من أغرب معالم الحلف المقدس القائم بين التيار العوني وبين حزب الله هو أنه يقود العونييين الى ثقافة عاشورائية مفجعة، تحيي المظلوميات المارونية والمسيحية كافة وتحولها الى سلاح في معركة رئاسة الجمهورية، بدلا من ان يبعد الحزب وجمهوره عن استخدام تلك الفاجعة  لتأسيس ثقافي وحيد للهوية الشيعية.
الزحف العوني الى قصر بعبدا في مناسبة الثالث عشر من تشرين الاول اكتوبر من كل عام  ما زال يثير الحيرة، باعتباره واحداً من أعجب الطقوس السياسية التي يمارسها التيار ، وأقربها من واقعة كربلاء بالذات.. برغم التزام العونيين الاخير بعدم التفجع على ما جرى في ذلك اليوم، بخلاف السنوات التي سبقت التفاهم مع حزب الله ، عندما كانت ترتفع فكرة الشهادة وصورة  الشهيد ، لتشكل محور الكفاح العوني من اجل الاصلاح والتغيير والرئاسة الضائعة.
لم يكن إختيار التوقيت السنوي مفهوما ابدا. فالمناسبة ليست مدعاة للفخر ولا حتى للتذكر، وهي بكل ما تحويه من عناصر تراجيدية لا يمكن ان تمثل لوحدها على الاقل، الفاجعة الكبرى في التاريخ الماروني والمسيحي الحديث.  إحياء ذكرى الهزيمة العونية الكبرى ، كان ولا يزال يستدعي شعائر مخالفة ومراجعات مختلفة، ولا يحتاج الى هذا المزاح الاوبرالي الثقيل حول الوحدة الوطنية العابرة للطوائف التي قدمت نماذج من اغانيها واناشيدها الدينية.
 التوجه الى قصر بعبدا بالتحديد لم يكسب يوما الكفاح العوني من اجل نيل الرئاسة الكثير من الشرعية او المصداقية. هو تعبير  عن الحنين للسكن في المبنى المدمر الذي خرج منه عون خائبا مهزوما بعدما دمره الجيش السوري. لكن المكان لا يرقى الى "أرض الطفّ" في كربلاء. لا الهيهات ولا المناجاة ولا حتى التطبير يمكن ان يؤسس للقضية العونية ويسندها. وبدلا من السير باتجاه قصر الشعب من اجل استعادته، والسكن فيه، كان ولا يزال يجدر التوجه بالاحتجاج او بالنداء الى أمكنة أخرى، مثل عين التينة او بئر العبد او بيت الوسط او ربما الكليمنصو. هناك يجري التآمر  ويتم تفريغ القصر ويكبر الظلم اللاحق بعون وجمهوره وجماعته.
لكن الجنرال والجمهور والجماعة باتوا أشبه بطائفة جديدة ، تحتاج الى معاملة خاصة، تستقي من التاريخ اللبناني بعض التقدير للدور المسيحي والماروني في التأسيس والتكوين، وتحرص على تفادي الانجراف خلف مظلومية إضافية، تعطل البحث في المظلوميتين السنية والشيعية اللتين تهددان وجود لبنان وبقاءه، وتتسامح مع انحدار الحلم الرئاسي العوني الى لغة عصبية طائفية مستفزة في بعض الاحيان لجموع المسلمين.
الكفاح العوني يقترب من نهايته. نيل المنصب وفتح القصر يحتاج الى المزيد من الصبر والتروي. المسير الى بعبدا  لا يعكس هذا الشعور  بل يعاكسه، ويحرج الحلفاء ولا يضغط على الخصوم. هو يعبر عن توتر يفترض انه بات ينتمي الى الماضي، لكن ثبت مرة اخرى انه مقيم في السلوك العوني الذي يطلب حقاً رئاسياً من غير أهله ، وبأسلوب مثير للهزء حيناً وللاستفزاز أحياناً، خصوصا بعدما انطوى التيار العريض الى حالة "باسيلية" ، غير محببة وغير مستحبة ايضاً.
المعاملة الخاصة التي يستدعيها التيار العوني ، لا يمكن ان ترسم على طريق بعبدا بالذات، حيث لم يفلح العونيون لا في تقليد الشيعة ولا في استعارة مظلوميتهم التاريخية. شخصية عون بالتحديد لا تسمح بمثل هذه المقاربة، ورئاسة الجمهورية لا تبيح مثل هذه المقارنة. وكذا الامر بالنسبة الى الجمهور العوني الذي لم ييأس ولن ييأس لكنه يضيع اليوم في سلوك الدروب الرئاسية الموحشة.. من دون ان يدري أين يوجه مظالمه ومطالبه، ومن دون ان يشعر بالفعل ان فتح القصر أصبح قاب قوسين او ادنى.