب الأجواء الاحتفالية على لقاء عون وبري إذ لم يستمر سوى نصف ساعة اكتفى بعده عون بالقول إن "الجو جيد ونحترم رأيه، "فيما اكتفى بري بالقول: "سمعت من دولة الرئيس وسمع مني ولا يفسد الاختلاف في الود قضية". وعلم ان بري كرر لعون التزامه حضور جلسة 31 تشرين الأول لكن موقفه من رفض انتخابه لم يتبدل.
أما التطور اللافت الذي سابق اعلان الحريري تبنّيه ترشيح عون، فتمثل في اعلان الرئيس السنيورة انه سيقترع بورقة بيضاء ولن ينتخب عون. وكرّت سبحة الرافضين من كتلة "المستقبل" وشملت النواب أحمد فتفت وعمار حوري وسمير الجسر ورياض رحال، فيما أعلن نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الذي تقدم الحضور في "بيت الوسط" الى جانب السنيورة انه لن يقترع أيضاً لعون وسيقترع بورقة بيضاء.

 

الحريري: منذ آب
وفي دردشة بعد يوم النشاط الطويل أبلغ الرئيس الحريري "النهار" انه "مطمئن" الى النتائج التي إنتهت اليها مبادرته بترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية. وقال انه لا يرى تأجيلاً لجلسة الانتخاب في 31 من الجاري "إلا اذا أرداوا ذلك" في إشارة الى ما يتردد عن مسعى لتأجيل الجلسة لتسوية العلاقة المتوترة بين الرئيس بري والعماد عون. وفي شأن العلاقة بينه وبين الرئيس بري قال الحريري ان صداقة قوية تجمعه برئيس المجلس "ولا يمكن الزعل أن يستمر بإعتبار ان لا مكان للزعل في السياسة. وإذا كان للرئيس بري أن يزعل فالأمر متعلّق بحلفائه". وأكد ان "الحليف الوحيد للنائب سليمان فرنجية هو سعد الحريري فيما لم يقدم له حلفاؤه شيئاً". وكشف انه أبلغ من يعنيهم الأمر منذ آب الماضي انه لا يستطيع الاستمرار في واقع الفراغ الرئاسي. وأعرب عن عتبه على من عارض خطوته في ترشيح عون على رغم انه كان واضحاً في إعلان منطلقاتها.
الرئيس السنيورة الذي أعلن بعد المؤتمر الصحافي للحريري عن معارضته لترشيح عون، صرح لـ"النهار" بأنه يجب إنتظار موقف الطرف الآخر في الفترة الفاصلة عن 31 من الجاري. وأفاد انه لا يزال يرى "سنونوة واحدة فقط فيما المطلوب أكثر من سنونوة لكي نتحدث عن الربيع".
كذلك صرّح وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ"النهار" بأن فريق "المستقبل" حمل ليل أمس الى لقاء الحوار مع "حزب الله" في عين التينة خطاب الرئيس الحريري. وشدد على ان المساعي ستتواصل حتى موعد جلسة الانتخابات الرئاسية لكي تصل الى نتائجها المرجوّة. وبعد انعقاد الجولة الـ35 للحوار بين "المستقبل" و"حزب الله" ليلاً صدر بيان جاء فيه: "تم البحث في المستجدات السياسية، وأكد المجتمعون حرصهم الكبير على استمرار التواصل بين جميع الأطراف لتحقيق تفاهمات وطنية جامعة".

 

الأمم المتحدة
ومن نيويورك كتب مراسل "النهار" علي بردى انه عشية صدور تقريره الجديد عن تنفيذ القرار 1559 وفي ضوء تبني الرئيس الحريري ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون أنه يواصل تشجيع الزعماء السياسيين في لبنان على "اتفاق مساومة بهدف انهاء الأزمة الدستورية والسياسية في لبنان". وقال ديبلوماسي في مجلس الأمن إن أعضاء المجلس "يراقبون عن كثب" التطورات السياسية "المثيرة للإهتمام" في لبنان.
وسألت "النهار" الناطق بإسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك عن تعليقه على التطورات الأخيرة، فأجاب بأن "المنسقة الخاصة للأمين العام في لبنان سيغريد كاغ لا تزال منخرطة عن قرب مع كل أصحاب المصلحة في شأن ايجاد حل للجمود السياسي"، مشيراً الى "أنها تجتمع على أساس متواصل مع الزعماء السياسيين". وأضاف أن "مشاوراتها تركز على الحاجة الى ضمان الصدقية والجدوى من أي مقاربة لحل الأزمة". وأضاف أن "الأمين العام، طبقاً لما يدعو اليه مجلس الأمن في بيانه الرئاسي لهذا الصيف، يواصل التشجيع على اتفاق تسوية بهدف انهاء الأزمة الدستورية والسياسية في لبنان".

