جدال  سياسي متوتر , وإنقسامات جديدة وتحالفات جديدة  هل يصل عون المصافح للعدو إلى بعبدا بدعم المقاومة

 

السفير :

حسمها الرئيس سعد الحريري.. وأبلغ كتلته النيابية أنه سيرشّح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، الأمر الذي أثار امتعاض العديد من الحاضرين، وفي طليعتهم الرئيس فؤاد السنيورة. إلا أن الحريري لم يعد بوارد التراجع أو المراجعة، على قاعدة أن رفضه لعون سيعني الانتحار من الطابق العاشر حيث لا فرصة للنجاة، في حين أن تبنّيه لترشيح الجنرال سيكون كالقفز من الطابق الرابع، وفي هذه الحالة فإن إمكانية النجاة السياسية تبقى واردة، ولو مع بعض الكسور والرضوض، وفق توصيف أحد السياسيين المواكبين للحراك الرئاسي.
وفيما توقع البعض أن يبادر الحريري اليوم الى الإعلان عن قراره بعدما مهّد له بلقاءات مكثّفة في بيت الوسط توّجها ليلاً باستقبال الوزير جبران باسيل، استبعدت مصادر أخرى ذلك مرجّحة أن يتم الإعلان غداً الخميس أو في موعد لاحق، لافتة الانتباه الى أن الأربعاء تصادف ذكرى اغتيال اللواء وسام الحسن، وبالتالي فإن رئيس «المستقبل» قد يفضّل تجنّب المجاهرة بقراره في هذا التوقيت.
الحريري: لست سعيداً
وقد شرح الحريري خلال اجتماع الكتلة أمس بإسهاب الأسباب الموجبة التي دفعته الى دعم ترشيح عون، معتبراً أنه القرار الصحيح قياساً الى التوقيت والظروف. وقدّم الحريري مقاربة شاملة للأوضاع الإقليمية المتفجّرة ومخاطرها على الواقع اللبناني. وتوقف عند تداعيات الشغور الرئاسي الذي لم يعد يُحتمل، لافتاً الانتباه الى أنه جرّب كل الخيارات الممكنة لمعالجة هذا الشغور وانتخاب الرئيس، إلا أنها لم تلق التجاوب المطلوب، ولذلك كان عليَّ أن اتخذ قراراً جريئاً للخروج من المأزق لأننا وصلنا الى مرحلة فائقة الخطورة.
وأبلغ الحريري بعض زواره أنه ليس سعيداً بخيار دعم عون لكنه قرار اضطراري لاستنقاذ ما أمكن قبل فوات الأوان، منبّهاً الى أن البلد ذاهب نحو الخراب ما لم نتدارك الانحدار. واعتبر الحريري أن «حزب الله» هو الذي عرقل الخيار الآخر وبالتالي أوصلني الى انتخاب عون.

ومع حسم الحريري لخياره الرئاسي، سارع المعترضون الى إعلان حالة الاستنفار القصوى واستدعاء «الاحتياط السياسي» الى الخدمة، فعاجل النائب وليد جنبلاط «المحتفلين» بتغريدة شديدة اللهجة رفض فيها «أن يتمّ التعاطي معنا كالغنم»، وداعياً الى أخذ رأي «اللقاء الديموقراطي» بالحسبان، ثم أضاف تغريدة أخرى تفيد بأن الفرج بات قريباً.
وبالتزامن مع هذه «الصلية» الجنبلاطية العابرة للعالم الافتراضي، تحركت «قوة التدخل السريع» في اتجاه عين التينة، وهي ضمّت كلا من تيمور جنبلاط والوزيرين أكرم شهيب ووائل ابو فاعور والنائب غازي العريضي، علماً أن أبو فاعور زار الحريري أيضاً.
«المصيبة» تجمع
وبدا واضحاً أن اللقاء بين بري ووفد «التقدمي الاشتراكي» يهدف الى تنسيق المواجهة السياسية لثنائية عون ـ الحريري، وما يمكن أن تفرزه من أمر واقع، وصولاً الى تحسين شروط التفاوض، لاسيما أن الكواليس تضج بالأخبار عن اتفاق متكامل وضعه جبران باسيل ونادر الحريري، ويغطّي الكثير من جوانب العهد الرئاسي الجديد.
وأكدت مصادر قيادية في «التقدمي» لـ «السفير» أن بري هو بالنسبة الى جنبلاط حليف استراتيجي في السرّاء والضرّاء لا يُستغنى عنه، مشيرة الى أن هناك تحسساً مشتركاً من الجانبين لـ «الصفقة الرئاسية» الثنائية التي يراد لها ان تتم على حساب أطراف اساسية. واستغربت المصادر استبعاد رئيس المجلس وزعيم المختارة عن مفاوضات التسوية التي يحكى عنها، «أما القول بانه سيجري الكلام معنا بعد دعم الحريري رسميا انتخاب عون، فهو طرح مرفوض، إذ ليس مقبولا التصرف معنا على قاعدة الاكتفاء بإبلاغنا بما اتفق عليه الآخرون وكأننا مجرد متلقين لا شركاء».
لكن جنبلاط قد لا يستطيع ان يستمر في خوض المعركة على إيقاع بري الذي يبدو مستعداً للذهاب فيها حتى النهاية، إذا اقتضى الأمر، في حين ان حسابات جنبلاط الجبلية والمحكومة بالتوازنات الدرزية ـ المسيحية ـ السنية، ربما تدفعه في لحظة الحقيقة الى مسايرة عون والتصويت له، «مكره أخاك لا بطل».
اشتباك «ثنائي»
أما بري، فلا يبدو أنه بوارد المهادنة وهو المتخصص بالانتفاضات، ومن تسنى له رصد «مزاجه» خلال الساعات الأخيرة لمس ان كل أبواب عين التينة ونوافذها مقفلة بإحكام امام ترشيح الجنرال، وهذا ما عكسه بصراحة الوزير علي حسن خليل الذي أكد ان كتلة بري ستصوت ضد الجنرال وأن رئيس المجلس سينتقل الى المعارضة.
لم تتأخر الرابية في الردّ على «حركة أمل»، خصوصاً ان تسريبات المصادر كانت قد تسببت في احتقان برتقالي، سرعان ما ترجمه بيان تكتل «التغيير والإصلاح» بعد اجتماعه برئاسة عون، معتبراً «أن أي كلام عن الثنائية المسيحية ـ السنية هو كلام غير مسؤول وغير مقبول»، مشيراً الى أنه «يصب في فتنة نأمل ألا تكون مقصودة وسنتصدى لها».
وأكد التكتل رفض الابتزاز والتهديد بحرب أهلية، «ومن يرغب في تأييدنا فليؤيدنا ومن لا يرغب فليعارضنا من دون محاكمة نيات وإيكال التهم جزافاً».
ولاحقا، أوضحت أوساط بري لـ «السفير» ان الكلام المنسوب الى مصادر بري هو مختلق، وليس صادرا عن رئيس المجلس او مصادره، مشددة على ان موقف بري واضح وقوامه انه لا يقاطع جلسات انتخاب الرئيس وأنه سيهنئ من يفوز.
كما ان خليل أوضح انه لم يتحدث عن ثنائية مسيحية ـ سنية ولم يستخدم هذه التسمية على الإطلاق، لافتاً إلى أن ما انتقده هو «الثنائيات السياسية».
«انتفاضة» بري
ولئن كان البعض يراهن على تدخل «حزب الله» لدى بري لإقناعه بتليين موقفه، بعد إعلان الحريري عن دعم عون، إلا ان محاولات جس النبض التي قام بها الحزب لم تؤشّر الى ان هناك إمكانية للتأثير على قرار رئيس المجلس.
ووفق المطلعين، فإن بري أبلغ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، عبر أحد قياديي الحزب، رسالة واضحة مفادها انه ليس واردا لديه انتخاب الجنرال، ومثل هذا الاحتمال هو خارج إطار النقاش والبحث.
وعلى وقع زيارة الوزير خليل الى بيت الوسط أمس، نُقل عن بري قوله: سأرى بعدما أنتقل الى صفوف المعارضة، كيف سيشكل الحريري حكومته من دون التوافق مع البيت الشيعي..
بهذا المعنى، يوحي بري بأن سلّة التفاهمات الوطنية التي اقترحها كانت ستسمح بإنجاز تسوية شاملة بكلفة مقبولة على اساس «سعر الجملة»، أما وأن هذه السلة رُفضت، فان مضمونها بات سيُناقش بـ «المفرق» وعلى «القطعة»، الامر الذي يعني ارتفاع «السعر السياسي» لكل بند من بنودها.
في المقابل، اعتبرت أوساط في «المستقبل» ان هناك ضرورة ملحّة للتفاهم مع بري وتفهّم مطالبه، «لأن دوره حيوي ليس فقط من أجل إنجاز انتخابات الرئاسة وإنما لترتيب مرحلة ما بعدها».
عون.. والأقطاب

