جدال الرئاسة : حسمها الحريري , لم يحسمها الحريري , مشكلة بري مع عون , أو مشكلة بري مع الحريري  ....

 

السفير :

ما لم يستجد عامل طارئ غير محسوب، من «خارج النص»، فإن الرئيس سعد الحريري سيعلن رسمياً بعد الظهر اليوم، من بيت الوسط، دعم ترشيح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، عملا بالروزنامة الزمنية التي اتفق عليها مع الجنرال، علما أن هناك من لا يزال غير مصدق، حتى يسمع بأذنيه ويرى بعينيه..
وحتى جلسة «تشريع الضرورة» أمس اتخذت أبعاداً رئاسية عابرة للقوانين، تحت وطأة لحظة مشحونة بالرهانات والانتظارات والمواعيد والوعود..
ومع إيفاء الحريري بوعده لعون، يكون الجنرال قد أصبح بحسابات «الورقة والقلم» مستحوذاً على الرئاسة استناداً الى أكثرية نيابية كافية، بالمعنى العددي، لكنها تفتقر الى «فيتامين» النصاب السياسي المكتمل الذي سيبقى ناقصاً ومعتلاً من دون التفاهم مع الرئيس نبيه بري.
ولئن كان عون سيسعى الى «ترميم» هذا النصاب قبل موعد جلسة الانتخاب في 31 تشرين الأول، بات يميل - وفق مصادره - الى حضور الجلسة في كل الحالات، مطمئناً الى «كفالة» الحريري وباقي الحلفاء، ما يعني أنه لم يعد يشترط أن يسحب النائب سليمان فرنجية ترشيحه للنزول الى مجلس النواب.
وعليه، يرى الجنرال أن دعم الحريري له، معطوفاً على رصيده السابق من الأصوات، سيؤدي الى انتفاء أي مبرر لإرجاء موعد جلسة الانتخاب المقررة، وإذا كان لا بد من تعديل التوقيت يجب أن يكون في اتجاه تقريبها لا تأجيلها.
وبرغم أن «جدول الحساب» بات يمنحه الأرجحية، فإن عون الذي يدرك جيداً قواعد اللعبة الداخلية وتوازناتها، ليست لديه مصلحة في أن ينطلق عهده وهو يعاني في أيامه الأولى «فقر دم» سياسياً ونقصاً في المناعة، وبالتالي فإن المقربين منه يجزمون بأنه سيطلب، بعد إعلان الحريري قراره، موعداً سريعاً للقاء بري في زيارة مكاشفة ومصارحة، ستتجاوز الإطار البروتوكولي والشكلي الى الغوص في عمق العلاقة الملتبسة وإشكالياتها.
وبرغم التوتر الذي ساد عون وبري في الأيام الأخيرة، ترفض الرابية التسليم بفرضية أن رئيس المجلس سيكون حُكماً في صفوف المعارضة، وهي تراهن على إمكان استمالته مجدداً في ربع الساعة الأخير، منطلقة من المعادلة الآتية: «لا العهد الجديد يمكنه الإقلاع بسهولة من دون الشراكة مع بري، ولا بري يستطيع إيضاً الإقلاع من دون أن يكون متناغماً مع هذا العهد».
يعتقد عون أنه ليس بمقدور بري أن يتخلى بهذه البساطة والسهولة عن حضوره المتأصل في السلطة، وما أفرزه من امتدادات ومصالح على مدى عقود. وهناك في محيط الجنرال من يرجح أن يكون الهدف الأساسي من السقف المرتفع لخطاب رئيس المجلس في هذه المرحلة هو تحسين شروط التفاوض اللاحق، لا نسفه.
وتبدو الرابية مستعدة للذهاب بعيداً في تفهم شكوى بري ومعالجتها، على قاعدة أن ما يجمعهما هو أكثر مما يفرقهما، «ومن يستطع التفاهم مع الحريري الآتي من بعيد فلن يستعصي عليه التفاهم مع بري الشريك في خيارات استراتيجية هي أهم من تفاصيل السلطة».
وتبعاً لزوار الرابية، ليس لدى عون أي رغبة ظاهرة أو مضمرة في تهميش دور بري وموقعه الحيوي في تركيبة النظام، بل إن الجنرال مقتنع بأن حكم الأقوياء الذي ينادي به لا يمكن أن يستقيم أصلاً من دون رئيس المجلس «الذي سيسمع هذا الكلام بوضوح من عون عندما يلتقيه»، كما يؤكد المطلعون على أجواء الرابية.
ويستهجن المحيطون بالجنرال إيحاء البعض بأن بري بحاجة الى ضمانات أو تطمينات من عون، لافتين الانتباه الى أن رئيس المجلس هو في موقع من يمنحها للآخرين، لا من يطلبها، «وإذا كانت هناك ضرورة لترتيبات مسبقة بين عون والحريري لكونهما يأتيان من ضفتين متباعدتين، فإن بري كان مصنفاً حتى الأمس القريب في قاموس الجنرال بمثابة حليف وشريك برغم بعض التباينات الموضعية».
بالنسبة الى عون، ليس منطقياً أن ينقلب على رئيس المجلس أو يعاديه وهو الذي يمثل جزءاً ميثاقياً من المكوّن الشيعي، ويربطه تحالف وجودي مع «حزب الله»، الى درجة أن الجنرال افترض في وقت ما أن بري والحزب هما واحد، ثم راح يتصرف على هذا الأساس، وهذا ما مثّل أحد أسباب تفاجئه باعتراض بري الشديد على انتخابه رئيساً للجمهورية، خلافاً لمقاربة الحزب الذي ينظر اليه مرشحاً طبيعياً وميثاقياً، كما يقول المتحمسون لعون.
وبناءً عليه، تعتقد الرابية أن شظايا موقف بري الحادّ ضد انتخاب الجنرال إنما تصيب بنحو أو بآخر «حزب الله» كذلك.
وينفي المحيطون بالجنرال وجود أي اتفاق خطي بين جبران باسيل ونادر الحريري، على قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان وتوزع الحقائب الوزارية وبقاء الحريري في رئاسة الحكومة ست سنوات، مشيرين الى أن ما حصل هو أن الجنرال أبلغ الحريري أنه لن ينقلب عليه ما دامت أكثرية نيابية سمّته ومنحته ثقتها، عملاً بنظرية حكم الأقوياء التي يشكل بري أحد أضلاعها الثابتة.
ويكشف هؤلاء عن أن من بين نقاط التلاقي بين عون والحريري أيضاً توافقهما على ضرورة ألا يسيطر أي فريق على مجلس الوزراء، «أما الإقامة المستدامة للحريري في رئاسة الحكومة فلا يقررها عون، بل هي ترتبط بالمشاورات الإلزامية وما تفضي اليه».
وفي ما خص حاكمية مصرف لبنان، يوضح المطلعون على مفاوضات الكواليس أن الحريري طرح على سبيل المثال أن يتولى الوزير السابق جهاد أزعور هذا المركز، فيما لعون رأي آخر..
وتجزم أوساط عون أن الرجل لا يضمر أي شر أو سوء نية حيال بري، وهو يعرف جيداً ان موقع رئيس المجلس ودوره ليسا قابلين للنقاش انطلاقاً من حيثيته وتحالفاته، وبالتالي لا استهداف له، وأي التباس قائم سيكون اللقاء المرتقب بينهما كفيلاً بمعالجته، إذا صدقت النيات.
مقاربة بري
على المقلب الآخر من المعادلة، قالها بري بوضوح وصراحة أمام النواب أمس: «أنا سأحضر جلسة الانتخاب، وقد بدأت بإعداد خطاب تهنئة الفائز من بين المرشحين، لكن لن أصوّت للجنرال مع محبتي وتقديري له..».
لم «يهضم» بري بعد محاولة عون والحريري اختزال استحقاق من وزن رئاسة الجمهورية بهما، وكأن المطلوب من الآخرين أن يبصموا فقط على ما يتفقان عليه، خلافاً لقواعد إنتاج السلطة التوافقية في لبنان. حتى في الشكل، بدا مستغرباً لعين التينة أن يتولى الحريري من بيت الوسط إبلاغ زواره بما قرره، على طريقة إصدار الفرمانات وتعميمها.
يعتقد بري أن الحريري أخطأ مرة أخرى في طريقة التسويق لاسم عون، كما فعل من قبل مع ترشيح فرنجية. وتُشبّه أوساط بري سلوك رئيس «المستقبل» بمن يقود سيارة في عكس السير، بحجة اختصار الطريق، فتكون النتيجة حوادث اصطدام ودهساً..
وما عزز هواجس بري، أن «التيار الوطني الحر» جمّد مشاركته في هيئة الحوار الوطني، حيث كان يمكن التوصل الى تفاهمات شاملة بمشاركة 16 قطباً يمثلون المكوّنات الأساسية، ليخوض حواراً ضيقاً مع الحريري أفضى الى اتفاق ثنائي، من شأنه أن يرفع منسوب الارتياب المشروع، تبعاً لقناعة عين التينة.
لا يقبل بري أن يقتصر دوره في زمن «الطائف» على تبلغ اسم رئيس الجمهورية المقبل، بدل ان يكون الشريك - الند في صناعته عملاً بمقتضى التوازنات الداخلية، وهو أراد عبر هجومه المضاد أن يُحدث نوعاً من «الصدمة»، للجم اندفاعة التفاهم الثنائي بين عون ـ الحريري، على حساب الأدوار الأخرى.
كما أن بري حاول أن يلمّ شتات المعارضين لخيار انتخاب الجنرال وأن يشد عصبهم ويحمي ظهرهم، من دون أن يعفي «حزب الله» كذلك من رسائله، وكأن رئيس المجلس يقول للحزب ليس بالتحالف وحده مع عون يحيا الإنسان..
وتؤكد أوساط بري أنه لا يمزح أو يناور في شأن انتقاله الى المعارضة، مع ما يعنيه ذلك من امتناع عن انتخاب عون رئيساً للجمهورية وتسمية الحريري رئيساً للحكومة.