 

 

المستقبل :

على خُطى الرئيس الشهيد واقتداءً ببوصلته الوطنية والأخلاقية، أطلّ الرئيس سعد الحريري على اللبنانيين أمس بخطاب منهجي منطقي استعرض فيه بروحية وواقعية رجل الدولة، السياق التاريخي للأحداث التي مرت على البلد طيلة السنوات العشر الأخيرة تحت سؤال جامع «ماذا كان ليفعل رفيق الحريري» إزاءها.. منذ «الفراغ الكبير الذي تركه رجل بحجم وطن» مروراً بمحطات 14 شباط و14 آذار 2005 وعدوان تموز 2006 وأحداث نهر البارد و7 أيار 2008 وانتخابات 2009 والانقلاب الحكومي في 2011 واغتيال الشهيدين وسام الحسن ومحمد شطح، وصولاً إلى انخراط «حزب الله» في الحرب السورية وبدء زمن الشغور الرئاسي. ليخلص في هذه «اللحظة الدقيقة والمفصلية»، بعد تفنيد مخاطر الفراغ التي بلغت حداً يتهدد النظام والانتظام المؤسساتي والاقتصادي والمالي والنقدي والأمني في البلد، وبعد تعداد مبادراته الرئاسية المتتالية وتلاشي الخيارات المتاحة الواحد تلو الآخر، إلى تبني «الخيار الوحيد المتبقي» لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، فأعلن قراره تأييد ترشيح رئيس تكتل «التغيير 

والإصلاح» النائب ميشال عون انطلاقاً من اتفاق وطني يرتكز على تحصين الطائف وعروبة لبنان وتحييد الدولة عن الأزمة السورية، مشدداً على كونه قراراً «نابعاً من الخوف على لبنان وقائماً على الأمل» بإنقاذ الوطن إيماناً بمقولة الرئيس الشهيد: «مش مهم مين بيجي ومين بيروح المهم يبقى البلد».

وفي خطاب ألقاه مباشرةً على الهواء عصراً بحضور حشد سياسي وإعلامي من أكثر من مئتي شخصية تقدمهم نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري ورئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة وأعضاء الكتلة، ذكّر الحريري اللبنانيين بأنه كان قد عمل بدايةً مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان على إيصال مرشح 14 آذار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى سدة الرئاسة الأولى لكنه أمر لم يتحقق، تماماً كما كان الحال إزاء إخفاق محاولة طرح أسماء توافقية للرئاسة تحت وطأة «عدم تجاوب الحلفاء والخصوم»، وصولاً إلى تأييده ترشيح الوزير سليمان فرنجية بعد عام ونصف العام من الفراغ «لكن أيضاً من دون نتيجة بعد البقاء عاماً كاملاً على هذا الموقف». واليوم إذ بلغت البلاد مستوى خطيراً من الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية، وبلغ خطر الفراغ حد التهديد بفرط النظام واستعادة «لغة وطروحات تؤدي إلى حرب أهلية»، توجّه الحريري إلى اللبنانيين بالقول: «أنا لم أتسلّم القيادة السياسية كي يصل بلدي وأهل بلدي إلى هذا.. نحن من مدرسة تاريخها وحاضرها ومستقبلها قائم على التضحية من أجل الناس لا التضحية بهم»، وأضاف: «رفيق الحريري ثروة وثورة، ذهبت الثروة حمايةً للثورة على العنف والكيديّة والأحقاد وعلى من يريد إقناعنا بأنّ لبنان مستحيل». وختم بعد إعلان تأييده ترشيح عون بالتأكيد على أن «ما نحن بصدده اليوم هو تسوية سياسية بكل معنى الكلمة» متوجهاً إلى كل من يخاف من مخاطر هذه التسوية عليه «شخصياً وسياسياً ويشكك بنوايا حزب الله الحقيقية»، بالقول: «نعم إنها مخاطرة سياسية كبرى، لكنني مستعدّ أن أخاطر بنفسي وبشعبيّتي وبمستقبلي السياسي ألف مرّة لأحميكم جميعاً ولست مستعدّا لأخاطر مرة واحدة بأي واحد منكم لأحمي نفسي أو شعبيّتي أو مستقبلي السياسي».

عون في «بيت الوسط»

ومساءً، زار الجنرال عون يرافقه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل «بيت الوسط»، حيث أوضح بعد اجتماعه على مدى ساعة مع الرئيس الحريري أنه أتى لشكره على دعم ترشيحه الرئاسي وقال: «تعاهدنا سوياً لإنجاح المهمة ونساعد لبنان في حل أزمته، وإن شاء الله يكون عهداً ناجحاً ونرد للبنان استقراره وأمنه بالكامل وننهض به اقتصادياً بعدما وصل إلى أزمة كبيرة». وإذ شدد على أنه «بالحوار لا أحد يخسر إنما الكل يربح ولبنان يربح»، أكد عون أنّ «الميثاقية ليست للمسيحيين فقط بل هي عهد بين المسلمين ككل والمسيحيين ككل»، مؤكداً ألا «اتفاقيات ثنائية ولا ثلاثية ولا رباعية إنما هناك اتفاق واحد على إدارة شؤون البلد»، مع إشارته في هذ المجال الى أهمية اتفاق الطائف والتزامه المحافظة على «صيغة لبنان الفريدة».