أين عون من كل هذا المخاض؟
بينما تسود اجواء احتفالية في صفوف قياديي «التيار الحر» وقواعده، مع صعود «الدخان البرتقالي» من بيت الوسط، يؤكد المطلعون على ما يدور في كواليس الرابية، أن الجنرال سيبادر فور إعلان الحريري عن تأييده، الى طلب مواعيد عاجلة لزيارة الأقطاب ومن بينهم بري وجنبلاط، وربما فرنجية أيضاً، بغية مناقشة الهواجس التي تسكن المعترضين على انتخابه، والسعي الى إزالتها او تقليصها.
وإذا كان موقف بري يشكّل أحد تحديات «الماراتون» الذي يخوضه عون على طريق بعبدا، فإن هناك من يلفت الانتباه الى ان «عقدة» فرنجية لا تقل استعصاء، إذ ان رئيس «المردة» ليس بصدد سحب ترشيحه، و «حزب الله» الذي حجب عنه الدعم، التزاما بترشيحه المسبق للجنرال، لن «يزيدها» عليه الى حد ان يطلب منه الانسحاب.
وفي هذه الحال، ترجح بعض الاوساط السياسية ألا ينزل عون الى جلسة الانتخاب ما لم يسحب فرنجية ترشيحه، وذلك خشية من ان يحصل «تسرب» للاصوات في اللحظة الاخيرة في الاتجاه المعاكس، على حساب الجنرال، فيما تتوقع أوساط أخرى ان يتجاوز عون هذا الاعتبار استنادا الى بوانتاج دقيق للأصوات، يُبين حتمية فوزه بالرئاسة، بعدما يعلن الحريري عن دعمه.
وأكدت مصادر المردة لـ «السفير» ان فرنجية مستمر في ترشيحه، ولو فقد تأييد الحريري، لاسيما ان هناك قوى وازنة لا تزال تدعمه.
وكان الحريري قد التقى أمس، كلا من الوزير روني عريجي والوزير السابق يوسف سعادة وأطلعهما على نيته دعم ترشيح عون، والاسباب التي دفعته الى اتخاذ هذا الخيار.

 

النهار :

هل حقاً اقترب الشغور الرئاسي من خواتيمه؟ وهل قضي الأمر بعودة العماد ميشال عون الى قصر بعبدا بعد 26 سنة من مغادرته إياه تحت وابل من القذائف السورية؟ وهل يتخلّى "حزب الله" عن حليفه الرئيس نبيه بري الذي يستعد للتحوّل الى المعارضة؟ وهل يتجاوز الحزب "سلة" التفاهمات التي تحدد مسار رئيسي الجمهورية والحكومة وتأسرهما؟ تساؤلات كثيرة طفت على سطح الاستحقاق أمس وسط تسارع مفاجئ للتطورات والأحداث التي أفضت الى ان المسار الرئاسي سلك طريقه.
النائب غازي العريضي اختصر الوضع بعد خروجه ووفد الحزب التقدمي الاشتراكي من عين التينة بقوله: "لا شيء نهائياً بعد في الملف الرئاسي"، ربما في انتظار اعلان الرئيس سعد الحريري دعمه ترشيح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية والمتوقع غداً استناداً إلى مصادر متابعة لدى الطرفين المعنيين واللذين رأى المعاون السياسي للرئيس بري الوزير علي حسن خليل أنهما يستعيدان "ميثاق 1943 والثنائية المارونية السنية، وهذا ما لن نرضى به" (وهو الكلام الذي نفى بعض تفاصيله لاحقاً). وقد أرجئ الاعلان الى غد لتزامن اليوم مع ذكرى اغتيال اللواء وسام الحسن.
والمشهد السياسي الذي بدا غير مسبوق في حيويته، استعاد أيضاً زمن الحرب، والانقسامات، والفحيح المذهبي الذي اعتبر ان ثمة محاولة لإقصاء المكوّن الشيعي عن تركيبة الحكم، والاتفاق على تقاسم المغانم من دونه. وتجلّى الارتباك في كل الساحات الأخرى، المسيحية التي تعتبر عدم وصول عون إقصاء لها والغاء لدورها الذي بدأ مع الوصاية السورية وهو يستمر في اشكال مختلفة، يقابله توجس الكتائب والاحرار والمستقلين من عون وابتعاد النائب سليمان فرنجية عن حلفائه، فيما تعاني الساحة السنية اضطراباً كبيراً في ظل عدم تقبل محازبي "تيار المستقبل" وأنصاره خيار رئيسهم الرئاسي، والتحدي الذي بات يمثله الخط الذي ينتهجه الوزير أشرف ريفي، والذي لاقاه أيضاً موقف رافض للرئيس نجيب ميقاتي.
واذا كان الرئيس الحريري سعى الى اقناع أعضاء كتلة "المستقبل" بخياره، فإنه جبه باعتراضات لم ترق الى حد التصدي له، منها موقف للرئيس فؤاد السنيورة رفض تلبية "تمني" عون أن يتم الاعلان عن دعمه في حضور أعضاء الكتلة. وقد تلقى الحريري موقفين متشددين، الاول من الرئيس بري نقله اليه الوزير خليل وفيه انه ماض في خيار دعم النائب فرنجية وان زيارة بروتوكولية من عون لن تنفع، مؤكداً ضرورة التزام "السلة"، والثاني من رئيس "تيار المردة" نقله اليه الوزير روني عريجي والوزير السابق يوسف سعاده وفيه أيضاً تأكيد ان فرنجية لن ينسحب من السباق الرئاسي. لكن الحريري رد عليهما بانه انتظر سنة لم يأت خلالها فرنجية بأي حراك، وخصوصاً في اتجاه حلفائه، وانه لا يمكنه الانتظار الى ما لا نهاية.
وشهدت أيضاً حركة اللقاءات زيارة للوزير جبران باسيل لـ"بيت الوسط"، وايفاد النائب وليد جنبلاط نجله تيمور والوزيرين وائل ابو فاعور واكرم شهيب والنائب العريضي الى عين التينة، وأوفد العماد عون النائب ابرهيم كنعان الى معراب.