 

النهار :

اذا كان اليوم التشريعي لمجلس النواب احتل ظاهر المشهد السياسي أمس، فان الجلسة التشريعية كادت تمر هامشية أمام الغليان التصاعدي الذي ضجت به كواليس ساحة النجمة و"بيت الوسط" ومقار الزعامات السياسية ايذاناً بانطلاق "الاشتباك" السياسي الكبير حول يوم "الواقعة" المفصلية في 31 تشرين الاول. وتدل كل المعطيات والمؤشرات على ان موعد جلسة 31 تشرين الاول سيكون حاسما في معركة داخلية غير مسبوقة بعواملها المحدثة وتختلف اختلافاً جذرياً عن كل سوابق المعارك الانتخابية الرئاسية منذ ولادة اتفاق الطائف سواء في حقبات الوصاية السورية أو بعدها. ولن يكون أدل على الطابع الدراماتيكي الذي تنحو في اتجاهه هذه المعركة سوى الخطوة التي سيقدم عليها اليوم الرئيس سعد الحريري في اعلانه تبني ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية مع كل ما يستبطنه هذا الاعلان من دلالات شديدة الوطأة كتحول سياسي بعد نحو سنة من اعتماد الحريري خيار ترشيح النائب سليمان فرنجية.
وسيعلن الرئيس الحريري تبنيه لخيار عون مفنّداً الدوافع والتبريرات التي أملت عليه اعتماده وسط معطيات تعكس بلوغ التعقيدات التي تكتنف هذا الخيار ذروتها والتي من شأنها ان تجعل الايام الـ12 الفاصلة عن موعد 31 تشرين الاول أشبه بمنعطف مصيري حقيقي سينقل لبنان من ضفة الى ضفة أخرى من دون قدرة أحد على التكهن بطبيعة التداعيات التي سيحدثها الاشتباك السياسي الحاد حول خيار عون. ويكفي للدلالة على الحجم الكبير لهذا الاشتباك ان يتحول رئيس مجلس النواب والعراب الدائم لكل العهود الرئاسية منذ التسعينات من القرن الماضي والركيزة الثانية الدائمة للسلطة مذذاك والممثل الاول الرسمي والدستوري للطائفة الشيعية الرئيس نبيه بري للمرة الاولى الى رأس حربة المعارضين لخيار عون و"معادلة" عهد عون – الحريري بكل ما يختزنه هذا التطور غير المسبوق من دلالات. لم يتردد بري أمام الهيئة العامة لمجلس النواب امس في اعلان قراره الحاسم أنه لن يصوت لعون وان تعهد حضور كتلته الجلسة وعدم تعطيلها كما فعلت دوماً. ولكن فيما كان يعلن ذلك كان المعارضون لخيار عون من اتجاهات مختلفة يهيئون سيناريوات المواجهة وكانت الاتصالات تتكثف في ما بينهم لاستكشاف امكانات اسقاط انتخاب عون الذي يبدو واضحا انه بمجرد ان يعلن الحريري اليوم تبني خياره فان معايير نيله للأكثرية سترتفع ولو من دون حسم الامر نهائيا في انتظار ما تحمله الايام الفاصلة عن موعد 31 تشرين الاول من تطورات.