عون الذي لفت انتباه المعارضين لانتخابه ولاتفاقه مع الحريري إلى كونهم ينطلقون من «معتقدات مسبقة»، تعهد في المقابل نبذ مفهوم «الكيدية» وبناء الوطن وإعمار المستقبل من منطلق عدم نسيان الماضي لعدم تكرار أخطائه، وختم: «لينتظروا أداءنا الذي يدل على ما سنقوم به (...) الثقة المتبادلة التي نبنيها في ما بيننا تدعو إلى التفاؤل بأن لبنان سيعاد إعماره وسيسترد وحدته الوطنية وسننجح في هذه المهمة، ونتمنى أن يكون هناك من الآن فصاعداً عهد جديد في لبنان بين كل مكوناته».

.. وفي «عين التينة»

ولاحقاً، زار عون «عين التينة» حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري في زيارة وضعها في إطار «الواجب لإطلاعه على تطورات الملف الرئاسي»، موضحاً في تصريح مقتضب بعد اللقاء: «احتسينا فنجان شاي، وأطلعناه على مسار الأمور في ما يتعلق برئاسة الجمهورية وتبادلنا بعض الإيضاحات وتفاهمنا»، وأجاب رداً على أسئلة الصحافيين: «نحن بالطبع نطلب دعمه لنا في الاستحقاق الرئاسي إلا أننا نحترم في النهاية حرية القرار الذي يتخذه». في حين نقلت مصادر المجتمعين لـ«المستقبل» أنّ بري خلال اللقاء أكد لعون عزمه على عقد جلسة 31 الجاري الرئاسية مبدياً ثقته بأنّ هذه الجلسة ستشهد انتخاباً للرئيس.

 

الديار :