 

"حزب الله" والمشاورات الجدية
في هذه الأجواء، بات حليف العماد عون "حزب الله" في موقع لا يحسد عليه بعد الموقف الحاسم لحليفه الاستراتيجي الرئيس بري. وأكدت أوساط "حزب الله" لـ"النهار" ان "الموقف بعد اعلان الحريري ليس كما قبله وان مروحة مشاورات واسعة ستنطلق بعد التحول السياسي اللافت وان الاتصالات ستشمل أطرافاً عدة".
وعن الطريقة الفضلى للوقوف على خاطر بري قالت إن "للرئيس بري رأيه في الاستحقاق الرئاسي وهذا رأي نحترمه ولكن الامور في لبنان لم تصل يوماً الى حد كسر فريق لآخر أياً كانت الدوافع، والامر لا يسري حتى على الخصوم السياسيين فكيف يمكن الحزب ان يقبله على حليف استراتيجي. وسبق للسيد حسن نصر الله في بنت جبيل في 13 آب الماضي ان كرر ان مرشحنا كان وسيظل الرئيس بري لرئاسة مجلس النواب وان لا مجال للعب على هذا الوتر من قبل أي كان".
وفي اتصال لـ"النهار" بالرئيس بري قال: "كل الكلام والاخبار الذي تردد عن ان حركة أمل وكتلة التحرير والتنمية تحدثتا عن ثنائية مسيحية سنية او صيغة 1943 لا أساس له من الصحة. هذا الكلام من باب الدس وانفيه نفيا قاطعاً". وأضاف: "لن نقاطع جلسات الانتخاب على رغم معارضتنا العماد ميشال عون، ومن ينجح نهنئه".
وفي قراءة لاوساط "مستقبلية" عبر "النهار"، إن الرئيس الحريري بدعمه عون "يكون قد ادى واجبه الوطني للتخلص من الشغور في الموقع الاول في الجمهورية وكذلك في الموقع المسيحي الاول. واذا فشل المسعى لأي سبب كان فهو لا يتحمل المسؤولية التي تقع على الثنائي الشيعي الذي يجب ان يذلل العثرات، وايضا على محور الرابية - حارة حريك، اذ ان الاخير مسؤول عن ضمان مضي فريق 8 آذار بهذا الخيار".

 

الجلسة التشريعية
على صعيد آخر، دعا رئيس مجلس النواب الى جلسة تشريعية تعقد اليوم قبل الظهر وبعده لدرس واقرار جدول الاعمال الذي أعلن بعد اجتماع هيئة مكتب المجلس انه سيشمل قانون الانتخاب. وفي حين أفادت المعلومات ان معظم الكتل النيابية ستشارك في الجلسة، ومنها "التغيير والاصلاح" محاولاً ترطيب الاجواء مع رئيس المجلس عشية جلسة 31 تشرين الأول الانتخابية، أشار عضو كتلة "القوات اللبنانية" النائب انطوان زهرا الى ان "قانون الانتخاب أدرج بنداً أخيراً في جدول الاعمال وأنا تحفظت لاننا قد لا نصل اليه". وأضاف: "نترك لكل فريق أن يعلن عن موقفه ونحن سنطالب كل المعنيين بالوفاء بالتزاماتهم لناحية أولوية قانون الانتخاب".
الا ان نائب رئيس المجلس فريد مكاري أوضح في هذا السياق أن هناك أصولاً لوضع المشاريع على جدول الاعمال، فالمشاريع التي لها صفة معجل مكرر (كمشروعي قانوني الانتخاب اللذين سيبحث فيهما) توضع في نهاية الجلسة".

الحوار الثنائي
ويذكر ان جلسة جديدة من الحوار الثنائي بين "المستقبل" و"حزب الله" تعقد مساء غد الخميس في رعاية الرئيس بري في عين التينة وتلي اعلان الحريري دعم ترشيح عون.

 

 

المستقبل :

بلغ حال الاستنفار السياسي والرئاسي أوجه خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة مع تسارع وتيرة المشاورات والاتصالات على أكثر من خط وفي أكثر من اتجاه على امتداد خارطة التقاطعات والتباينات الرئاسية. فعلى وقع بروز معطيات ومعلومات موثوقة تشي بأنّ الرئيس سعد الحريري يتجه إلى حسم موقفه الرئاسي خلال الساعات الـ48 المقبلة، أدارت الوفود السياسية محركاتها وتفاعلت المشاورات والرسائل المتبادلة أمس بين مختلف الأفرقاء واضعةً الاستحقاق الرئاسي على نار حامية وصلت إلى حد الغليان على محور عين التينة - الرابية تحت وطأة توعد رئيس المجلس النيابي نبيه بري «العهد» العوني بـ«المواجهة» بعد تلويح مصادره صباحاً بحتمية عودة «الحرب الأهلية» من بوابة انتخاب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية، الأمر الذي استدعى رداً مباشراً من التكتل حمل تحذيراً عونياً من مغبة صب الزيت على نار «الفتنة» و«تهديد اللبنانيين بحرب أهلية» مع دعوة المعترضين إلى التزام حق المعارضة «من دون محاكمة نوايا وكيل التهم جزافاً».