 

"بوانتاج"
وعلمت "النهار" ان جهات نيابية وسياسية عدة معارضة لخيار عون أجرت في اليومين الاخيرين "بوانتاجات " لتوزع النواب والكتل في نقطة الانطلاق الاولى نحو المعركة الرئاسية وتقاطعت هذه "البوانتاجات" عند نسب أولية من شأنها ان تبقي الباب مفتوحاً أمام محاولات المعارضين لتبديل "المسار العوني". ويظهر فيها انه مع تبني الحريري ترشيح عون، فان الاخير سيمتلك كتلة من 64 أو 65 نائبا تكفل له الفوز بالاكثرية المطلقة (النصف زائد واحد) في دورة الاقتراع الثانية باعتبار انه يحتاج في دورة الاولى الى اكثرية الثلثين أي 85 نائباً وهو أمر متعذر تماما أقله بموجب معطيات اللحظة الحالية. أما النائب فرنجية، فانه يمتلك كتلة من نحو 40 نائباً، فيما يدرج نحو 23 نائباً في خانة النواب الذين لم يحسموا خياراتهم بعد.
وتفيد المعلومات التي توافرت لـ"النهار" ان المناخ الذي عبرت عنه جولات بعض السفراء المؤثرين ولقاءاتهم مع الرئيس الحريري وسواه من الزعامات أظهرت ان خيار عون لا يلقى تشجيعاً وان يكن هذا المناخ لا يبلغ حدود وضع املاءات معينة في اي اتجاه آخر محدد. كما تبين ان لا صحة لما أشيع عن تشجيع الموفد الفرنسي جيروم بونافون لخيار عون في جولته على القيادات السياسية بل أكد حرص فرنسا على الخروج من الازمة الرئاسية تجنباً لتداعياتها وخصوصاً على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والاستقرار اللبناني.

 

الحريري
في غضون ذلك، علمت "النهار" ان "بيت الوسط" بدأ مساء أمس توجيه الدعوات الى المؤتمر الصحافي الذي سيعقده الرئيس الحريري الخامسة عصر اليوم ليتلو بيانا مكتوبا يعلن فيه ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية.وفي المعلومات ان نحو 200 شخصية ستحضر هذه المناسبة.
وقالت اوساط نيابية لـ"النهار" إن الرئيس بري بدا أمس مرتاحاً الى وضعه وسط معلومات تفيد ان "حزب الله" سيقف معه وانه سيعمل على التوفيق بين بري وعون في الفترة المقبلة. وتوقعت ان يتركز الجهد على تأجيل جلسة 31 تشرين الأول الى 17 تشرين الثاني المقبل لتنقية الاجواء بين عين التينة والرابية.
كما علمت "النهار" ان رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط دعا أعضاء اللقاء الى حضور إجتماع في المختارة ظهر السبت للتشاور في الاستحقاق الرئاسي.
الى ذلك، أبلغت مصادر نيابية "النهار" ان الجلسة التشريعية التي عقدها أمس مجلس النواب والتي أقر فيها المشاريع المالية الملحة هي الاخيرة من نوعها في المدى المنظور إذا ما كانت جلسة 31 تشرين الأول مثمرة في إنتخاب رئيس جديد للجمهورية ما يعني إستقالة الحكومة الحالية والذهاب الى إجراء إستشارات التكليف ومن ثم إستشارات التأليف والتي قد تستغرق بضعة أسابيع في الفترة المتبقية حتى نهاية السنة الجارية لكي ينطلق قطار الحكومة الجديدة. ولم تستبعد ان يكون قانون الـ 60 هو المعتمد في إجراء الانتخابات النيابية في الربيع المقبل بإعتبار ان محاولات وضع قانون جديد قد باءت بالفشل كما ظهر في الجلسة النيابية أمس.

 

المستقبل :

بعد طول تحليل وتأويل وتهويل على ضفاف جولة مشاوراته الهادفة إلى انتشال رئاسة الجمهورية من قبضة الشغور الخانقة للبلد ومؤسساته ومصالحه الاقتصادية والمالية والاجتماعية والحيوية، يحسم الرئيس سعد الحريري موقفه الرئاسي اليوم بكلمة يتوجه بها مباشرةً على الهواء من بيت الوسط إلى اللبنانيين ليضعهم في خلاصة ما توصل إليه من قرار وطني بعد اكتمال دورة مبادرته الرئاسية المرتكزة بشكل أساس على واجب إنهاء الفراغ ووجوب إعلاء مصلحة الجمهورية فوق أي مكسب شخصي أو فئوي أو سياسي، تطبيقاً وتصديقاً لمنهاج مدرسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري.. وقاعدتها العريضة: «ما حدا أكبر من بلدو».

وعشية يوم الحسم الذي سيشهد بعد الظهر إعلان موقفه بحضور أعضاء كتلة «المستقبل» والمكتبين السياسي والتنفيذي لتيار «المستقبل» وعدد من الهيئات الاقتصادية والفاعليات والشخصيات، استكمل الحريري جولة مشاوراته السياسية والديبلوماسية في بيت الوسط حيث استقبل رئيس حزب «الكتائب اللبنانية« النائب سامي الجميل واستعرض معه التطورات الراهنة. بينما كان قد عرض الأوضاع والمستجدات اللبنانية والإقليمية مع كل من السفيرة الأميركية إليزابيت ريتشارد والسفير الروسي ألكسندر زاسبكين الذي أعرب بعد اللقاء عن تقدير بلاده «عالياً للجهود التي يبذلها الرئيس الحريري في سبيل إيجاد حلول للقضايا الداخلية بما في ذلك انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة«، متمنياً «الوصول سريعاً للتوافق بين الأحزاب اللبنانية الأساسية وفقاً للمصالح الوطنية الكبرى للدولة«.

تشريع الضرورة

في الغضون، أعادت «الضرورة» مجلس النواب إلى جادة التشريع أمس تحت وطأة الضرورات المُلحّة وطنياً واقتصادياً ومالياً وحياتياً، فانعقد المجلس في جلسة تشريعية صباحية ومسائية (ص 3- 4) أقرّ خلالها 20 مشروعاً واقتراح قانون من دون أن يتطرق إلى مشروعي قانون الانتخاب المدرجين بصفة معجل مكرر بسبب انفضاض النصاب القانوني مساءً قبل بلوغهما.