قضي الامر، فخامة الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهو رية اللبنانية في 31/10/2016 بنسبة اقتراع قد تصل الى ما بين 73 الى 80 صوتاً.  العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد انتظار  دام لـ27 سنة، وخرج من قصر بعبدا في 13 تشرين الاول 1989 رافضاً للطائف ويعود اليه في 31/10/2016 مع الطائف ودون اي تعديل، وبين التشرينين، تاريخ حافل بالمحطات اوصلت الرئيس عون الى بعبدا بعد عمر ناهز الـ 80 سنة.
الحريري حسمها واعلن ترشيح العماد عون، وهو كوالده الشهيد قام بكل المحاولات لاخراج البلاد من الازمات والمحطات المفصلية، واستعرض في كلمة الاعلان محاولاته لانجاز الاستحقاق الرئاسي مع الدكتور سمير جعجع والرئيس امين الجميل والمرشح التوافقي والوسطي، ومع الصديق سليمان فرنجية، وكلها فشلت. وبقي خيار العماد ميشال عون خصوصاً منذ ان تبنى حلفاؤنا في القوات اللبنانية ترشيحه، لكن الاهم اننا والعماد عون وصلنا في حوارنا اخيراً الى مكان مشترك اسمه الدولة والنظام، وعدم طرح اي تعديل على النظام قبل اجماع وطني من كل اللبنانيين. وهذا كلام ينطلق من اجتماعنا الذي كتبناه في دستورنا، دستور الطائف، على ان لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه عربي الهوية والانتماء وان كل اللبنانيين يرفضون التجزئة والتقسيم والتوطين. وفي حوارنا ايضاً، وصلنا الى اتفاق لاطلاق عجلة الدولة والمؤسسات، وبناء على نقاط الاتفاق الذي وصلنا اليها اعلن عن قراري تأييد ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
وكان لافتاً ان الحريري لم يقل: «ارشح العماد عون لرئاسة الجمهورية بل اؤيد ترشيحه»، وبهذا الكلام وجه رسالة ايجابية ايضاً للمعارضين للعماد عون بانه يتبنى الترشيح الذي اعلنه العماد عون، رغم ان الحريري اشار الى انه يعرف مخاطر هذا التأييد عليه شخصياً وسياسياً لكنني اقوم بهذه المخاطر من اجل لبنان.
واللافت، ان الاعلان لم يحظ بالحماس والتصفيق من الرئيس فؤاد السنيورة ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري وبعض النواب، وقد اعلن السنيورة ومكاري عدم التصويت للعماد عون، كما غاب عن الاجتماع النواب محمد قباني، عمار حوري، احمد فتفت ومعين المرعبي الذين اعلنوا عدم التصويت لعون، فيما النائبان غازي يوسف وعقاب صقر خارج البلاد، ومن المتوقع ان يصوت 25 نائباً من كتلة المستقبل للعماد عون من اصل 33 نائباً مع استقالة النائب روبير فاضل.
وبعد اعلان الحريري تأييده، وصل الى بيت الوسط العماد عون يرافقه الوزير جبران باسيل، وشكر الحريري على موقفه في حضور  نادر الحريري، وتحدث عون بعد اللقاء موجهاًَ رسائل ايجابية الى الرئيس نبيه بري قبل ان ينتقل وحيداً الى عين التينة، بناء على طلب من الرئيس بري الذي ابلغ عون رفضه اصطحاب جبران باسيل معه، كما ابلغ بري الرئيس سعد الحريري في حال كان ينوي زيارته عدم اصطحاب نادر الحريري معه.
اللقاء بين الرئيس بري والعماد عون كان قصيراً، وعادياً، «جاء بشكل عادي وذهب بشكل عادي»، كما اوحت مصادر نيابية مقربة من الرئيس بري، واجواء الاجتماع السلبي تم الكشف عنه في مواقف الرجلين بعد الاجتماع. وقال بري: هذا اللقاء بين دولة الرئيس عون وبيني «سمع مني وسمعت منه»، والاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية، واللافت ان بري تقصد في تصريحه ان يقول دولة الرئيس وليس فخامة الرئيس،  اما العماد عون فاكد انه «يحترم موقف الرئيس بري مشيراً الى لقاءات اخرى مع تقديم ايضاحات لخبريات وشائعات لا تركب على قوس قزح. 
واشارت معلومات، ان العماد عون اكد للرئيس بري عدم وجود اي صفقة ثنائية او ثلاثية او رباعية، ولا اتفاق بين جبران باسيل ونادر الحريري. واكد عون على موقع الرئيس بري ودوره وان نكون سوياً في المرحلة المقبلة، اما الرئيس بري فجدد موقفه الذي قاله امام النواب بانه لن يصوت للعماد عون وسيكون في المعارضة. وانه سينزل الى المجلس النيابي في 31/10/2016 واعد كلمة التهنئة للرئيس الجديد.
وعلم ان الرئيس بري لم يقتنع بايضاحات العماد عون، واكبر دليل على وجود اتفاق ثنائي ما قاله الرئيس سعد الحريري في كلمة «الاعلان» عن وجود تفاهمات واتفاقات، وهذا امر، لا يمشي مع الرئيس بري مطلقاً، وانه لن يكون في الحكومة، مع توجيه انتقادات شديدة لسعد الحريري.  وسيغادر رئيس المجلس بيروت اليوم ويعود في 28 تشرين الاول قبل 3 ايام على موعد الانتخاب.
وفي المعلومات ايضا ان اللقاء بين بري وعون ما كان ليحصل لولا الجهود التي بذلها حزب الله الذي سيتدخل لتضييق رقعة الخلافات وبالتحديد بين بري وعون من جهة وعون وفرنجيه من جهة ثانية، وقد نجحت جهود حزب الله بجمع الرجلين والامور بحاجة الى اتصالات ستستمر مع الرئيس بري في جنيف، هذا مع العلم ان الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله سيتحدث عصر الاحد في ذكرى الشهيد القائد حاتم حماده الذي استشهد في حلب ومن الممكن ان يتطرق سماحته الى الملف الرئاسي، في حين لحظت كتلة الوفاء للمقاومة مؤشرات ايجابية مرحب بها يمكن ان تنهي ازمة الشغور الرئاسي، فانها تراقب الخطوات العملية والضرورية ضمن مسار جدي يؤدي الى انجاز الاستحقاق ويطلق دينامية العمل المنتظم في مؤسسات الدولة كافة وفق وثيقة الوفاق الوطني واحكام الدستور والقوانين المرعية. وتؤكد الكتلة ان التفاهم والانفتاح الايجابي المتبادلين بين ممثلي المكونات السياسية في البلاد هما امران مطلوبان اكثر من اي وقت مضى ومن شأنهما تعزيز مناخ التعاون وتسهيل المهام المترتبة قبل انجاز الاستحقاق وبعده.

ـ شائعات وترت الاجواء ـ

وكان قد سبق اعلان الحريري لترشيح عون موجة شائعات ورسائل عبر التواصل الاجتماعي عن نزول مناصري امل الى الشوارع احتجاجا على اعلان الحريري والقيام باعمال شـغب. وتبين انها غير صحيحة لكن «خضت» اجواء العاصمة والضواحي وخفت الحركة في الشوارع وانتشر الجيش اللبناني في الخندق الغميق، كما سرت شائعات مماثلة عن تحركات في طرابلس تبين انها غير دقيقة ولتوتير الاجواء.
هذا مع العلم ان وزير العدل اشرف ريفي قال «لن نقبل بتسليم البلد للمشروع الايراني»، ولى زمن الاستخفاف بعقول الناس وكراماتهم وغداً لناظره قريب».
كما وصف الرئيس نجيب ميقاتي كلمة الحريري بالمغامرة الجديدة ونخشى ان تقود الوطن الى مزيد من الانقسام والتشرذم.
كتلة اللقاء الديموقراطي كانت اول المهنئين للعماد عون، حيث قدم الوزير وائل ابو فاعور التهاني للوزير الياس بو صعب بوصول عون رئيساً الى بعبدا خلال جلسة مجلس الوزراء، فيما قرار الكتلة النهائي سيصدر غداً، وسيترك جنبلاط الحرية لنواب الكتلة مع التزام الحزبيين منهم غازي العريضي ووائل ابو فاعور واكرم شهيب وعلاء الدين ترو، تأييد العماد عون بالاضافة الى جنبلاط، وتشير المعلومات الى ان 7 نواب من الكتلة سيصوتون لعون.
وفي المقابل، سيقوم العماد عون بزيارات الى النائب سليمان فرنجيه والامير طلال ارسلان والرئيس نجيب ميقاتي والكتائب والقوات اللبنانية، كما سيقوم نواب من كتلة التغيير بزيارات الى القومي والبعث والنواب المستقلين لابلاغهم ترشيح عون ونهجه في الحكم.

