يقوم الرئيس فلاديمير بوتين، وبسرعة، بتحويل روسيا إلى دولة خارجة على القانون، فمن المفترض بروسيا، كأحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن في الأمم المتّحدة، أن تتحمّل مسؤوليّة خاصّة في الدفاع عن القانون الدوليّ، لكنّ سلوك بوتين في أوكرانيا وفي روسيا لاتنتهك القواعد التي من شأنها نشر السلام عوضًا عن النزاعات فحسب، إنّما تنتهك، أيضًا، الأخلاق الإنسانيّة العامّة. تمّ استنتاج تلك الحقيقة المرّة مرّتين يوم الأربعاء؛ حيث كشف فريق تحقيق تقوده هولندا أنّ المنظومة الصاروخيّة (أرض-جو) والتي أسقطت الطائرة التابعة للخطوط الجوّيّة الماليزيّة فوق أوكرانيا، في 24 تمّوز/ يوليو 2014، وتسبّبت في مقتل 298 شخصًا على متنها، كانت قد أُرسلت من روسيا إلى الانفصاليّين المدعومين من روسيا، ثمّ عادت إلى روسيا في الليلة ذاتها. وقامت، في هذه الأثناء، الطائرات الحربيّة الروسيّة والسوريّة بتدمير مستشفيين في الجزء الذي يسيطر عليه الثوّار من مدينة حلب، وكان ذلك جزءًا من الاعتداء الذي يهدّد حياة 250.000 إنسانٍ في حربٍ تسبّبت، مسبقًا، في حصد 500.000 من حياة السوريّين. حاولت روسيا جاهدة في وضع اللوم، في حادثة تحطّم الطائرة، على أوكرانيا، لكنّ التقرير الجديد -والذي قام بإعداده فريق من ممثّلي الادّعاء العام من هولندا وأستراليا وبلجيكا وماليزيا وأوكرانيا- أكّد ما ذُكر سابقًا. استند التقرير إلى أدّلة بمعايير صارمة، وقام، وبشكلٍ دقيق، بتوثيق ليس فقط تحريك منظومة الصواريخ التي سبّبت الكارثة، إنّما، أيضًا، تستّر موسكو المستمر. كان وزير الخارجيّة الأوكراني، بافلو كليمكن، قد أخبر صحيفة النيويورك تايمز، الأسبوع الفائت، بأنّ حكومته عازمة على إحضار كلٍّ من روسيا والأفراد الذين أطلقوا الصاروخ ليمثلوا أمام العدالة. كما اتّهم بعض المسؤولين الغربيّين روسيا بارتكاب جرائم حرب، الأمر الذي يمكن متابعته عبر قنوات دوليّة، حتّى لو قامت موسكو بمنع تحويله إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة، وسيتوجّب الأخذ في الحسبان فرض عقوبات جديدة على روسيا، وأيًّا كان جواب السيّد بوتين على ذلك، والذي سيحاول من دون شك استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، فعلى الولايات المتّحدة أن تعطي دعمها لطلب أوكرانيا المحاسبة. يبدو أنّه لن يكون هناك قرار لمحاسبة السيد بوتين في سورية، فهو الذي قد تظاهر، ولعدّة أشهر، التفاوض على حلّ سياسي للحرب الأهليّة، المستمرّة منذ خمس سنوات، بين زبونه، الرئيس بشار الأسد، والثوّار المدعومين من الولايات المتّحدة وبعض البلدان العربيّة، لكن وعلى الرغم من استجداءات وزير الخارجيّة الأميريكيّة، جون كيري، والذي أنفق وقتًا وجهدًا كبيرين للتفاوض حول اتّفاقين منفصلين (ولم يدوما طويلًا) لوقف إطلاق النار، استمرّت القوّات الروسيّة و السوريّة، والمدعومة بقرق عسكريّة بريّة إيرانيّة، بالقيام بمجازرها. وخلال الأيّام القليلة الماضية، قام بوتين، لمرّة أخرى، بإظهار وجهه الحقيقي بقيامه بهجمات جويّة تضمّنت استخدام قنابل مخترقة للتحصينات، والتي في إمكانها تدمير المشافي تحت الأرض والمناطق الآمنة التي يلجأ إليها المدنيّون للحماية، وبتاريخ 19 أيلول/ سبتمبر قامت روسيا بقصف قافلة للمساعدات الإنسانيّة، والتي من المحرّم قصفها وفقًا للقانون الدولي، حالها كحال المدنيّين والمشافي. هدّد السيّد كيري يوم الأربعاء بسحب الفريق الأميريكي من جنيف، حيث قام الطرفان بتأسيس مركز للتعاون بهدف الوصول إلى اتّفاق وقف إطلاق نار، لكن لن يكون لذلك التهديد، على الأرجح، إلّا أثر قليل، كما يبدو أنّ السيّد كيري لا يمتلك إلّا أوراقًا دبلوماسيّة قليلة ليلعب بها، هذا إن كان يمتلك إحداها. رفض الرئيس أوباما، ولفترة طويلة، التدخّل العسكري المباشر في سورية، ويبدو أنّ السيّد بوتين يفترض أنّ السيّد أوباما لا يرغب في مواجهة روسيا خلال أشهر ولايته الأخيرة، والتي تشهد موسمًا انتخابيًّا عاصفًا، لكن وتحت تهديد سقوط حصن الثوّار في حلب بين أيدي الحكومة، قال مسؤولو الإدارة الأميريكيّة أنّه قد يُعاد طرح ذلك الخيار. يخال السيّد بوتين نفسه الرجل الذي أوكلت له مهمّة استعادة عظمة روسيا، وفي الواقع، نعم، تستطيع روسيا أن تكون قوّةً عظمى من أجل الخير، لكنّ سلوكها غير الواعي –في البطش بالمدنيّين في سورية وأوكرانيا، وضمّ القرم، وقرصنة حواسيب وكالات الحكومة الأميريكيّة وسحق معارضيها في الداخل- يقترح أنّ الشيء الأخير الذي تفكّر فيه هو أن تكون شريكًا بنّاءً في البحث عن السلام.

ترجمة أنس عيسى شبكة جيرون