وكانت الجلسة العامة التي عُقدت برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحضور رئيس الحكومة تمام سلام والوزراء ونواب من كافة الكتلة النيابية، قد انطلقت صباحاً انطلاقة «رئاسية» على وقع مداخلة لنائب رئيس حزب «القوات» النائب جورج عدوان توجّه بها إلى بري بالقول: «كنتَ دائماً رجل التهدئة والحوار والانفتاح، وعندما تُطرح قضايا مذهبية كنت ولا تزال تتصدى لها، ولكن المناخ منذ أمس (الأول) وكلام الوزير علي حسن خليل (عن عودة الثنائية المارونية - السنية والعودة الى ميثاق 1943 والاستعداد لمواجهتها) لا يشبهك، وأتمنى عليك أن تحافظ على الجو الذي كنت دائماً تشجعه وأن تستمر فيه«. وعلى الأثر رد رئيس المجلس مستغرباً ما نُقل عنه في الإطار المذهبي، مع التأكيد في الوقت عينه على التمسك برفع مطرقة المعارضة في وجه انتخاب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية من خلال قوله: «مع تقديري للجنرال، لن أصوت له وسأكون في المعارضة ولكن سأكون أول الحاضرين في الجلسة»، مستدركاً: «لكن لم يصدر عني أي كلام مذهبي، وأنا بدأت بكتابة خطاب التهنئة للمرشح الفائز«.

 

الديار :

المشهد الرئاسي يدخل المرحلة الجدية، مع اعلان الرئيس سعد الحريري ترشيحه الرسمي للعماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية عصر اليوم من بيت الوسط في حضور اعضاء كتلته النيابية وفاعليات بيروتية وشمالية. ومعها سيدخل الاستحقاق الرئاسي مرحلة مختلفة، بعد ان انجز الحريري المطلوب منه على قاعدة «يا رب اشهد انني قد بلغت» و«رمي الطابة» في ملعب الاخرين، وتحديداً حزب الله و8 آذار، الا اذا حصل طارئ في بلد العجائب لبنان، ادى الى تأجيل الاعلان مع تبدل الاوضاع والتطورات بين لحظة واخرى.
وتشير المعلومات الى ان الرئيس الحريري حسم أمره وانجز كلمة الاعلان التي ستركز على الاسباب التي دفعته الى السير بخيار العماد عون جراء اوضاع البلد الاقتصادية وما يجري في المنطقة وانعكاساته على لبنان، والتي باتت تتطلب انتخاب رئيس للجمهورية يعطي دفعا ايجابياً للبلد.
لكن لا يمكن الجزم بحصول الاستحقاق الرئاسي مع التسريبات والخشية من حدث امني قد يعطل الاستحقاق عبر تحركات على الارض ينتج منها احداث دموية أو عملية اغتيال لا سمح الله، تؤثر في الاستقرار اللبناني برمته، وان البلاد شهدت خلال الايام الماضية استنفاراً طائفياً ومذهبياً اظهر بأن الاستقرار «مغطى بكومة قش» والامثلة عديدة وهناك من نام رئيساً أو رئيساً للحكومة أو وزيراً واستفاق صباحاً على تطورات مختلفة أسقطت كل الاتفاقات، خصوصا ان متابعين يؤكدون استحالة حصول الاستحقاق الرئاسي في ظل الكباش الكبير في المنطقة ولبنان ليس خارجه مطلقاً.
الصورة الرئاسية ستكون مختلفة غداً، وسيبدأ الحراك الجدي، والعيون ستكون متجهة الى حارة حريك والى الدور الذي سيتولاه حزب الله لاقناع حليفه الرئيس نبيه بري بتليين موقفه، علماً ان الاتصالات لم تتوقف ولا تتوقف بين عين التينة وحارة حريك. والمشكلة أن الوقت بات داهماً جداً مع سفر الرئيس نبيه بري الى جنيف وعودته في 28 تشرين الأول، ولا يمكن خلال يومين او ثلاثة اجراء الاتصالات وحل اشكال في هذا المستوى.
ومن هنا يطرح تأجيل الجلسة الى 17 تشرين الثاني لتنقية الاجواء بين بري وعون، وعندئذ يكون التفاهم الوطني شاملا وليس ثنائياً عبر تفاهم جبران باسيل ونادر الحريري. وقد اوحى وزير الصناعة حسين الحاج حسن بإمكانية تأجيل الجلسة رغم ان العماد ميشال عون يرفض ذلك مدعوماً من حلفائه، وتحديداً من الدكتور سمير جعجع. وحسب مصدر في 14 آذار لـ«الديار» فان الدكتور جعجع نصح العماد عون بالنزول الى المجلس وعدم الدخول في استنزاف الوقت و«الارقام في مصلحتك». وهذا ما يؤكد هواجس 8 اذار، من دور الدكتور جعجع في دفع «الجنرال» الى خطوات قد توسع «الهوة» بينه وبين هذه القوى.
وفي المعلومات، ان حزب الله يعتبر وصول العماد عون الى بعبدا «فرصة» لا يجوز تفويتها في ظل الثقة بشخصه وقيادته، ووقوفه الى جانب المقاومة في اصعب الظروف واقساها، بالاضافة الى ادراك حزب الله ان الحملة على عون ليست الا بسبب وقوفه مع المقاومة، واتهامه بالانحياز الى الشيعة من خلال ورقة التفاهم في كنيسة مار ميخائيل.
وفي المعلومات ان سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قد يجمع الرئيس بري والعماد عون في حارة حريك، وقد يلتقي الرئيس بري فور عودته باجتماع ثنائي. ومن الممكن ايضاً ان يلتقي بالعماد عون قبل 31/10/2016 ويشجعه على فتح الخطوط مع الرئيس بري والنائب سليمان فرنجية وحتى مع النائب وليد جنبلاط، والوصول معهم الى تفاهم وطني شامل، خصوصاً ان حزب الله ملتزم بترشيح ودعم العماد ميشال عون الى بعبدا، لكن اتفاق باسيل ونادر الحريري لا يعنيه ولا يلزمه بشيء مطلقاً، وحزب الله لن يشارك بحكومة لا يشارك فيها الرئيس بري، ولا يمكن ان يذهب للانتخابات ورئيس المجلس في صف المعارضة، وربما توصل حزب الله الى حلول. لكن ذلك لا ينفي ولا يلغي الدور الذي يجب ان يؤديه عون في طمأنة الرئيس بري والطائفة الشيعية في ظل سيل من التسريبات عن توافق شبه كامل بين جبران باسيل ونادر الحريري على اسماء الوزراء جميعا وقيادة الجيش والمديرين العامين واعطاء حقيبة سيادية للقوات اللبنانية وحصر التمثيل المسيحي بهما، وان مصدراً نيابياً في تيار المستقبل كشف لـ«الديار»، ان الوزير جبران باسيل سيكون مستشاراً للعماد عون، بصلاحيات كاملة، وايلي الفرزلي لوزارة الخارجية وسليم جريصاتي لوزارة العدل. حتى ان مصادر نيابية تؤكد ان جبران باسيل سيكون «رئيس الظل» وبالتالي لا يمكن ان يكون جبران باسيل ونادر الحريري من يصنعان الرؤساء في لبنان والرئيس بري «مغيب» ويعرف بتفاصيل ما جرى بالواسطة، ومن وسائل الاعلام.
ورغم كل هذه الصورة الضبابية، فان الاجواء في الرابية مغايرة بالمطلق، والعماد عون بات رئيساً للجمهورية في نظر قيادات التيار، وبعضهم بدأ بترتيب اوراقه للانتقال الى بعبدا مع الجنرال، وتوزيع المسؤوليات والمستشارين الذين بدأوا يضعون العناوين  الاساسية لخطاب القسم. وفي المقابل فان الرئيس بري انجز ايضاً خطاب «التهنئة» لرئيس الجمهورية الجديد في جلسة 31/10/2016 بغض النظر عن الاسم، مع تجديد موقفه انه لن يصوت للعماد ميشال عون وسيكون في المعارضة.
اما بالنسبة لاحزاب 8 اذار، وتحديداً حزبي البعث والقومي واللذين اعلنا دعمهما للنائب سليمان فرنجية، فان المعلومات تؤكد انهما لن يخرجا عن موقف حزب الله اذا حسم موعد الجلسة الرئاسية في 31/10/2016، ولن يعرقلا وصول العماد ميشال عون، خصوصاً اذا كان وصوله بات محسوماً، حتى ان قوى في 8 اذار تجزم أن الحديث ما زال ممكنا مع النائب سليمان فرنجية، مع تحميل العماد عون مسؤولية تدهور العلاقة مع بنشعي وكل الامور ليست مقفلة. وتشير الى ان العماد عون تجاوب مع تمنيات حزب الله فلم يقاطع الجلسة التشريعية ووافق على تشريع بنود مالية. واستتبع ذلك بتصريحات لنواب عونيين حمل ايجابيات تجاه الرئيس بري والنائب سليمان فرنجية ووقوف العماد عون على خاطرهما بعد اعلان الحريري للترشيح، حيث سيبدأ عون تحركاً شخصياً باتجاه الجميع ولن يستثني احداً.
هذا في المقلب العوني، اما احوال تيار المستقبل فليست افضل حالا في ظل قرار عدد من النواب، قد يصل الى 5، برفض التصويت للعماد عون، والاقتراع بورقة بيضاء. لكن النائب خالد ضاهر اعلن التصويت لعون، فيما الرئيس فؤاد السنيورة، الذي يقود تحركاً في الظل لعرقلة خيار عون عبر اجتماعات مع الوزير بطرس حرب والنائب مروان حمادة، اعطى وعداً للحريري بعدم الخروج عن موقفه ولن يساهم في اضعافه.
وتبقى الانظار متجهة الى اللواء اشرف ريفي، وماذا سيفعل؟ وكيف سيتحرك وسيواجه قرار سعد الحريري؟ مع اشارات الى أن وزير العدل سيدعو الى تحركات شعبية في مناطق الشمال والبقاع رفضا للقرار ومعتمداً على القاعدة الشعبية لتيار المستقبل الرافضة للقرار. واذا تمكن الوزير ريفي من النجاح في اعتراضاته الشعبية عبر المشاركة الكثيفة، فسيشكل ذلك مأزقاً حقيقياً للرئيس الحريري على ابواب الانتخابات النيابية، خصوصاً انه لا يمكن للمستقبل «القفز» او «تجاوز» حالة الوزير ريفي الشعبية في الشمال والبقاع وصيدا.
الايام المقبلة ستوضح الصورة الضبابية، وستنقشع الامور، لكن الاستحقاق الرئاسي دخل للمرة الاولى منذ الفراغ الرئاسي مرحلة جديدة وجدية بغض النظر اذا كان سيحصل الانتخاب في اواخر الشهر او يتأجل لأسابيع، وربما التأجيل يجر التأجيل ويتكرر السيناريو الحالي.