ـ توزيع الاصوات ـ

وفي آخر الاستطلاعات لتوزيع الاصوات فقد ظهر ان العماد عون سينال ما بين 73 صوتاً الى 80 صوتاً من الكتل التالية: كتلة المستقبل 25 نائباً، كتلة الاصلاح والتغيير 20 نائباً، الوفاء للمقاومة 13 نائبا، القوات اللبنانية 8 نواب، كتلة اللقاء الديموقراطي 7 نواب بالاضافة الى نواب مستقلين، وقد يرتفع هذا العدد اذا صوت نواب البعث والقومي وارسلان الى جانب العماد عون، وسيحددون المواقف بعد الاتصالات مع بري وحزب الله وربما اطراف اقليمية.
وفي المعلومات، ان نواب المستقبل الذين لن يصوتوا للعماد عون سيقترعون باوراق بيضاء. اما موقف الكتائب المعارض للعماد عون لن يحسم لمن سيصوتون اذا بقي النائب سليمان فرنجية مرشحاً وهذا ما اكد عليه.
مواقف الكتل النيابية والنواب ستصدر خلال الايام المقبلة وستتوضح الرؤية خصوصاً ان العماد عون لم يقطع خيط الامل مع الرئيس بري وسيلتقيان مجدداً. لكن العماد عون وخلافا لمواقفه السابقة فانه سينزل الى المجلس النيابي ولو بقي النائب سليمان فرنجية مرشحاً، كون عون قد ضمن الاكثرية النيابية لصالحه.
ورغم هذه الاجواء الايجابية فان «الخوف» يبقى من حدث امني طارئ قد ينسف كل هذه الاجواء في بلد مثل لبنان تتبدل فيه الظروف بين ساعة واخرى.

ـ حوار حزب الله ـ المستقبل ـ

ورغم الاجواء غير الودية بين عين التينة وبيت الوسط، فقد عقدت جلسة الحوار الـ35 بين حزب الله والمستقبل في عين التينة، وفي حضور الوزير علي حسن خليل واكد المجتمعون الحرص على استمرار التواصل لتحقيق تفاهمات وطنية جامعة.

 

الجمهورية :

اطلق الرئيس سعد الحريري مبادرته في السماء الرئاسية، واعلن ترشيح رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، واضعاً حداً لكل التشكيك والتساؤلات والالتباسات. الكرة لم تعد في ملعبه، بل ليتلقفها اللاعبون على الخط الرئاسي، مؤيدون ومعترضون، ليُبنى على الشيء مقتضاه. يريد الحريري تلقفاً ايجابياً يفتح الباب على مسار إنسيابي نحو ترجمته في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 31 تشرين الاول، بانتخاب «مرشحه» ميشال عون رئيساً للجمهورية». في كلام الحريري خريطة طريق الى الرئاسة يتمنى لو انها سهلة، إنما كما بَدا في خطابه تسودها تعرّجات وعقبات ويأمل ان لا تتحوّل عثرات تقطع الطريق على خطوته التي وصفها بالمخاطرة.

قال الحريري كلمته وينتظر كلام الآخرين، وقد يلتقي رئيس مجلس النواب نبيه بري وربما تقوده «مخاطرته» الى طَرق أبواب ما اعتاد طرقها في السنوات الاخيرة.

وقد لوحظ انّ خطاب الترشيح تضمّن في ما تضمّنه مجموعة رسائل، الأولى في اتجاه جمهور «المستقبل» بتعابير احتوائية للشارع بما يؤشّر الى وجود تباينات حول قرار الترشيح. والثانية تبريرية تستند الى عناوين عامة قد لا تجد قبولاً لدى شريحة المعترضين على قراره.

والرسالة الثالثة باتجاه «حزب الله» او من خلالها انه ما زال خلف المتراس معه. امّا الرابعة فقد تُحدث تأويلاً حينما اكّد «الإتفاق» مع عون. فما هو هذا الاتفاق وما هي تفاصيله؟ ولماذا لا يعلن؟

ويبدو انّ عون اوّل المتلقفين لكلام الحريري، وهو المتلقف الطبيعي اولاً، فأطلق من «بيت الوسط» ما يشبه مدّ اليد الى الآخرين بقوله: في الحوار لا احد يخسر»، وطمأن الى ان «لا اتفاقات ثنائية او ثلاثية او رباعية، انما هناك اتفاق واحد على ادارة شؤون البلد». كذلك طمأن الى ان لا يخاف احد «فلا يمكننا ان نكون ثُنائيّين».

