لابد من الكشف عن واقع بنية العقل العربي ، وإستخراج ثوابته ومتغيراته واستخلاص نموذجه الصوري ، لذلك وجب على العلماء المفكرين الى احداث قطيعة تامة مع النية الحاكمة لهذا العقل ــ آلة القياس خاصة ــ والتي إنتقلت الينا مروراً بعصر الإنحطاط وامتداداتها الى الفكر العربي الحديث والمعاصر ، واستخراج في نقدها هذا ادوات منهجية من التراث نفسه ، معززة بمنجزات الفكر الحديث والمعاصر . والمطلوب هنا " الإستقلال التاريخي " للذات العربية من هيمنة نموذج الفكر السلفي التكفيري أو على الإجمال من هيمنة عقله المكون 1 ــ القبيلة ، والغنيمة ، والعقيدة الماضوية ، ولا بد من نفيها ونقد لما بقي ثابتاً في الفكر السياسي السني هو الإيديولوجيا السلطانية التي انتهت الى الإعتراف بشرعية الأمر الواقع . ونقد الإمامه في المذهب الشيعي ومنها التأويل والمراهنة على عودة المهدي بعد غياب دام حوالي 1200 عام . 2 ــ هرمية الكون ، وتقديس الحكام ووجوب طاعتهم وهيمنة العقائد الجبرية المترسبة في العقل السني والشيعي على السواء .  الحاجة الى أخلاق عربية وإسلامية نيِّرة أصيلة تكون بديلاً للآداب الفارسية ، والأخلاق اليونانية ، والصوفية ، والعربية الجاهلية ، وقد كان الكل من الفقه والكلام دور في عدم بروز الحاجة الى مثل هذه الأخلاق هي نفسها " الآداب الشرعية " وإما " علم الكلام " فقد إحتكر الكلام التي عبر المعتزلة عنه ب " خلق الأفعال " فكانت النتيجة إقصاء التدبير ومسؤوليته عن المجال البشري ، وهنا وقع الخطأ الكبير وقد حلَّ الكلام في صفات الله وأفعاله محل أخلاق البشر وسلوكهم وإعمار الأرض و البلدان . وكان الإهتمام بالعقل اللا شعوري الذي يؤسسه ، ان نقد طريقة النظري اي الفعل العقلي هو وحده النقد العلمي والمهدد لقيام قراءة علمية واعية والدفع بالعقلنة الى تصفية الحساب مع ركام الفكر في الواقع المر . إن سبب النزعة السلفية التي تطبع كل تيارات الفكر العربي الحديث والمعاصر لأنها مؤسسة فعلاً على طريقة واحدة في التفكير ، الطريقة التي سماها الباحثون العرب القدامى ب " قياس الغائب على الشاهد " الغائب هنا المستقبل والشاهد سلف اي التيارات السلفية ، وادعاء حصول المعرفة مباشرة من الله ، لقد ضحوا بجوانب أخرى من التصور الإسلامي القرآني للكون ، جانب النظام والإنسجام في خلق السموات والأرض وضحى الكثير منهم بالمسؤولية والأمانه التي حملها الإنسان . لذلك ينخرط السلفي في الماضي كحاضر حي ، وتستعيد الصراعات الأيديولوجية الماضية ، وتبحث له عن خصوم في الحاضر والمستقبل ترتب على هذا أن " القراءة السلفية للتراث قراءة لا تاريخية ، فلا يمكن ان تنتج سوى نوع واحد من الفهم التراثي للتراث " . اما الموروثات التي رسخت في الفكر العربي الإسلامي ــ اضافة الى الموروث السابق في فكر المعتزلة ــ فهي ما يلي الموروث الفارسي :  أخلاق  الطاعة هي الثابت البنيوي في هذا الموروث الفارسي ، انتقلت الى القيم الأخلاقية والسياسية في آواخر الدولة الأموية لتعثرها وحاجتها لترويج الى قيم الطاعة ، وكان كتاب الدواوين من الفرس الموالي ، فلم يجد هؤلاء لتلبية احتياج الدولة إلاّ القيمة