 

الجمهورية :

إذا ما صَدقت الوعود، فاليوم الخميس الواقع فيه 20 تشرين الأوّل 2016، هو يوم الحسم، تنطوي فيه آخر صفحات الترشيح، وينطق الرئيس سعد الحريري بـ»الجملة السحرية»، ويعلن تأييده رسمياً ترشيح رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون للرئاسة. وعلى رغم الأجواء السائدة، إلّا أنّ هذا الإعلان قد يكون محفوفاً باحتمال التأجيل، خصوصاً وأنّ هناك اتّصالات ناشطة إقليمياً ودولياً يمكن أن تتمخّض عن خيار قد لا يكون في مصلحة هذا الإعلان وقد يضطرّ الحريري إمّا إلى التأجيل وإمّا إلى الانسحاب منه، رامياً كرةَ التعطيل في الملعب الآخر. وتفيد معلومات ديبلوماسية أنّ الإدارة الأميركية لا تبدي أيّ حماسة لِما يجري على الخط الرئاسي اللبناني، وأكّد مسؤولون أميركيون حينما سُئلوا عن لبنان، أنّ ملفّه مؤجّل حتى شباط المقبل، ولدى الإدارة ما هو أهمّ، وأنّ جلَّ اهتمامِها اللبناني ينحصر فقط في ضرورة الحفاط على الاستقرار الأمني وتالياً المالي، المحفوف بالمخاطر.

إذاً اليوم، يفترض أن تثبّت الصورة على مشهد جديد، وفي وسطِها عون على وشك الدخول إلى القصر الجمهوري، ولكن إلى أن يحين موعد تثبيت هذه الصورة بعد الظهر، تبقى الأنظار على «بيت الوسط»، وأعصاب الرابية مشدودة في انتظار أحرّ من الجمر، إلى أن يَعبر الحريري الشِبر الأخير من مسار الترشيح، ويعلن رسمياً ما وَعد به.

ممّا لا شكّ فيه أنّ هذا الترشيح، الذي سيكون فيه عون حاضراً شخصياً إلى جانب الحريري، سيَفتح البلد على مرحلة جديدة ليس في الإمكان تحديد معالمها، لِما يكتنفها من ضبابية وغموض.

قد يَشي ظاهر الأمور بأنّ هذا الترشيح يضع عون فعلياً على سكّة الرئاسة، وجلسة الانتخاب في 31 تشرين الاوّل هي المحطة التي ستقِلّه الى بعبدا، على اعتبارها جلسة جدّية وفاصلة وإمكانية تعطيلها واردة إنّما هي صعبة، بحسب أجواء فريق الترشيح.