واذا كان تلقّف عون مريحاً للحريري، وهذا امر طبيعي ـ الّا ان تلقّف بعض اهل بيت «المستقبل» لقرار ترشيحه جاء رافضاً له، فماذا عن الآخرين؟ هناك كم كبير من الاسئلة لا بد من الاجابة عنها، وهي:

1 ـ ما هي الخطوة التالية؟

2 ـ اللافت انّ «حزب الله» خرج عن صمته الرئاسي بكلمات مقتضبة يؤكد فيها «أنّ التفاهم والانفتاح الايجابي المتبادلين بين ممثلي المكوّنات السياسية في البلاد هما أمران مطلوبان أكثر من أي وقت مضى ومن شأنهما تعزيز مناخ التعاون وتسهيل المهام المترتبة قبل إنجاز الاستحقاق وبعده». فماذا يعني هذا القول؟ ومن يخاطب «حزب الله»؟

3ـ ماذا عن جلسة 31 تشرين وهل انعقادها بات مضموناً؟ وكيف؟

4 ـ كيف سيتم تجاوز العقبات الماثلة في الطريق، سواء المتمثلة تحديداً بمعارضة بري؟ كيف ستتم مقاربة هذه المعارضة؟ بل ماذا يطلب بري في هذا السياق؟

5 ـ ماذا عن البيت الداخلي للحريري بعد الاعلان، خصوصاً بعد بروز اعتراضات علنيّة على قرار ترشيح عون وصدور نوع من الجرأة لدى بعض أعضاء كتلة «المستقبل» في إعلانهم عن رفضهم لعون؟

6 ـ هل من يضمن ان لا تحصل مفاجآت غير محسوبة على خط الترشيح مع انّ هذا الترشيح يبدو محصناً وقوياً؟

7 ـ ما هي خطوات الحريري التالية بعد الترشيح؟ هل سيجري مشاورات لترميم البيت الداخلي، وهذه مسألة حسّاسة وصعبة لديه؟ وماذا لو توسّعت رقعة المعترضين داخل كتلته على هذا الترشيح؟

8 ـ الى اين سيتوجّه الحريري من القوى السياسية؟ هل في اتجاه بري، والواضح انّ «سوء تفاهم سياسي عنيف يسود بينهما وهناك من نقل شعوراً بالمرارة في عين التينة؟ هل سيتوجه باتجاه «حزب الله» مع انّ وفدَي «المستقبل» والحزب قد التقيا بالأمس في حوارهما التقليدي؟ وهل سيلتقي الحريري «حزب الله» خصوصاً انه ضَمّن خطابه كلاماً عن انفتاحه على كل الاطراف؟

9 ـ ما هي النسبة التي سينالها عون لكي يفوز؟ ان كانت ضئيلة، الّا تشكّل هذه ضربة مسبقة للعهد؟

10 ـ لنفترض انّ كل ما تقدّم تمّ تجاوزه وتمّ الانتخاب في 31 تشرين الأول، ما هو شكل البلد بعد الانتخاب؟ عون رئيساً وسيدعو مباشرة الى استشارات ملزمة لتكليف شخصية لرئاسة الحكومة، والحكومة الحالية ستصبح حكومة تصريف اعمال.

السؤال: ماذا لو كُلّف الحريري؟ والواضح بحسب المواقف الحالية انه قد لا يحصل على اكثرية يُعتدّ بها، أليست هذه اشارة هبوط معنوي؟ وماذا لو لم يسمّه بري و«حزب الله» وفرنجية والرئيس نجيب ميقاتي بالإضافة الى معترضين آخرين؟

11 ـ كيف سيشكّل الحريري الحكومة؟ هل يستطيع ان يشكّلها سريعاً؟ وهل يستطيع ان يشكّل حكومة بلا مكونات اساسية، كبرّي مثلاً، الذي أعلن سلفاً انه سيذهب الى المعارضة؟

12 ـ هل سيشارك «حزب الله» في الحكومة، بل هل يستطيع ان يشارك فيها بمعزل عن بري؟

13 ـ لقد أخذ الترشيح البلد الى مرحلة جديدة، فهل سيتحوّل هذا الضجيج السياسي ما قبل الترشيح الى «فوضى سياسية»؟ وهل هذا الترشيح فعلاً صنع في لبنان وماذا لو جاءت كلمة سر ما من مكان ما ترفض هذا الترشيح؟

14 ـ هل صحيح ما يتردد في بعض الاوساط عن كمين ينصب لبعض الاطراف؟

هل صحيح انّ الحريري بترشيحه هذا رمى الكرة في ملعب خصومه وفي مقدمهم «حزب الله» واذا صحّ ذلك، كيف سيتعاطى معها الخصوم؟
تبعاً لهذه التساؤلات، لا تبدو الطريق سهلة في المرحلة التالية خصوصاً بعدما تداخلت العوامل الاعتراضية بعضها ببعض. وبالتالي، فإنّ جلسة 31 تشرين الأول وبرغم القول انها ستنعقد بنصاب مؤمّن عددياً وتنتخب عون، تبقى هذه الجلسة امام احتمال ولو ضئيل بأن لا تُعقد.