الكسروية المتمثلة في " الطاعة التي خدمت الدولة الكسروية فهي " ملائمة لأن تخدم " الملك العضوض " الذي اليه نظام الحكم في الإسلام مع معاوية ، لتجعل من الخليفة الأموي كسرى جديداً . كسرى المسلمين بدل كسرى المجوس إستنسخ عبد الحميد " عهد اردشير " الرسالة التي كتبها بإسم مروان بن محمد الى ولي عهده الذي مات مع موت الدولة الأموية ، ولم تمت رسالة عبد الحميد فقد ورثتها الدولة العباسية مع البيئة العربية الإسلامية الجديدة هذه الظروف هنا وهناك هي التي غيبت " الفرد " المواطن ، فالفرد المواطن لا قيمة له هو مجرد ذرة من مكونات الدولة ، ولهذا كانت الأخلاق ثلاثاً : اما أخلاق السلطان القائمة على التفرد والتعالي ، واما اخلاق الموظفين فتقوم على الخدمة والحذر ، واما اخلاق العامة فعلى الطاعة والصبر ، ان اخلاق العامة الكسروية غير مشروطة  ــ قد فرضت نفسها كثابت بنيوي يخترق مفعوله جميع نظم القيم الأخرى .. و اما الموروث اليوناني : لقد كانت أخلاق السعادة هي الثابت البنيوي في هذا الموروث  الأخلاق ، وكان حضور الموروث الكسروي من أسباب استبعاد المؤلفات السياسية ل " أرسطو " و " افلاطون " من التأثير في الفكر الإسلامي .  واما الموروث الصوفي : اخلاق الفناء وفناء الأخلاق ، فهي الثابت البنيوي في الموروث الصوفي نجد  اصوله فيما قبل الإسلام ! في التصوف الفارسي ، والتصوف الهرمس في الإسكندرية وانطاكية وتأثير أزمة القيم الناجمة عن " الفتنة الكبرى " ، والقيمة الأساسية في هذه الأخلاق هي القيمة الكسروية ايضاً " الطاعة " المعطاة للشيخ من المريد ، والتوكل الذي يؤسسه الخوف من الآخرة .. وأخيراً الموروث العربي : أخلاق المروءة هي ملتقى المكارم والأخلاق في هذا الموروث ، تحصل ببذل الجهد وتحمل المشقة ، وهي تكسب صاحبها احتراماً وتقديراً ، ومن هنا كان شيخ القبيلة الجامع لصفات المروءة يتحول الى سيد قومه  ، فالمروءة تحوله من هذه الناحية هي الطريق الى الملكية نحو السؤدد الذي هو اسمى قيمة اجتماعية ارسقراطية في المجتمع العربي الجاهلي ، مجتمع اللا دولة ، والعجيب ان بعض المراجع القديمة تقر ان " من اخلاق المروءة عدم التكلم بالفارسية في مصر العربية " وكانت المروءة ، مفهوم قومي عربي ، والشعور القومي عنصر من عناصرها . " ومن هنا تأتي اهمية العز بن عبد السلام ، لقد تحرر من الإنغلاق الفقهي والكلامي ومن اغراءات الأسلمة : اسلمة آداب الفرس " الماوردي " وأسلمة اخلاق اليونان " الراغب الأصفهاني " واسلمة آداب السلوك الهرمسي " الغزالي " لقد تجاوز ذلك كله ورجع الى الأصل الى القرآن ، وقرأ " اللذين آمنوا وعملوا الصالحات " ككل لا يتجزأ ففهم الدين على أنه ايمان وعمل صالح كما ينادي بذلك القرآن .. ان " الإمتلاء بالثقافة والأخلاق العربية الإسلامية الحضارية النيرة ، هي ثقافتنا العربية القومية الديمقراطية المتحررة ، وهو امتلاء بالهوية والإنفتاح على الآخر بدونها هو الوقوع في الإستلاب والإختراق . "  هوامش : المفكر العربي أ . د . محمد عابد الجابري ، الباحث أ . د . عدنان إبراهيم  ، جوستاين غاردر  حول تاريخ الفلسفة ،  وقراءات أخرى متنوعة ..