لكنّ الأجواء السائدة حول استحقاق الترشيح، تشي بدورها بإمكان دخول البلد في مرحلة من الأخذ والرد السياسي، قد يقصر أمدها أو يطول تبعاً لليونة أو صعوبة الجبهات السياسية، وكذلك لحجم العقبات التي تعترض طريقَ عون حتى الآن.

وفي موازاة انتظار عون للحظة إعلان الحريري ترشيحَه رسمياً اليوم، كان الأخير يستكمل الفصلَ الديبلوماسي من مشاوراته قبل الإعلان، فالتقى سفراء: أميركا إليزابيت ريتشارد، وروسيا ألكسندر زاسبكين، ومصر نزيه النجاري.

وإذ أكّدت مصادر «المستقبل» أنّ الحريري سمعَ كلاماً مطَمئناً ومرحّباً لا بل مباركاً لتوجّهِه نحو إنهاء أزمة الفراغ، قالت مصادر أخرى لـ«الجمهورية» إنّ ريتشارد أبلغَت إلى الحريري أنّها لا تؤيّد ترشيح عون.

وكان الحريري قد تَواصَل مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، والتقى رئيسَ حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الذي أكّد انفتاح الحزب على كلّ نقاش، لكنّه في المقابل ما زال حتى الآن على موقفه من الترشيحات.

بري: لن أقاطع

رئيس مجلس النواب نبيه بري حسَم موقفَه علناً بأنّه لن يصوّت لعون، مؤكّداً أنّه سيحضر هو وكتلته جلسة الانتخاب، ولن يقاطع، بل سيهنّئ من يفوز وسيُعدّ خطاباً للتهنئة.

قال بري كلمتَه وسكتَ، وهذا ما حرّك قراءات متباينة لموقفه، بين قراءة مِن فريق الترشيح، تُدرج موقفَ بري هذا في خانة التراجع أمام المساحة السياسية المؤيّدة لترشيح عون، وبالتالي التسليم باللعبة، وبين قراءة في المقلب الآخر تعتبر أنّ بري ذهب إلى الحدّ الأعلى في اعتراضه، وما قاله عن انتقاله إلى المعارضة، رسالة بمضمون يعبّر عن أزمة سياسية كبيرة، ويرسم صورة مسبَقة لعهدٍ أعرج قبل انطلاقه. ومن هنا يبقى إصراره على التفاهمات المسبَقة الشاملة وليس التفاهمات الثنائية بين هذا الطرف أو ذاك بمعزل عن الآخرين.

«حزب الله»

«حزب الله» صامت، ويبدو أنّ صمته في هذه الفترة أبلغُ من الكلام، لكن الأكيد أنّ للحزب كلمة يقولها قبل 31 تشرين، وبعد أن يتيقّنَ من صدق التوجّه نحو ترشيح عون، وربّما عبر إطلالة لأمينه العام السيّد حسن نصرالله.

والمطّلعون على موقف الحزب يعكسون أجواءَ تفيد بأنّ دعوته الأخيرة إلى التفاهمات بين القوى السياسية ما زالت سارية المفعول، ويرجّح أن يتمّ التأكيد عليها مجدداً في الكلام المنتظر من الحزب.

معنى ذلك أنّه يَرغب في إعطاء فسحة زمنية لـ»وساطة خير» يتردّد أنّه سيتولّاها ما بين الرابية وعين التينة، وكذلك لإجراء التواصل المطلوب بين حليفيه بري وعون لبَلورة قواسم مشتركة.

إلّا أنّ الأجواء السائدة لا توحي بأنّ مهمة الحزب ستكون سهلة، خاصة وأنّ كلام بري عن عدم تصويته لعون، فُسِّر في بعض الأوساط القريبة من الرابية على أنّه قطعٌ مسبَق لطريق أيّ لقاء محتمل بينه وبين عون.

واللافت في هذا السياق، أنّ هذا التفاهم، أو هذه التفاهمات، يؤكّد عليها النائب وليد جنبلاط أيضاً، وكما تؤكّد أوساطه أنّ الحوار هو السبيل الأساس الذي ينبغي سلوكه في هذه المرحلة، مع تأكيده على موقعية بري وأدواره التي ليس في الإمكان تجاوزها.

مصدر وزاري

بالتأكيد، ما بعد الإعلان، هو غير ما بعده، أولوية فريق الترشيح جعلُ جلسة 31 تشرين حاسمة. وقال مصدر وزاري عامل على الخط الرئاسي لـ«الجمهورية» إنّ إعلان الحريري ترشيحَ عون يفترض أن يفتح البلد على إيجابيات، ويجب أن نفرح، إذا اتّبَعنا ذلك بالانتخاب، بأنّنا أثبتنا للعالم كلّه أنّنا نستطيع أن نتولّى شأننا ونستطيع أن نسَيّر أنفسنا بأنفسنا بمعزل عن أي إرادة خارجية.

وبالتأكيد الظرف لا يحتمل تضييعَ الوقت، من الطبيعي أن تعقبَ الترشيح اتصالات في كلّ الاتجاهات، ونأمل أن يساعدنا الوقت في تجاوزِ العقبات التي يفترض ألّا تكون صعبة. لكن يجب ألّا نفوّت الفرصة في 31 تشرين، والواضح أنّ خريطة المجلس واضحة جداً، فالأكثرية النيابية تؤيّد عون في مقابل أقلية تعارضه. في النهاية يجب أن نجري الانتخابات في موعدها، ولنحتكِم إلى اللعبة الديموقراطية.

إلّا أنّ لهذا الكلام ما يقابله في ضفّة المعترضين على عون، حيث يؤكّد هؤلاء أنّ النصاب العددي للانتخاب، على أهمّيته، لا يكفي في بلد كلبنان محكومٍ بالتوازن لانتخاب رئيس، إذ لا بدّ من اكتمال النصاب السياسي الذي لم يتأمّن بعد، وإذا كانت الانتخابات ستتمّ على قاعدة «رئيس صنِع في لبنان»، فهذه الصناعة لا تتمّ من أطراف بمعزل عن أطراف آخرين، بل يجب أن يشارك فيها كلّ الأطراف الأساسيين، وبهذه الحالة فقط يكتمل النصاب السياسي.

فرنجية... الأخلاق

إلى ذلك، كانت لافتةً تغريدة رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية في توقيتها عشية الإعلان، ومضمونها الذي يضرب به أكثرَ مِن عصفور، وقال فيها: «بين قلّة الأخلاق وكترة الأخلاق رح يروح البلد!. اقسموها بالنص يا شباب.»

