فيما يَميل بعض المحيطين بالرئيس سعد الحريري الى إبرام ما يعتبرونه تسوية تقتضي إنتخاب العماد ميشال عون وتولّي الحريري رئاسة الحكومة، بضمانات محدّدة، لا يبدو أنّ الحريري قد حسَم أمره بعد لا سلباً ولا إيجاباً.ما لا يعرفه كثيرون أنّ ملفاً أكثر أهمية يتقدّم لدى الحريري على ملف التسوية الداخلية، وهو ملف ترتيب علاقته بالمملكة العربية السعودية التي يفترض أن يلتقي قيادات رفيعة فيها في الأيام المقبلة، تمهيداً للحسم في ملف شركة «سعودي أوجيه»، وفي القضايا التي يفترض أن تحسم والمتعلقة باستمراره، وإعادة تزويده بعناصر القوة اللازمة، من أجل انطلاقة جديدة.

تبعاً لذلك فإنّ العلاقة السعودية الحريرية، تبقى الأساس ومنها تولد النتائج السياسية، وتُحسم الخيارات، فإذا كان خيار الحريري الاستمرار، فهذا سيتمّ بدعم سعودي على كلّ الصعد، وهذا سيترجم سواءٌ سلَك طريق التسوية، أو قرَّر المواجهة، ولكلٍّ من الخيارين أدواته. أما إذا كان القرار الانسحاب من الحياة السياسية، وتهيئة البديل، فذلك ايضاً سيكون في صلب الاهتمام السعودي الذي ينصبّ اليوم على اليمن وسوريا والعراق، ويترك لبنان في أدنى قائمة الأولويات.

ما يبدو حتى الآن أنّ هناك قراراً سعودياً بإعادة تقديم الدعم للرئيس الحريري، لكن وفق قاعدة ومعايير وشروط سيتمّ تحديدها بالتفاصيل، وهي تعالج كلّ الملاحظات في الأداء والخيارات كما تتطرّق الى النظرة الى فريق العمل، وغير ذلك من التفاصيل.

هذا في ما يتعلق بما سيجري في الرياض. أما في بيروت، فالواضح أنّ هناك مَن يستعجل ترتيب التسوية الرئاسية، والقبول بالعماد ميشال عون، وهناك الى جانب الحريري مَن يُسوّقون لنظرية أنّ عودته الى السراي، تُكرّسه لاعباً أساسياً، وتفتح أمامه الابواب المغلقة في الرياض، كما تعيد له القدرة على استعادة ما خسره شعبياً.

لا تُخفي أوساط في «المستقبل» القلق من إمكان قبول الحريري بالتسوية، وتضع احتمالات عالية لهذا القبول، وتعتبر هذه الاوساط أنّ امام الحريري ثلاثة خيارات، الأول القبول بالتسوية مع ما تعنيه من دخول في حقل ألغام غامض في مرحلة ما قبل الانتخابات النيابية، والثاني هو اتخاذ القرار بالمواجهة، وهذا يعني الاستقالة من الحكومة والانسحاب من الحوار والاستعداد للانتخابات النيابية من موقع المواجهة والمعارضة، والثالث وهو احتمال ضعيف، يقود الى الانسحاب من الحياة السياسية، ولن يوافق أحد من تيار «المستقبل» على هذا الخيار.

في كلّ هذه السيناريوهات، بدا واضحاً أنّ خيار ترشيح النائب سليمان فرنجية سقط عملياً، وهو في انتظار مراسم الدفن، ولا سيما أنّ الحريري دخل فعلياً في مرحلة درس الخيارات البديلة، لكن لن يعلن أحد في «المستقبل» نعي هذا الخيار في انتظار التوقيت المناسب، الذي لن يكون إلّا وفق ما سيحصل بعد اللقاءات السعودية للحريري.

يبدو الحريري أمام مفترق طرق حاسم، فالسير بإنتخاب عون، سيعني عودته الى السراي، وربما تحصل خطوات مهمة إذا ما أُرفق ذلك بدعم سعودي سيترجم على شكل مساعدات حيويّة في بعض القطاعات الاقتصادية المهمة، لتسهيل مهمة الحريري، لكنّ كلّ ذلك يبقى مرتبطاً بطبيعة خطة التعويم السعودية، وتحديداً الى النظرة السعودية لمستقبل الحريري ودور الطائفة السنّية، وهذا عامل مؤثر في اتخاذ القرار بالسير في التسوية أو الذهاب الى المواجهة، ولكلٍّ من الخيارَين كلفته وأدواته، مع العلم أنّ العلاقة المتفجّرة بين المملكة وإيران مرشحة لمزيد من التصعيد، وهذا عامل له تأثيره الحاسم في استبعاد التسوية.

نقل أحد المطّلعين سماتِ حقبة مهمة عاشها الرئيس رفيق الحريري، عندما عارض التمديد. أراد النظام السوري يومها التمديد، وأراد أن يكون الحريري أوّل رئيس حكومة «مدجّن»، فقرّر الحريري ألّا يترأس الحكومة، وبعدما طرحت أفكار بتصحيح التمثيل المسيحي، أوعز لحلفاء مسيحيين في «قرنة شهوان» أن يقطعوا الطريق على كلِّ مَن يبدي شهوة للتوزير، وغادر معلناً عبارته الشهيرة: «أستودع الله هذا البلد الحبيب وشعبه».

يريد «حزب الله» أن يُكرّر مع الرئيس سعد الحريري ما فعله النظام مع والده، فأيّ خيار سيتّخذ؟ لن يطول الوقت لمعرفة الجواب.