وفي الأثناء، كان الرئيس الحريري يستكمل مشاوراته مع الوفود السياسية التي زارته في بيت الوسط حيث تباحث في آخر المستجدات مع كل من موفد بري الوزير علي حسن خليل، وموفد رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط الوزير وائل أبو فاعور، وموفدي رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية الوزير روني عريجي والوزير السابق يوسف سعادة. في وقت كانت كتلة «المستقبل» قد شددت إثر اجتماعها أمس برئاسة الحريري وحضور الرئيس فؤاد السنيورة على كون «المهمة المركزية والأساسية للنواب والقوى السياسية الآن هي العمل لانتخاب رئيس للجمهورية وفقاً لأحكام الدستور (...) وكل تأخير في انتخاب الرئيس وكل عرقلة لعمل المؤسسات الدستورية وتحديداً لعمل مجلسي النواب والوزراء، يُعرّض البلاد إلى مفاقمة الأخطار الراهنة والمحتملة على كل المستويات الوطنية والسياسية والأمنية والمالية والاقتصادية».

أما في عين التينة، وبعد تغريدة رئاسية جديدة لفت فيها إلى أنّ «الفرج قريب»، أوفد جنبلاط نجله تيمور يرافقه الوزيران أبو فاعور وأكرم شهيب إلى جانب النائب غازي العريضي الذي أوضح بعد لقاء بري أنه «من الأفضل للجميع أن تكون تسوية (رئاسية) لأن البلد لم يعد يحتمل»، مكتفياً بالقول في ما خص موقف «اللقاء الديمقراطي» من ترشيح عون: «نحن نتفهم موقف الرئيس بري وهو يتفهم موقفنا، ونحن بانتظار ما يستجد من أمور ليكون لنا موقفنا (...) بما يحفظ كرامة مرشحنا النائب هنري حلو».

«تشريع الضرورة»

واليوم، ينعقد مجلس النواب في جلسة تشريعية صباحية ومسائية وفق جدول الأعمال الذي أقرته هيئة مكتب المجلس خلال اجتماعها أمس برئاسة بري بعد انتهاء جلسة انتخاب أعضاء الهيئة واللجان ورؤسائها ومقرريها. وبعد الاجتماع، أعلن نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري أنّ الجدول المُقر يتضمن 21 مشروعاً، مشيراً إلى إدراج اقتراحين يتعلقان بقانون الانتخابات النيابية في آخر الجدول ربطاً بالأصول التي تفرض ذلك لكونهما اقتراحين يحملان صفة «معجل مكرر».

وبينما أكد التكتل العوني عشية الجلسة المشاركة فيها تحت عنوان «تشريع الضرورة» برز في المقابل تحفظ قواتي على تأخير جدولة مشروع قانون الانتخاب وعلى الجدول برمته باعتباره «جدولاً فضفاضاً يتجاوز تشريع الضرورة» كما عبّر النائب أنطوان زهرا تاركاً الاحتمالات مفتوحة على إمكانية مقاطعة «القوات» جلسة اليوم من دون أن يكون حاسماً رداً على أسئلة الصحافيين في تأكيد المشاركة من عدمها في الجلسة بانتظار انتهاء الاتصالات والمشاورات بهذا الخصوص. ومساءً، كانت المستجدات الرئاسية والتشريعية موضع تباحث وتنسيق معمق على مدى أكثر من ساعتين في معراب بين رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وموفد الرابية النائب ابراهيم كنعان في حضور رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات» ملحم الرياشي.

 

الديار :