وقال عضو كتلة «المردة» النائب سليم كرم لـ«الجمهورية»: لا أرى شيئاً واضحاً بعد، فالتردّد الحاصل يدفعنا إلى التشكيك بأن يقدم الرئيس الحريري على خطوته، فالعماد عون يشترط انسحابَ النائب فرنجية قبل الذهاب إلى المجلس، إضافةً إلى شروط أخرى. فلماذا لا نبَسّط الأمور ونذهب جميعاً إلى المجلس ونجري انتخابات ديموقراطية ومن يربح «صحتين على قلبو».

سعَيد

وقال منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ»الجمهورية» إنّ 14 آذار تريد استقرار البلد وإنقاذ الجمهورية وبناءَ دولة، ولا ترى في وصول رئيس بشروط فريق من اللبنانيين إمكانيةً للوصول إلى الاستقرار أو بناء الدولة.

لا بل على العكس، فإنّ انتخاب عون سيضيف على التعقيدات الموجودة تعقيداً إضافياً، وسيعبّر الناس بطرق مختلفة عن عدم ارتياحهم، أي سيكون هناك تعبير مذهبي، سياسي، مطلبي ووطني، لأنّ عون رئيس مطابق لمواصفات «حزب الله» وليس لمواصفات أيّ فريق آخر.

«القوات» تدّعي بأنّها أبرَمت معه اتّفاقاً في 18 كانون وكأنه يأتي بمواصفاتها، كما يدّعي الرئيس الحريري بأنّ التفاهمات القائمة بينه وبين عون هي تفاهمات مقدّسة، بينما ما ندركه ونلمسه هو بأنّ الاتفاق الوحيد المبرَم والذي سينفَّذ عندما سينتخَب رئيساً هو الاتفاق مع «حزب الله»، وليس الاتفاق مع أيّ طرف آخر.

وأبدى سعيد اعتقاده بأنّ انتخاب عون «كان يمكن أن يكون أقوى بكثير لو أتى مرشّح كلّ الرأي العام اللبناني، إنّما يبدو أنّه مشروع غلبَة على اللبنانيين، إذ إنّ «حزب الله» سيعلن وفور انتخابه ـ وهو على حق ـ الانتصارَ السياسي الكامل والساحق في لبنان».

وذكّر سعيد بأنّ شعب 14 آذار حقّق إنجازات هائلة، من بينها خروج الجيش السوري من لبنان، إقامة علاقات ديبلوماسية مع سوريا، إنجاز الانتخابات في 2005 في مواعيدها، تأليف حكومات الوحدة الوطنية، قرارات الشرعية الدولية ومنها المحكمة الدولية والقرار 1701 والقرار 1680، والارتقاء باتجاه المصالحة الوطنية.

وحذّر سعيد من أنّ «انتخاب شخصية مِثل عون بشروط «حزب الله» يهدّد كلَّ هذه الإنجازات ويعود بنا إلى الوراء، إلى ما قبل حقبة الـ 2005 لكن هذه المرّة تحت وصاية إيرانية بدل الوصاية السورية».

 

 

اللواء :