فأيّ صورة للبلد بعد الانتخاب، إن تمّ، وفي ظل حكومة تصريف اعمال، وفي ظل رئيس حكومة مكلّف لا قدرة له على اتخاذ قرار؟ وكم هي الفترة التي يمكن ان يقضيها الحريري كرئيس مكلّف خصوصاً انّ الانتخابات النيابية على الابواب وهناك نزاع حول ماهية القانون الانتخابي؟ وهل يحتمل البلد الذي مُلِىء فراغه الرئاسي برئيس منتخب ان يدخل في نوع جديد من الفراغ على مستوى السلطتين التنفيذية والتشريعية؟

كل هذه الاسئلة تحتاج الى إجابات ويبدو انها ضائعة في مغاور سياسية من الصعب انتشالها وتوضيح الرؤية حالياً. طبعاً الأيام المقبلة ستحمل مزيداً من النور وانقشاعاً في رؤية المسار الحقيقي الذي سيسلكه الاستحقاق الرئاسي بعد الترشيح.

وإذا كان عون والحريري قد اجتازا الأمتار الأخيرة من السباق الرئاسي بحيث أمّنا النصاب لجلسة 31 الجاري، فإنّ مصادر نيابية معارضة لخيار الحريري تساءَلت: «من يكفل تشكيل حكومة العهد بسهولة؟ وإذا نجح الحريري بتشكيلها من يضمن له بقاءه بعد انتخابات نيابية تتغيّر فيها موازين القوى؟».

أمّا مصادر مؤيدة ترشيح عون فاعتبرت انّ «أيّ تهويل على الحريري في مسألة تشكيل الحكومة لا يصبّ في مصلحة المُهوّلين لأنّ الناس لن تتحمّل المراوحة في هذا الموضوع ولن ترحم المعرقلين لأنّ الانهيار الإقتصادي يدق أبواب الجميع، وبالتالي سيكون الجميع بحاجة إلى أن تعود الحياة إلى المؤسسات، إضافة إلى انّ المجتمع الدولي لن يتساهل مع أيّ تأخير في تشكيل الحكومة قد يهدّد الاستقرار».

جولة عون

وفور إعلان الحريري ترشيحه لعون، باشَر الجنرال بجولة على القيادات بدأها بـ«بيت الوسط» شاكراً للحريري خطوته وقال: «تعاهدنا سوياً من أجل إنجاز المهمة». ولفت إلى انّ «الميثاقية عهد بين المسلمين والمسيحيين ونجزم بأن لا اتفاقات ثنائية ولا ثلاثية ولا رباعية بل هناك اتفاق واحد على إدارة شؤون البلاد».

ثم زار الحريري بري في عين التينة، واوضح انه تبادل معه «الآراء حول الوضع القائم وحول بعض الايضاحات لأننا نعيش جواً من الشائعات التي لا «تَركب على قوس قزح»، وشربنا فنجان شاي». أمّا بري فأكّد له انّ الجلسة ما زالت قائمة في 31 الجاري وانّ كتلة «التنمية والتحرير» ستكون حاضرة ولن تقاطع.

المشنوق

وسألت «الجمهورية» وزير الداخلية نهاد المشنوق عن الخطوة التالية بعد إعلان الحريري ترشيح عون، فأكّد انّ كل الافرقاء السياسيين سيسعون للتفاهم في ما بينهم وهذا المشروع السياسي الذي أعلنه الحريري من الواجب ان ينتج اتصالات ولا احد سيبقى خارج التفاهم. نحن حريصون على العلاقة مع الرئيس بري وعلى توطيدها وما حصل معه لن يكون سوى غيمة صيف، فهو شريك أساسي بكل التفاهمات».

«القوات»

وفي حين تتجه الأنظار إلى «حزب الله» والدور الذي سيؤديه بين «الرابية» وعين التينة وإلى المواقف التي سيعلنها الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بعد غد، أبدَت «القوات اللبنانية» ارتياحها الكبير بأنّ التصوّر الذي وضعته منذ فترة تحقّق بترشيح الحريري لعون.

وقالت مصادرها لـ«الجمهورية» انّ وصول عون إلى الرئاسة سيكسر التقليد الذي دام 25 عاماً بانتخاب رؤساء لا يتمتعون بقوة تمثيليّة، «لقد بدأ التنفيذ الفعلي لاتفاق الطائف».

أمّا في ما يتعلق بالعلاقة مع تيار «المستقبل» فاعتبرت المصادر انّ اتفاق «القوات» و«المستقبل» على دعم ترشيح عون، أزال الرواسب الماضية وسيؤسّس لمرحلة جديدة شبيهة بمرحلتي 2005 و2010، وهو سيكون انطلاقة جديدة لثورة الأرز».

«الكتائب»

في المقابل، تمنّت «الكتائب» لو انتخب رئيس الجمهورية أمس قبل اليوم. وقالت مصادرها لـ«الجمهورية»: «انّ عون لا يحظى بإجماع كل اللبنانيين، وهناك انقسام عمودي في البلد»، ورأت انّ «ثمة تعادلاً بين المؤيدين والرافضين لأنّ نصف المؤيدين غير مقتنعين بعون».

