عندما يخاف عالم الدين من الناس , فيرجو رضاهم حفاظا على منصب او مكان له في المجتمع , او طمعا في لقمة عيش يقتاتها من فتات الناس , فلا يمكن ان يؤتمن  على مصالح الناس ولا على شريعة الهية ولا على دين جاء لمصلحة الناس ولا على فكر انساني من شأنه ان يرتقي بالناس الى مراتب سلوكية اخلاقية حميدة ولا على ثقافة هي مسؤولة عن فهم الحقيقة , لان خوفه يجعله يتغاضى عن أخطاء كثيرة  وعن ارتكابات فظيعة باسم الدين والشريعة يقوم بها الناس , وانحرافات فكرية تؤدي الى انحرافات سلوكية خطيرة .

نحن لا نرى ان الفقيه او عالم الدين هو مخلوق فوق البشر , فلذلك هو مثله مثل الناس من جهة تأثره بما يحيط به اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا , الا انه يختلف عن الناس بما يحمل من علوم دينية ويتميز بها عن سائر الناس , هذه العلوم التي يحملها جعلته مسؤولا اكثر من غيره , جعلته مسؤولا عن نشر القيم الدينية الصحيحة وعن الاخلاقيات الحسنة عموما وعن ارساء قواعد العدل والحرية والمساواة , هذه هي المسؤولية التي حملها باختياره لا تسمح  له ان يطلب رضى الناس على حساب الدين والقيم والعدل والحرية , ولا تسمح له بتأسيس جماعات تدعو لشخصه بل عليه ان يدعو الناس الى دين الله , رضي مَن رضي او رفض مَن رفض .

للأسف ان ما نراه من سلوكيات بعض علماء الدين يدمي القلب والعقل معا , حيث انهم يتبّعون اسلوب الفنانين اذ يعطون ما يطلبه المستمعون طلبا لرضاهم واستئناسا بكثرة الجمهور المصفق , فلا يجرؤ البعض منهم على رد بدعة استحدثها الناس او على خطاب مذهبي يؤدي الى فتنة لا تصيبن الذين ظلموا خاصة , حيث لا يتجاهلون جهل الناس فحسب , بل يمضون ويوافقون على ثقافة سائدة لا تنتج الا تعصبا وجهلا وفتنتا .

 

 لقد حاول الناس  على عهد أمير المؤمنين علي (ع) ان يمارسوا ما تهوى انفسهم فكان جوابه ان قال وهو يعبّر عن حالهم :"ليس أمري وأمركم واحداً، إنني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفكسم" , فلم يقبل الامام علي عليه السلام ان يكون مطيعا لاهواء الناس وأهوائه , فقال ايضا : " أتأمرونني ان أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه ...",

لذا فان المطلوب من بعض علماء الدين " رجال الدين " ان يكونوا على قدر المسؤولية التي انيطت بهم باختيارهم , فيسعون جاهدين الى تكريس ثقافة الانفتاح والمحبة وثقافة الانسانية لان الدين يدعو الى ذلك , وان يكونوا قدوة في الخير والعدل والحرية تأكيدا لمقاصد الشريعة , وان يكون همهم رضى الله سبحانه وتعالى وليس رضى الناس , حيث قال رسول الله (ص) " رضى الناس غاية لا تدرك ".....!!!