«حركة بلا بركة» واللبنانيون الذين «تسمروا» وراء شاشات التلفزة لمتابعة الاجتماعات واللقاءات بين عين التينة وبيت الوسط والرابية بانتظار موقف الرئيس سعد الحريري باعلان ترشيح العماد ميشال عون لم يشفوا غليلهم، وما عليهم الا المزيد من الانتظار و«حرق الاعصـاب».
موقف الرئيس نبيه بري الحاسم والواضح والصريح انه لن يمشي بالعماد  ميشال عون لرئاسة الجمهورية، حتى لو مشى الجميع، بات امراً واقعاً.  واشارت معلومات صحافية ان الرئيس الحريري طلب موعدا لزيارة عين التينة ولم يحدد الموعد. كما ان الوزير باسيل طلب موعدا ايضا وتم تجاهل الامر، وقد ابلغ الوزير علي حسن خليل موقف الرئيس بري الرافض لترشيح عون الى الرئيس الحريري في «بيت الوسط»، وقال له بوضوح: «مشينا معك في خيار النائب سليمان فرنجية وما زلنا، فلا يجوز ان تتراجع وتتبنى تأييد العماد عون»، فرد الحريري: «حزب الله عطل ترشيح النائب سليمان فرنجية، واريد ان اضع النقاط على الحروف من خلال ترشيحي للعماد عون وسنرى موقف حزب الله»، رد خليل «تحاول ان تضع التعطيل عند حزب الله، وهذا ليس صحيحاً وما تقوم به غلط وما بتظبط الامور هيك ولن نشارك بأي حكومة». وانتهى الاجتماع غير الودي بين الرجلين، وعاد الوزير خليل الى عين التينة ووضع الرئيس بري الذي كان يستقبل تيمور جنبلاط مع وزراء التقدمي بما جرى معه في بيت الوسط، واكد رئيس المجلس للوفد الاشتراكي الموقف ذاته من رفضه لترشيح العماد عون مهما كانت الظروف. فيما تريث وزراء «الاشتراكي» باعطاء رد نهائي مع التأكيد على التفاهم الشامل، وعلم  ان بعض نواب اللقاء الديموقراطي وتحديداً النائبين مروان حماده وفؤاد السعد ابلغا جنبلاط عدم السير بالعماد ميشال عون.
لكن مشكلة النائب وليد جنبلاط لها حسابات خاصة ومختلفة عن حسابات بري، فحسابات جنبلاط جبلية ودرزية، وهو لن يترك «حليف العمر» وسيبقى يراعيه، لكن رئيس التقدمي لا يستطيع ان يواجه حلف «الحريري - عون - جعجع» في الجبل، كون البلد على ابواب الانتخابات النيابية، واذا تحالف سنّة اقليم الخروب المؤيدون للحريري مع مسيحيي عون وجعجع في الجبل، فان الدروز يصبحون خارج المعادلة، وضرب جنبلاط في قلب بيته، كما ان هم زعيم المختارة الاساسي منصّب على تأمين زعامة تيمور والانتقال الهادئ  و«ضرب من يعصي الاوامر»َ، وهذا الانتقال ليس بالامر السهل في الظروف السياسية الحالية، ولا يمكن لجنبلاط في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ المختارة ان يواجه الثنائية السنية - المسيحية في الشوف.
وبالتالي فان الحسابات الجنبلاطية بالسير بالعماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية وسعد الحريري لرئاسة الحكومة ثابتة وتنطلق من هذا الاعتبار، وبالتالي فان جنبلاط بحاجة لضمانات اكثر من اي طرف سياسي، وهو يعرف ان اتفاق اي طرفين في الشوف والجبل يعني خروج الطرف الثالث من المعادلة، ولذلك فان جنبلاط سيصوت لعون وربما ترك الحرية لنوابه.
كما استقبل الرئيس بري مروان ابو فاضل موفداً من النائب ارسلان الذي يتفهم اعتراضات الرئيس بري.
بالمقابل فإن الحريري ابلغ الاشتراكي والمردة السير بالعماد عون فيما اشارت معلومات ان اللقاء مع النائب سامي الجميل لم يعقد.
والسؤال الاساسي يبقى من هي الجهة القادرة على تأمين الضمانات التي يطالب بها الرئيس نبيه بري؟ وفي المعلومات، ان بري ومعه اطراف سياسية يرفضون اتفاقات باسيل - نادر الحريري الرئاسية.
فالنائب سليمان فرنجيه وبعد كل اجتماع في باريس مع الحريري، كان على الفور يضع الرئيس بري بالاجواء والتفاصيل، فيما باسيل ونادر الحريري اتفقا وتحاورا ويريدان موافقة الجميع او البصم.
 من هنا تشير المعلومات، ان المخرج الحالي هو اعلان سقوط ما اتفق عليه باسيل ونادر الحريري وهذا يستدعي مفاوضات جديدة ومن الصفر، لتأمين توافق وطني شامل يأتي بالعماد عون، ولذلك فان ما نقل عن الوزير حسين الحاج حسن بتأجيل جلسة انتخاب عون الى 17 تشرين الثاني قد يكون فرصة لبدء المفاوضات من جديد والوصول الى توافق بين بري وعون والحريري وباقي الاطراف ويأتي المخرج الرئاسي على اساسه لكن العماد عون رفض تأجيل الجلسة الى 17 تشرين الثاني.
الاتصالات بين حزب الله والرئيس بري لم تنقطع ومتواصلة، وهناك تفهم لاعتراضات  الرئيس بري ولا يمكن لحزب الله ان «يمشي» باي خيار رئاسي لا يوافق عليه الرئيس نبيه بري، وهذا الامر يفرض على العماد عون التحرك خصوصا ان البعض يؤكد ان «الجنرال» لم يدر معركته الرئاسية بشكل سليم وتحديداً مع الرئيس نبيه بري، واكتفى بما يقوم به وزير الخارجية وهذا امر صعب جداً مع بري وجنبلاط. فالرئيس بري الذي ادار البلد، بشكل متوازن خلال مرحلة الفراغ الرئاسي وحافظ على الجميع لا يمكن ان «يقبل» بان يتبلغ الاتفاق من معاوني عون والحريري لما لهذا الامر من تداعيات على الطائفة الشيعية. الحل يتطلب مفاوضات جديدة خارج اتصالات «التيار الوطني الحر» و«المستقبل» لكن سفر الرئيس بري الى جنيف جعل الوقت داهماً ولذلك ما المانع من التأجيل لمدة اسبوعين او ثلاثة لكن الرابية «تخشى» من ان يودي طول الانتظار الى حرق الطبخة.
اليومان المقبلان حاسمان، وحتى اذا اعلن الحريري تأييده لعون فان اعتراض الرئيس نبيه بري قد يفجر الجلسة ويمنع حصولها لان الرئيس بري يعتبر اتفاق  باسيل والحريري انقلاباً على الطائف والمؤسسات وضرورة مواجهته، مع الايحاء بتحركات في الشارع قد تؤثر على الوضع الامني، وهذا ما ترفضه الدول الاوروبية وواشنطن وروسيا. فالوضع الامني هو الاساس، والموضوع الرئاسي تفاصيل وليس في اهتمامات احد باستثناء الدور الخجول لفرنسا، وحتى السعودية قالت للحريري بوضوح: «اختيار العماد عون على مسؤوليتك فاذا نجحت في هذا الخيارتكون قد نجحت وسنؤيدك، اما اذا فشلت فستتحمل نتيجة الفشل لوحدك، ولن نقدم لك المساعدة مطلقاً ولن نتدخل بالتفاصيل اللبنانية». فيما الموقفان الايراني والسوري واضحان «ما يقرره الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله نوافق عليه والقرار الرئاسي وغير الرئاسي بيده شخصيا»، حتى ان مسؤولين لبنانيين فاتحوا مسؤولين سوريين وايرانيين بالامر فاحالوهم على السيد نصرالله.
اما الذين يتحدثون عن سيناريو عقد الجلسة في 31 تشرين الاول ونزول الكتل النيابية والفوز لمن ينال النسبة الاكبر من الاصوات فهؤلاء ايضاً لا يدركون ان لبنان لا يحكم بغالب ومغلوب او كسر عظم لان ذلك سيفجر البلد، فكيف اذا كان المعترض على العماد عون بمستوى وحجم الرئيس نبيه بري.
هذا الجو السلبي في عين التينة، والمتردد في المختارة والحاسم في بيت الوسط باتجاه العماد عون والمتفائل جداً في الرابية مع تأكيدات بالحسم سيتوضح قريباً، لكنه يتزامن مع عشرات التسريبات وكل على «المخدة» التي يرتاح عليها، ومن بين التسريبات بوادر تباينات بين امل وحزب الله ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي، انقسامات في بيت الوسط ورفض مطلق من السنيورة وفتفت واكثر من 12 نائباً من تيار المستقبل السير بخيار عون. موجة الاحتجاجات وصلت الى اللقاء الديموقراطي، مع تسريبة ان العماد عون انجز خطاب القسم  مع رفضه  الثنائية وتهديدات البعض بالعودة الى الحرب الاهلية.

