عاد الرئيس سعد الحريري الى بيروت، وكل الأجواء المحيطة بحركته الرئاسية توحي بأنه بات على وشك إعلان تأييده ترشيح رئيس تكتل الاصلاح والتغيير النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وإن صحّت هذه الاجواء، يبقى السؤال متى سيتم هذا الإعلان؟وحده الحريري يملك الجواب، وقد يشكّل انعقاد جلسة انتخاب اعضاء اللجان النيابية، في مستهلّ العقد العادي الثاني لمجلس النواب اليوم - إن صح ما قيل إنه سيحضرها شخصياً - محطة له لإجراء بعض المشاورات، وقد يجدها مناسبة لإجراء لقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تشاوَر سياسياً ورئاسياً أمس مع رئيس الحكومة تمام سلام الذي زاره في عين التينة.

وقد يشكّل الاجتماع الذي ستعقده كتلة المستقبل، ربما اليوم، محطة التظهير الجدي للإعلان المنتظر من الحريري، هذا في وقت تغرق الاجواء بسيل من التسريبات تارة بأنّ الحريري سيعلن قراره اليوم، وتارة ثانية بأنه اتخذ قراره بالاعلان الّا انه ليس مستعجلاً، وثالثة بأنّ الحريري لن يعلن قراره النهائي الّا بعد جولة مشاورات جديدة يجريها مع القوى السياسية وفي مقدمها الرئيس بري، ورابعة بأنّ الرابية تلقّت في الساعات القليلة الماضية تأكيداً متجدداً من قبل الحريري بأنه ماض في ما تمّ الاتفاق عليه بينه وبين عون.

وتبعاً لذلك تبدو اكثر ارتياحاً من ذي قبل، وأولويتها في هذه الفترة هي جعل الجلسة المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية في 31 تشرين الاول الحالي، هي الجلسة الحاسمة التي تفضي الى انتخاب عون رئيساً للجمهورية، في ظل الأكثرية الحالية التي تؤيّد وصوله الى الموقع الاول في الدولة.

ومع تأكيد الاوساط الحريرية والعونية الاعلان الوشيك، لا تبدو آلية الإعلان واضحة، وحتى الآن ليس معلوماً ما اذا كان سيتم ذلك عبر بيان صادر عن الحريري، او بإطلالة تلفزيونية او عبر بيان لكتلة المستقبل.

واذا كان إعلان الحريري دعمه ترشيح عون مطلباً اساساً وملحّاً من قبل الرابية، الّا أنها، وبحسب مصادر عاملة على الخط الرئاسي، تأمل أن يأتي هذا الاعلان محصّناً بدعم كامل الفريق النيابي للرئيس الحريري، ويفضّل في هذه الحالة، ان يتم الاعلان عبر بيان باسم كتلة المستقبل بما يعطي هذا الاعلان بُعداً معنوياً اكبر، وفعالية إلزامية لكامل اعضاء الكتلة.

ليس مستبعداً ان يكون الدافع خلف هذه الرغبة العونية هو ما يتردد عن نقاش ما زال دائراً في بعض زوايا المستقبل، بين مؤيّدين لترشيح عون وبين متحفّظين وبين معارضين لهذا الترشيح.

يتقاطع ذلك مع تساؤلات أحاطت بالحركة الاخيرة للحريري، وبحثت عن أجوبة حول أسباب تأخّر الحريري في اعلان دعمه ترشيح عون وعَزَته الى جملة عوامل أبرزها:

اولاً، تردد حقيقي بَدا أنّ الحريري يعيشه في هذه الفترة.

ثانيا، إستمرار النقاش الساخن داخل كتلة تيار «المستقبل»، ولم يصل الى إجماع حول عون. وهناك عدد من النواب اكدوا صراحة انهم لم يمشوا بخيار عون.

ثالثا، إرتفاع بعض الاصوات السنية اعتراضاً على ما قد يقوم عليه بدعم عون.

رابعا، عدم «ضمان» الحريري لمرحلة ما بعد إعلانه ترشيح عون، ولا سيما حصوله على الضمانات الاكيدة له شخصياً، والتي تجعل من وصوله الى رئاسة الحكومة وصولاً سلساً بلا تعقيدات وكذلك تشكيل حكومته التي يريدها بعيداً عن الابتزاز والشروط التعجيزية. وهذه الضمانات مطلوبة تحديداً من «حزب الله» الذي تؤكّد مصادره لـ«الجمهورية» انّ الحزب غير معنيّ بإعطاء اي ضمانات لأيّ كان.

وتِبعاً لما تقدّم يبقى السؤال ماذا بعد الإعلان؟

المسألة بسيطة، بحسب أجواء المؤيّدين لترشيح عون، إذ ما يجب ان يعقب هذا الاعلان هو النزول تلقائياً الى مجلس النواب وانتخاب الرئيس، وبعد هذا الانتخاب تنطلق عجلة الدولة المعطلة منذ 25 أيار 2014. وأولى خطوات المرحلة الثانية هي الشروع في إجراء الاستشارات النيابية لتكليف رئيس الحكومة ومن ثم تأليف الحكومة.

لكنّ الرأي مختلف في المقابل، إذ انّ ما هو سائد في أوساط المعترضين يَشي بأنّ إعلان الحريري ترشيح عون ليس نهاية المطاف، بل انه سيفتح البلد على نوع آخر من النقاش والحراك السياسي، ولمدى زمني غير محدود. وبحسب مرجع سياسي فإنه سيفتح البلد على شتى الاحتمالات.

وفي هذا السياق، علم انّ افكاراً ومداولات وتحضيرات تجري على الخط الرافض لخيار عون، بين قوى سياسية متعددة تردّد انّ من بينها بري، والرئيس نجيب ميقاتي والنائب سليمان فرنجية والحزب القومي وحزب البعث، ويرجّح ان تعقد لقاءات متتالية في ما بينهم في الايام المقبلة لبلورة موقف واحد وكامل ومتكامل من الاستحقاق الرئاسي بشكل عام، ولتحديد الخطوات التالية او التي يجب ان تتخذ، سواء أعلن الحريري تَبنّيه ترشيح عون أم لم يعلن.