يُستدلّ من قمّتين دوليتين في نيويورك أن العالم يعرف الحلول الصحيحة لمشكلة اللاجئين لكنه لا يملك الارادة ولا القدرة لتطبيقها، بسبب الاستعصاء الدولي في حلّ الأزمات، ولعل في "المهزلة" الحاصلة في سوريا دليلاً الى ذلك، رغم أن هناك ما يسمّى "اتفاقاً" اميركياً - روسياً. وعندما بدأت دوائر الأمم المتحدة وأمينها العام الحديث عن "اعادة توطين اللاجئين" كان ذلك مؤشّراً الى أن استمرار القتال واقتلاع السكان من مواطنهم في سوريا، للعام السادس على التوالي، وعجز الدولتين الكُبريين عن إنهاء الصراع، تعني أن الأزمة مفتوحة وأن التعامل مع تداعياتها الانسانية ينبغي أن ينتقل من الاجراءات الموقتة الى التدابير الدائمة. واللافت أن "إعادة التوطين" كانت بين المحاور الرئيسية في قمّتَي نيويورك، ما يعني أنها أصبحت جزءاً من الأجندة الدولية.
وسط هذه الاشكالية الدولية، المأسوية، لم يجد لبنان سوى أن يعلن "رفضه المطلق للاندماج ومنح الجنسية أو أي شكل من اشكال التوطين الدائم". وقد جاء هذا الموقف على لسان الرئيس تمام سلام، غير المشتبه بأي "عنصرية"، خلافاً لما هي حال الوزير جبران باسيل (الذي يقاطع جلسات الحكومة لكنه يرافق رئيسها ويجلس وراءه في المقعد اللبناني). وللمرّة الأولى يتضح أن الجانب اللبناني لا يعاني أي عقدة أو ارتباك طائفيَين اذ يطالب بـ "وضع خريطة طريق لعودة آمنة وكريمة للنازحين السوريين خلال 3 أشهر"، و"إعادة توزيع النازحين المقيمين في لبنان على دول المنطقة قبل نهاية السنة"... بل يتّضح أيضاً أن الموقف من التوطين ليس بين الخلافات اللبنانية التي بات من العسير احصاؤها.
لكن عودة النازحين أو اعادة توزيعهم، أو "المنطقة الآمنة النائية داخل سوريا" التي يقترح وزير العمل سجعان قزّي نقل النازحين اليها، مرتبطة كلّها بإرادة دولية تبدو اليوم معطّلة، على نحو مشابه تقريباً لتعطيل الدولة في لبنان، الى حدّ أن مسألة المناطق الآمنة لم تجد قبولاً حتى بين حليفين كتركيا واميركا. وفي حين أظهرت مبادرات الأعوام الماضية أن معظم الدول لم يفِ بالتزاماته لإيواء النازحين وتوفير مستلزمات العيش لهم، لا يبدو أن المجتمع الدولي سيهتزّ بمجرد تحذيره بأن اللبنانيين باتوا أمام "تحّدٍ وجودي"، أو بأن لبنان "معرّض لخطر الانهيار"، فهناك أربع دول عربية انهارت فعلاً وتعاني ضياعاً داخلياً وخارجياً في ادارة رأب صدوعها أو حتى تنظيم تقسيمها.
ما العمل اذا لم تُستجَب المطالب اللبنانية؟ ليس سرّاً أن القدرات والخيارات محدودة، وحتى لو أُغدقت المساعدات بوفرة فإنها لن تحلّ المشكلة. لكن مجلس الوزراء اللبناني يملك ما لا يملكه المجتمع الدولي، فلديه وزيران يمثّلان "حزب الله" المشارك في التهجير واقتلاع السكان في سوريا، فليُسأل "الحزب" اذا كانت لديه حلول للمشكلة وهل فكّر في إعادة النازحين عندما ساهم بطردهم من بيوتهم!..