 

الجمهورية :

الرئيس سعد الحريري يُعلن، لن يعلن، سيعلن...يفكّر أن يعلن، أنجَز بيانه ليُعلن... على وقع هذه الفرضيات وهذا التخبّط تحرّكَ البلد في الساعات الأخيرة الماضية. لا شكّ في أنّ الحريري قد اتّخذ قراره، ويبدو أنّ البلد قد دخل في مرحلة العدّ التنازلي. إلّا أنّ السؤال: ماذا بعد أن يُعلن الحريري ترشيحَ رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» لرئاسة الجمهورية؟ كيف سيكون مشهد البلد؟ وهل سينتقل الإعلان مباشرةً إلى التنفيذ العملي إلى مجلس النواب، أم أنّ البلد سيدخل في مرحلة جديدة من الأخذ والردّ، خاصة مع ارتفاع المتاريس السياسية بين ضفّتَي المؤيّدين والمعارضين لترشيح عون،؟ ولعلّ السؤال الأبرز يبقى حول دور «حزب الله» ما بعد الإعلان. هل سيبقى على صمتِه أم أنه سيُشغّل محرّكاته السياسية والتوفيقيّة بين الرابية وعين التينة؟ والأهمّ، هل سينجح في التقريب بين حليفَيه؟ وماذا لو فشلَ في ذلك؟

لن تحجب الجلسة التشريعية اليوم وهج انتظار المكوّنات السياسية لإعلان الحريري ترشيح عون لرئاسة الجمهورية الذي لم يتخلّ و»القوات اللبنانية» عن تفاؤلهما بموعد قريب لهذا الترشيح.

لكنّ «الجمهورية» علمت انّ الحريري لن يعلن اليوم تبنّي ترشيح عون وأرجأه إلى مساء غد الخميس، حيث يرجّح ان يزور عون «بيت الوسط» ومن ثمّ يعلن الحريري امام كتلة «المستقبل» الترشيحَ مباشرةً في حضور عون. ولم تستبعد المعلومات ان يكون تكتّل «التغيير والإصلاح» حاضراً خلال إعلان ترشيح رئيسه.

الأجواء المحيطة بحركة الحريري وكلّ مَن شَملتهم المشاورات خرَجوا بقناعة أنّه حسَم موقفه وينتظر ساعة الصفر. وهذه الحركة الحريرية جاءت متناغمة مع الأجواء التفاؤلية العالية المستوى في الرابية.

فيما لوحِظ انّ حركة مشاورات تجري على الخطوط الأخرى ومحورُها عين التينة. وتقول المصادر في هذا المجال إنّ الرئيس بري قد بدأ فعلاً بتجميع الأوراق الاعتراضية لِما تسمّيها أوساطه «معركة المواجهة» ضد هذا الترشيح.

وإذا كانت حركة رئيس «اللقاء الديموقراطي» قد جاءت بما يشبه محاولة لإطفاء مسبَق لفتيل التوتير السياسي المتصاعد على الخط الرئاسي فإنّ تغريداته، وخصوصاً الأخيرة التي قال فيها « يبدو أنّ الفرج قريب» بدت وكأنّها حاسمة للإعلان، مع انّ اللقاء الذي جمع نواب كتلته وابنه تيمور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري سادته قراءة مشتركة لحساسية الوضع ودقّته التي تتطلّب عناية كبرى من كلّ العاملين على الخط الرئاسي، على حدّ قول مصادر مطلعة.

وعلمت «الجمهورية» انّ اللقاء الذي جمع الحريري بنواب كتلة اللقاء الديموقراطي تخلله عرض من الحريري لكلّ التفاصيل والأسباب التي أوجبَت عليه الذهاب إلى قرار ترشيح عون، فيما سمع من النواب تمنيات بأن تكون الخطوات مدروسة وخاصة مع بري، مع الأخذ في الاعتبار أن تكون التسوية الرئاسية المرتقبة تسوية شاملة لا تستثني أحداً.

من جهة أخرى، علمت «الجمهورية» انّ اللقاء بين الحريري وتيار «المردة»، وخلافاً لِما أشيعَ، كان هادئاً جداً وقدّم خلاله الحريري مبرّراته التي استنَد إليها لأخذ قراره وأبلغَ النواب أنّه وصَل إلى القرار الصعب، والدافعُ إلى ذلك «الخوف على البلد» من الاستمرار في الحالة التي يتخبّط فيها، وإنّ الضرورة الوطنية تحتّم إنقاذ البلد وإنهاء حالة الشغور.

في المقابل، سَمع الحريري من الوفد تأكيداً بأنّ فرنجية مستمر في ترشيحه ولن ينسحب من هذه المعركة، وأوصَل نواب «المردة» رسالة تؤكّد له «هذا قرارك أمّا نحن فمستمرّون في المعركة». واللافت انّ الاتصالات التي يجريها الحريري لا تبدو انّها مشاورات لاستمزاج الآراء بل هي أشبه بلقاءات «تبليغيّة» وتبريرية للقرار الذي سيتّخذه.

مهمّة الحريري ليست سهلة في الساعات الأخيرة التي تسبق إعلانه ترشيح عون، فهو سلك مساراً صعباً لا يخلو من العراقيل والضغوط الداخلية والخارجية، وفق مصدر وزاري، ولا يبدو انّه سيتراجع بل ماضٍ في هذا الاتجاه رغم عدم وضوح أمرين: الأوّل طبيعة الدعم الذي يتلقّاه ومداه، والثاني هل سيكون هذا الدعم كافياً لفوز عون في الرئاسة؟

محاذير

لكنّ بعض المحاذير تشكّلت لدى لحريري من سلسلة معطيات، وهي:

أوّلاً، بات الحريري مقتنعاً بأنّ جبهة معارضة تشكّلت ضد انتخاب عون، وهذا ما عكسَه موقف للرئيس فؤاد السنيورة أمس قال فيه: «لست قائد الجبهة ضد وصول العماد عون إلى الرئاسة»، ما يؤكّد وجود مثل هذه الجبهة، وخصوصاً أنّ تمسّك رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بترشيحه يأتي من هذا الباب.

وكان قد سبَقه موقف لوزير المال علي حسن خليل أكثر وضوحاً، قال فيه: «إنّنا سنشارك في جلسة انتخاب الرئيس وسنصوّت ضد العماد ميشال عون وسنذهب الى المعارضة وسيكون الرئيس نبيه بري أولَ من يهنّئه بالفوز، ونحن أمام ثنائية سنّية – مسيحية شبيهة بسنة 1943 وسنواجهها».