وشددت على «معالجة هذا الإنقسام بسرعة لأنه سينتج عنه واقع صعب على صعيد التأسيس لمرحلة جديدة في البلد». وتخوّفت من «أن يكون حكم عون هو حكم الحزب الواحد أو احتكار التمثيل المسيحي بين فريقين وإلغاء الأفرقاء الآخرين».

ولفتت إلى انّ «المطلوب من عون استثمار الوقت الباقي للقيام بجولة ضرورية على الرؤساء السابقين والقيادات حتى يضمن حوله إجماعاً كبيراً ويُطمئن الجميع إلى انه سينتهج سياسة الوقوف على مسافة واحدة من الجميع». وأكدت انّ «الكتائب ستظلّ تعارض عون قبل انتخابه بدقيقة، لكن فور انتخابه رئيساً ستكون إلى جانبه، لأنّ الكتائب هو حزب الرئيس أولاً وأخيراً».

اللواء :

أبحر الرئيس سعد الحريري على سفينة ترشيح النائب ميشال عون للرئاسة الأولى، في قرار كبير، ليس في توقيته، بل في إثاره التي تشكّل منعطفاً على طريق إنهاء الشغور الرئاسي.
ولم يتوان رئيس تيّار «المستقبل» وهو يعلن من «بيت الوسط» قراره بدعم ترشيح رئيس تكتل «الاصلاح والتغيير» ان ما يقدم عليه «مخاطرة سياسية كبرى لحماية لبنان وحماية النظام وحماية الدولة وحماية النّاس، معلناً عن تفاؤله بأن «مرحلة جديدة ستنبثق بعد انتخاب رئيس الجمهورية من خلال تعزيز الأمن والوحدة الوطنية في وجه الحرائق المحيطة بنا، وليعود لبنان نموذجاً للدولة الناجحة والعيش الواحد الحقيقي في منطقتنا والعالم».
واعتبر ان الالتقاء على انتخاب عون هو «تسوية سياسية»، مخاطباً جمهوره بأنه «يعلم ما يقال في ضوء التجارب والتشكيك بنوايا «حزب الله» الحقيقية».
وقال: «ربما يقول لي البعض هذه ليست تسوية هذه تضحية بشخصك وشعبيتك وربما بأصوات ناخبين لك في الانتخابات النيابية المقبلة»، عازياً قراره أيضاً إلى انه «يخاطر من دون أي خوف، لأن خوفه الوحيد هو على لبنان».
وفي مطالعة استهل بها خطابه امام حشد من نواب وانصار وكوادر تيّار «المستقبل» فضلاً عن الصحافيين، اعتبر الحريري ان خياره هو ما كان سيقدم عليه والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري فيما لو واجه وضعاً مماثلاً، لابعاد الفتنة والحرب الأهلية، ومن أجل مصلحة لبنان واستقراره وأمنه وسيادته، مؤكداً ان القرار يأتي بعد التوافق مع النائب عون على عدّة نقاط اهمها: الدولة والنظام فهو ونحن لا نريد للدولة والنظام ان يسقطا، ولا تعديل يدخل على النظام قبل إجماع وطني من قبل كل اللبنانيين.
وكشف انه في حواره مع عون وصل إلى اتفاق لاطلاق عملية الدولة والمؤسسات والاقتصاد والخدمات الأساسية وفرص العمل، واتفقنا أيضاً على تحييد الدولة اللبنانية بالكامل عن الأزمة السورية، هذه أزمة نريد حماية بلدنا منها، فإذا انتهت هذه الأزمة واتفق السوريون على نظامهم وبلدهم ودولتهم نعود إلى علاقات طبيعية معها.
ولئن كان بعض أعضاء كتلته، وفي مقدمهم الرئيس فؤاد السنيورة والنواب فريد مكاري وأحمد فتفت وعمار حوري ومحمّد قباني جاهروا بامتناعهم عن التصويت لعون مع التمسك بالرئيس الحريري ووحدة الكتلة، فإن مصادر قريبة من تيّار «المستقبل» توقعت ان تحدث الحيثيات التي بنى عليها الرئيس الحريري خياره صدمة إيجابية لدى أنصاره ومؤيديه على الرغم من بعض المظاهر التي انتشرت في احياء الطريق الجديدة حيث ارتفعت صور للرئيس برّي وذلك في ضوء المسار الذي سيسلكه ترشيح عون، وطي صفحة التجاذبات حول هذه الخطوة الكبيرة والجريئة.
وقالت أوساط الرئيس الحريري انه سبق وأبلغ الرئيس نبيه برّي عندما زاره في عين التينة في آب الماضي ان الأمور لا يمكن ان تمضي على النحو الذي سارت عليه منذ الفراغ الرئاسي الذي ضرب البلاد مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 25 أيّار 2014، وانه يتجه الىخطوة ما باتجاه إنهاء الفراغ، ملمحاً إل<