يطوي الرئيس سعد الحريري عند الخامسة من بعد ظهر اليوم، في خطوة تشكّل عنصر تحول على صعيد إنهاء الشغور الرئاسي، بتبني دعم النائب ميشال عون للرئاسة الأولى، صفحة كانت مدار أخذ ورد، على مدى الأشهر الأخيرة، وسط غموض حول مآل الخطوة، وما سيترتب عليها، حيث يرمي الكرة في ملعب الآخرين ليفتح الباب على مصراعيه امام مخاضات الرئاسة وخلط الأوراق، واعادة رسم لوحة جديدة للتحالفات والخيارات.
ومع هذه الخطوة الحريرية المنتظرة، تتوقع المصادر السياسية مشهداً متبدلاً بدأت معالمه تظهر عبر المواقف الآتية:
1- مجاهرة الرئيس نبيه برّي بخياراته التي تتلخص بعدم التصويت للنائب عون وعدم ترشيح الرئيس الحريري للرئاسة الثالثة.
وهذا الكلام الذي جاهر به الرئيس برّي من على منبر جلسة تشريع الضرورة التي ترأسها في مجلس النواب، قبل سفره في غضون الساعات المقبلة إلى جنيف للمشاركة في مؤتمر للبرلمان الدولي، كانت اشارت إليه «اللواء» في عددها أمس.
2- خروج النائب سليمان فرنجية بتغريدة يبدو من خلالها ان علاقته مع «بيت الوسط» وصلت إلى اسفل الدرك، وانه يتوقع ان «يروح البلد بين قلة الأخلاق وكثرة الاخلاق».
3- استدراك وزير الداخلية نهاد المشنوق مخاطر تردي العلاقة بين عين التينة و«بيت الوسط»، فأعلن انه «مهما اختلفنا في الرئاسة فلن نطلع من الرئيس بري»، مستبقاً الذهاب إلى عين التينة اليوم للمشاركة في جلسة جديدة من الحوار الثنائي بين تيّار «المستقبل» و«حزب الله».
4- محاولة الرابية تهدئة الموقف مع الرئيس برّي من خلال عدم تصديقها ان يحرم رئيس حركة المحرومين لبنان من فرصة الرئيس الميثاقي، أو ان ينسب إليه كلام من التجريح وعن الحرب الأهلية، وهو المشهود له بادوار التهدئة والحوار والتقريب بين اللبنانيين.
الا ان زوّار عين التينة نقلوا مواقف قاطعة عن رئيس المجلس ومواقفه المعلنة من الاستحقاق الرئاسي قاطعة ونهائية، وذهابه إلى المعارضة أحد الخيارات الجدية، وأن لا الزيارات ولا اللقاءات ستغير من خارطة الطريق التي رسمها لنفسه، وشرطها الأوّل العودة إلى طاولة الحوار، والتفاهم على مجريات الرئاسة الأولى والثالثة والحقائب وقانون الانتخاب وكيفية إدارة الدولة.
5- وبالنسبة إلى العلاقة مع «حزب الله» فإن الترقب هو سيّد الموقف، في ظل افتراق في الموقف الرئاسي، فحزب الله على دعمه للنائب عون، وستصوت كتلة الوفاء للمقاومة له، وكتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها الرئيس برّي لن تصوت لمصلحته ما لم تحصل تسوية تسبق جلسة الانتخاب.
وإذا كان «حزب الله» يمضي في صمته، بانتظار كلمة أمينه العام السيّد حسن نصر الله في أسبوع القيادي في الحزب حاتم حمادة الذي سقط في حلب، فإن مواقع التواصل الاجتماعي أطلقت دعماً لتوجه برّي نحو المعارضة، فيما وزّع أنصاره صورة له عابساً مزيلة بعبارة: «معارضة لعيونك».
وفيما سادت ليلاً معلومات لم يتسنى لـ«اللواء» التثبت منها، من ان «حزب الله» أبلغ عون انه لن يُشارك في أي جلسة انتخابات يغيب عنها الرئيس برّي، لم تسقط أصوات مطلعة علىاجواء الحزب ان تكون المحطة اللاحقة بعد «بيت الوسط» في حركة اتصالات المرشح الرئاسي عون باتجاه عين التينة كخطوة أولى، والبحث عن صيغة تعيد رسم صورة جامعة تسمح باحتواء الخلافات البارزة، وتأمين بداية هادئة ومجمع عليها للعهد الجديد.
«بيت الوسط»
وكشفت مصادر «بيت الوسط» ان الرئيس الحريري سيعلن تبنيه ترشيح العماد عون، في كلمة سيوجهها عند الخامسة من عصر اليوم، في حضور عدد من نواب كتلة «المستقبل» الذين تردّد انهم تلقوا دعوات بهذا الخصوص، الا ان نواباً من الذين تسنى لـ«اللواء» الاتصال بهم نفوا ذلك، وقالوا انهم حتى ولو تسلموا دعوات فلن يحضروا إلى «بيت الوسط»، مما يؤشر إلى وجود مقاطعة نيابية للاعلان والتصويت لمصلحة عون.
وأكدت المصادر ان العماد عون لن يكون حاضراً أثناء تلاوة الرئيس الحريري بيانه، لكنها رجحت ان يحضر بعد ذلك، مشيرة إلى ان بيان الحريري سيكون مفصلاً وسهباً في شرح المبررات التي دفعته إلى القبول بخيار عون. وأنه ستكون له بعد هذه الخطوة جولة خارجية قد تقوده إلى مصر من دون أن تكون واشنطن من ضمنها.
وأوضحت أن الرئيس الحريري حرص أثناء لقاءاته مع زواره أمس، وفي طليعتهم رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميّل وسفراء كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ومصر على وضعهم في أجواء القرار الذي اتخذه بتأييد ترشيح عون وأسباب ذلك بما فيها ضرورة إنهاء استمرار الشغور الرئاسي ومخاطر استمراره على البلد، إلا أنه لم يحاول إقناعهم بهذا الخيار، انطلاقاً من اقتناعه بوجوب عدم التدخل في مصالح الدول ومواقف الآخرين، وأنه يفعل ما يمليه عليه ضميره ومصلحة البلد رغم مرارة الخيار وصعوبته لدى الجمهور العريض لتيار «المستقبل».
وذكر في هذا الصدد أن موقف السفيرة الأميركية إليزابيت ريتشارد لم يكن إيجابياً من خطوة الرئيس الحريري بخلاف موقف السفير الروسي ونقل عن لسانها كلام سلبي في هذا السياق، دفع رئيس حزب «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهّاب إلى أن يغرّد مساءً عبر «تويتر» قائلاً: «نتمنى لو تهتم السفيرة الأميركية بانتخاباتها وتعفينا من نصائحها البالية والسخيفة».
بوانتاج نيابي
وعليه، نسبت وكالة «فرانس برس» لمسؤول سياسي كبير قوله: «بما أن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري قرّر التصويت له، وإذا لم يحدث أي تغيير في اللحظات الأخيرة، فإن ميشال عون سينتخب رئيساً في 31 تشرين أول، وهو موعد الجلسة رقم 46 التي بدأ عدادها يعمل منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 25 أيار 2014.
ووفقاً للدستور فإن النصاب الانتخابي يجب أن يكون ثلثي أعضاء المجلس، أما الانتخاب فهو في الجلسة الأولى للثلثين، وفي الثانية للأكثرية المطلقة أي النصف زائد واحد.
وقال مصدر نيابي أن من شأن تصويت كتلة الحريري لعون (81 عاماً) أن يضمن له الحصول على أكثر من 65 صوتاً، إذ تبلغ أصوات كتلة المستقبل 33 نائباً وحزب الله 13 و«القوات اللبنانية» 8 والتيار الوطني الحر 20 نائباً، عدا عن بعض أصوات المستقلين، لكن مصدراً نيابياً آخر، استبعد حصول عون على 86 نائباً في الدورة الأولى، في ظل امتناع كتلة الرئيس برّي ونواب فرنجية وحزبي القومي والبعث فضلاً عن الكتائب عن التصويت له وتوزع أصوات كتلة النائب وليد جبنلاط.
تشريع الضرورة
وعلى وقع هذه الأجواء الرئاسية، عاد مجلس النواب بعد عام تقريباً بالتمام والكمال من الانتظار إلى التشريع تحت نفس العنوان السابق، أي تشريع الضرورة، مستفيداً من الأجواء الرئاسية، لا سيما توافق الكتل المسيحية على الدخول في تشريع مالي يرتبط بضرورات دولية لعدم وضع لبنان على اللائحة السوداء، بعدما كان أعطي مهلة لا تتجاوز الرابع من تشرين الثاني، بحسب ما أبلغ الرئيس برّي النواب من أجواء اجتماعه قبل أيام بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف.
وهكذا نجح الرئيس برّي في تمرير جميع البنود المالية المطلوب التصديق عليها، بعدما أمّن ميثاقية الجلسة بحضور نواب كتلتي «الاصلاح والتغيير» و«القوات اللبنانية» وغياب نواب الكتائب الخمسة الذين يرفضون التشريع بالمطلق في غياب رئيس الجمهورية، في حين بقي مصير قانون الانتخاب، الذي أُدرج في نهاية جدول الأعمال من خلال اقتراحين مقدمين من النائبين أنطوان زهرا وعاصم قانصوه معلّقاً، حيث طيّرت لعبة النصاب هذا القانون إلى أجل غير مسمّى، في نهاية الجلسة المسائية والتي كانت مليئة بالمشاريع والاقتراحات المالية.
وكان المجلس في جلستين صباحية ومسائية اقر بنودا عادية منها ما يتعلق بابرام اتفاقات مع حكومات دول اخرى لها طابع اقتصادي وتجاري، وما يتعلق بتعديلات على قانون الدفاع الوطني في بند الطبابة العسكرية للجيش وقوى الامن الداخلي. وأدخلت تعديلات على قانون السير الجديد المتعلق باللوحات المميزة، وتعديلات على البند ا<