وتابع: «نحن لا نُبلغ بنتائج التفاهمات إنّما نكون جزءاً منها». وفي هذا الكلام تحذير من صراع مذهبيّ استدرج ردّاً قاسياً من تكتّل «التغيير والإصلاح» ما قد يحمل «حزب الله» إلى التدخّل لرأب هذا الصدع الخطير. لكن خليل أوضح مساءً لـ«الجمهورية» أنّ ما تحدّث عنه لم يكن الثنائية المسيحية ـ السنّية إنّما تحدّث عن تفاهمات ثنائية سياسية من دون أن يأتي على ذكر الطوائف.

ثانياً، ما أعربَ عنه رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط بتغريدة عبر «تويتر» لمّح فيها إلى انّ أصوات كتلته قد لا تصبّ في مصلحة عون وحده، معتبراً «أنّها كتلة نيابية متنوّعة من حزبيين ومستقلين وأصدقاء، لها رأيها إلى جانب رأي رئيسها».

ثالثاً، لا يعرف الحريري حتى الآن حجم التمرّد الذي قد تشهده كتلته النيابية وخصوصاً أنّ رئيس هذه الحركة هو السنيورة. وهذا التمرّد لم يكن له وجود لو توفّرَ دعم سعودي لخطوة الحريري، بل ثمّة معطيات تشير إلى عدم وجود غطاء سعودي أو مصري لها.

ولم يتّضح ما إذا استحصل الحريري على ضمانات لتولّيه رئاسة الحكومة في العهد الجديد. ولفتَت المصادر إلى انّ اجتماع كتلة المستقبل كان عاصفاً في جانب منه، عندما تجدّد الانقسام من موضوع تزكية عون وتقدّم الرئيس السنيورة بمواقفِه الرافضة لتسمية عون ومعه بعض من نواب الشمال وعكّار، وهم الى جانب العديد من النواب السنّة الرافضين وفي مقدّمهم الرئيس نجيب ميقاتي والنائب احمد كرامي وقاسم عبد العزيز وأحمد كبارة.

ولا تقلّ مهمّة عون صعوبة عن مهمّة الحريري، ومِن العقبات الكبرى إمكان تسوية الوضع مع الرئيس بري الذي رفضَ أمس استقبالَ الوزير باسيل للبحث في شؤون الاستحقاق، وهو ما يدلّ على صعوبة ترميم العلاقة بينهما.

وفي هذا الإطار قالت المصادر لـ«الجمهورية» إنّ البوانتاجات التي نشَطت أمس في بعض الماكينات الانتخابية الرئاسية في ضوء ما هو معلن من مواقف ومعلومات عن توجهات الأطراف كافة، توغّلت في الحديث عن انشقاقات في كتلة «المستقبل» واحتمال أن يصابَ «اللقاء الديمقراطي» بالعدوى عينِها، وهي مفروزة بين نواب «الحزب التقدمي الإشتراكي» الملتزمين وحلفائه أعضاء «اللقاء الديمقراطي» في ضوء بعض المواقف المبدئية لبعض أعضائهما، ومنهم النائب مروان حماده.

 

 

اللواء :

الثابت ان الرئيس سعد الحريري اتخذ قراره، وهذا القرار هو التريث بإعلان تبني ترشيح النائب ميشال عون للرئاسة الأولى، لئلا يبدو وكأنه يسير عكس أجواء ضاغطة لا تستسيغ هذه الخطوة قبل ان تستكمل باتصالات، سواء مع الرئيس نبيه برّي، أو في الخارج، أو مع نواب كتلة «المستقبل» التي اكتفت بعد اجتماعها أمس بإعلان «ان الأولوية في هذه الفترة الحرجة والطويلة والخطيرة من الشغور الرئاسي هي لانتخاب رئيس للجمهورية وفقاً للدستور، لا وفق قواعد اخرى تعتمد من خارجه»، من دون ان تُشير بأي كلمة إلى مسألة ترشيح عون.
ولئن كانت مصادفة الذكرى السنوية الرابعة لاستشهاد اللواء وسام الحسن، حالت دون إعلان تبني ترشيح النائب عون الذي كان مقرراً اليوم، لاعتبارات وجدانية وذات مغزى وابعاد سياسية، وسادت معلومات عن ان خطوة قد تحدث خلال 48 ساعة، من دون تحديد شكل هذا الإعلان، ان عبر مؤتمر صحفي يخصص لهذه الغاية، أو عبر مؤتمر مشترك مع النائب عون الذي سيزور الحريري في «بيت الوسط»، فإن أحداً من نواب الكتلة أو مصادر «بيت الوسط» شاءت ان تتحدث عن شيء يتعلق بهذا الموضوع.
إلا ان مصدراً مطلعاً توقع ان يُشارك الرئيس الحريري في الجلسة التشريعية اليوم، حيث من المتوقع ان يلتقي رئيس المجلس نبيه برّي، الذي أوفد إلى «بيت الوسط» معاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل، الذي التقى الرئيس الحريري لمدة عشر دقائق، ونقل إليه رسالة وصفت بالساخنة والعاتبة من الرئيس برّي، وفيها إعلان الفراق في ما خص مرحلة ما بعد انتخاب عون رئيساً، من خلال تحول الرئيس برّي من الموالاة إلى المعارضة، ونفض يده من أي اسهام في تشكيل حكومة يرأسها الرئيس الحريري، ساحباً ما سبق واعلنه من انه مع رئيس «تيار المستقبل» ظالماً كان أو مظلوماً.
ووصفت الرسالة التي نقلها خليل إلى الحريري اقدام الأخير على ترشيح عون بأنه «طعنة في الظهر للرئيس برّي وكتلة التنمية والتحرير التي قررت بكامل نوابها ألا تصوت للنائب عون بل ضده جهاراً نهاراً.
«بيت الوسط»
وكان «بيت الوسط» شهد يوم أمس وقبله، أي منذ عودة الرئيس الحريري إلى بيروت، حركة نيابية وسياسية ودبلوماسية تناولت حقيقة التوجه الجديد الذي قرّر السير به ومضاعفاته سواء على صعيد البيت الداخلي، أو على صعيد العلاقة مع أطراف وقوى سياسية، وسط توقعات من ان يتوجه موفد الخارجية الفرنسية جيروم بونافون إلى بعض العواصم الإقليمية المعنية بالوضع اللبناني، لا سيما المملكة العربية السعودية وإيران، بعدما ان كان التقى قيادات سياسية حثها على ضرورة إنهاء الفراغ في رئاسة الجمهورية.
وتوج الرئيس الحريري يومه السياسي الطويل في «بيت الوسط» بلقاء رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، في إطار ترتيبات إعلان الترشيح والزيارة المرتقبة والمواكبة لهذه الخطوة من قبل النائب عون إلى «بيت الوسط».
وتوقعت مصادر تكتل «الاصلاح والتغيير» ان تحدث الزيارة والإعلان في غضون اليومين المقبلين، أو يوم غد الخميس على أبعد تقدير.
وتحفظت المصادر عن كشف أية معلومات أخرى لئلا تستخدم كمادة في الاستهلاك السياسي، في ضوء التجاذب الحاصل، والذي وصفته بالكبير ويحصل لأول مرّة.
وعلمت «اللواء» ان الرئيس الحريري طلب من الوزير باسيل تأجيل خطوة إعلان ترشيح عون التي كان من المتوقع ان يعلنها عند الخامسة من بعد ظهر اليوم من «بيت الوسط».
وذكر مصدر على خط الاتصالات ان فترة التأجيل تراوحت بين 48 ساعة أو بضعة أيام، من دون ان يستبعد ان تكون غداً فيما لو استجدت معطيات اقتضت ذلك، وإلا، فإنها ستكون الأسبوع المقبل، أي في 27 الحالي، ريثما يكون الرئيس نبيه برّي عاد من سفره إلى جنيف والذي قد يحدث مباشرة بعد الجلسة التشريعية التي تنتهي مساء اليوم أو في اليوم التالي.
ويستتبع، وفق المصدر، ارجاء الإعلان، ارجاء الجلسة الانتخابية المقررة في 31 تشرين الحالي إلى 17 تشرين الثاني، ريثما تكون اكتملت معطيات الاتصالات في شقيها اللبناني والخارجي.
وأبلغ نائب مقرب من الرابية رفض الكشف عن هويته ان النائب عون رفض اقتراح التأجيل، سواء في الشق المتعلق بزيارة «بيت الوسط» والإعلان عن الترشيح، أو موعد جلسة الانتخاب.
«حزب الله»
ومع هذا التوجه، فإن «حزب الله» الذي يطل أمينه العام السيّد حسن نصر الله الأحد المقبل في مناسبة أسبوع أحد قيادييه الذي قضى في حلب، يُبدي حماساً لمثل هذا التأجيل، نظراً لانهماكه في تشييع ضحاياه، وعدم تمكنه من اجراء اللازم، سواء مع الرئيس برّي أو بين عين التينة والرابية، وبالتالي فهو (أي الحزب) يميل إلى تأجيل جلسة الانتخاب لمدة أسبوعين، وهو ما كان ألمح إليه معاون الأمين العام للحزب الحاج حسين الخليل أثناء اتصالاته.
وكان الحزب أبلغ أكثر من طرف في قوى 8 آذار انه معني فقط بإيصال عون إلى قصر بعبدا، بحكم التحالف معه ووعوده له، اما في ما عدا ذلك فلا علاقة له بالأمر وغير ملتزم به.
اشتباك عين التينة - الرابية
ولاحظت مصادر ديبلوماسية أن الاشتباك الحاصل بين عين التينة والرابية سجّل منسوباً مرتفعاً في الساعات الماضية، إذ وصفت محطة N.B.N الناطقة بلسان الرئيس برّي ما يجري «بزمن الانقلاب على الحوار والطائف والمؤسسات» واصفة الاتفاق الثنائي (في إشارة إلى ما تمّ بين الوزير باسيل والسيّد نادر الحريري) بأنه «دفع البلد نحو الهاوية، ويطيح بتجربة الشراكة، وهو أشبه بالخطيئة».
وأتت هذه الحملة، بعد كلام وزير المال علي حسن خليل وصف فيه ما حصل بأنه «ثنائية مسيحية - سنّية» وبعد بيان تكتل الإصلاح والتغيير أعلن خليل أنه لم يستخدم هذه التسمية على الإطلاق.
وكان التكتل ناقش في اجتماعه الأسبوعي الوضع بعد 13 تشرين، وفي ضوء الترشيح المرتقب لعون من قبل الحريري، رافضاً كلام وزير المال.
وجاء في البيان «أن هذا الكلام غير مقبول لا في الشكل ولا في المضمون، ونحن لا نفهمه ابتزازاً لنا من منطلق أن مرشحنا هو مرشّح طبيعي وميثاقي، بل هو ابتزاز لمن يؤيدنا ولا نقبله، وما لا نقبله لأنفسنا لا نقبله لمن يؤيّدنا».
كتلة «المستقبل»
إلى ذلك، نفت مصادر نيابية في كتلة «المستقبل» لـ«اللواء» أن يكون جو اجتماع الكتلة، أمس، مشحوناً بعدما تبلغ النواب من الرئيس الحريري خياره بتأييد ترشيح عون، لكنها لفتت إلى أن الجو كان متوتراً وبمعظمه سلبياً تجاه خيار الرئيس الحريري الذي استمع إلى آراء عدد من النواب لم يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، الذين عارضوا هذا الخيار، قبل أن يترك الاجتماع للقاء الوزير خليل، من دون أن يعود إلى اجتماع الكتلة مجدداً.
وبحسب المعلومات، فإن الرئيس الحريري عرض في بداية الاجتماع المبررات التي جعلته يُقرّر السير في خيار تأيد ترشيح عون، وهي نفسها التي سبق أن ألمح إليها في اجتماعات سابقة، بالنسبة إلى ضرورة إنهاء الفراغ الرئاسي والمخاطر التي تحيط بالبلد إذا ما استمر هذا الفراغ، لافتاً النظر إلى أنه سبق أن جرّب كل الخيارات المتاحة بهدف ملء الفراغ، ومنها ترشيح النائب سليمان فرنجية، إلا أن هذه الخيارات اصطدمت بعوامل وعراقيل دفعته إلى هذا الخيار الأخير الذي اعتبره بأنه بات الخيار المتاح والذي يعطي فرصة لإنهاء الفراغ، مؤكداً أن البلد لم يعد يحتمل أي تأخير، واصفاً عون بأنه الأوفر حظاً للوصول إلى رئاسة الجمهورية، إضافة إلى أنه الأقوى بين المسيحيين.
وتضيف المعلومات، أنه أعقب إعلان الحريري حسم أمره من عون، نقاش من قبل الرئيس فؤاد السنيورة وعدد من النواب لم يتجاوز عددهم الخمسة الذين عارضوا خيار عون انطلاقاً من أن التجارب السابقة معه غير مشجعة، فضلاً عن أنه متقلّب في مواقفه سواء من الطائف وغيره، وأن لا ثقة لهم به