يوم السبت الماضي قصفت طائرات حربية أميركية هدفاً في مدينة دير الزور السورية فطلعت صرخة نظام الأسد وروسيا وتساؤلاتهما عن أهداف القصف وظروفه. دافعهما الى ذلك كان أن "الضربة" استهدفت مركز الجيش في الجزء الجنوبي من المدينة وأنها أسقطت عشرات القتلى والجرحى. ولم ينفع الأسف الذي أبداه علانية المسؤولون الأميركيون لما حصل وقولهم أن طيرانهم ظنّ هؤلاء "دواعش". ورغم ذلك فإن امتناع واشنطن عن تقديم تفاصيل واضحة انتج صورة مشوّشة وضبابية عن الحادثة، وسمح لموسكو ودمشق بإغراق الاعلام المتنوّع بإشارات وإيحاءات نارية عن النيات الفعلية الأميركية.
كيف رأى مركز أبحاث أميركي عريق الحادث وآثاره؟
يشير تقرير وضعه أحد باحثيه الى أن الموقع الذي استُهدف هو مجموعة تلال مهمة جداً للدفاع عن مطار دير الزور الواقع على بعد 4 كيلومترات الى شمالها، والذي يسيطر عليه النظام وهو منطقة صحراوية على وجه العموم. ومنطقة النظام هناك محاصرة من "داعش" منذ أيار 2015. ويشير أيضاً الى أن وسائل اعلام عربية نشرت أو أذاعت أن معركة قاسية وقعت يوم السبت الماضي بين الجيش السوري و"داعش"، الذي كان يحاول مقاتلوه السيطرة على المنطقة التي قصفت انطلاقاً من جنوبها. في ذلك اليوم بالذات تعرّض جنود النظام الى ضربة جوية هناك. ورغم أن التقارير العسكرية الأميركية لم تشر الى أن القوات السورية التي استهُدفت نظامية أو ميليشياوية متحالفة معها فإن النتيجة كانت واحدة. وهي انقضاض "داعش" على الموقع واحتلاله ولكن لفترة قصيرة إذ استعاده الجيش السوري سريعاً. الا أن ذلك لا يحجب حقيقة مهمة هي هشاشة وضع الأسد في دير الزور، وهشاشة اتفاق وقف العمليات العدائية الأخير بين واشنطن وموسكو الذي قد يكون دخل مرحلة الانحلال.
طبعاً، يقول الباحث في التقرير نفسه، أن القيادة المركزية في الجيش الأميركي أصدرت بياناً يفيد أن طيران أميركا (التحالف) ظنّ أنه يستهدف موقعاً لـ"داعش" كان يترصدّه منذ مدة. لكن البيان أثار مجموعة أسئلة. منها كيف قصفت طائرات أميركية خطأً مركزاً ثابتاً للجيش السوري؟ "جبل تورده" حيث الموقع كان دائماً تحت سيطرة هذا الجيش مع استثناء بسيط بين شباط وآذار 2016. الى ذلك أفاد البيان أن الموقع المقصوف كان قُصف في السابق. لكن التصريحات السابقة للقيادة نفسها تجعل من الصعب تأكيد ذلك. ففي الأشهر الأخيرة ومن ضمنها أسابيع أخيرة أعلن "التحالف" شنّه ضربات جوية عدة قرب دير الزور. لكنها لم تحدّد يوماً الأماكن والمناطق. المرّة الوحيدة التي حدّد بيان موقعاً استُهدف وأُشير الى مكانه كان بعيداً عشرة أميال عن الموقع الذي ضُرب السبت الماضي. والأهم من ذلك هو أن "التحالف" لم يتدخل يوماً في أي معركة بين النظام و"داعش" في دير الزور، فلماذا فعل ذلك أخيراً؟
طبعاً، يلفت الباحث نفسه في تقريره، ربما كانت المعلومات الاستخبارية غير صحيحة وربما وقع خطأ بشري أو كانت المعلومات كاذبة. وقد حصل ذلك أكثر من مرة وأوقع ضحايا. ففي بلغراد عام 1999 استُهدفت سفارة الصين، وفي 2015 استُهدف مستشفى في أفغانستان. وفي مطلق الأحوال حصل الحادث بعد بدء تنفيذ الاتفاق الأميركي – الروسي لوقف النار والعمليات العدائية. واليوم يتبادل طرفاه الاتهامات بعدم احترامه.
ماذا يجب أن يحصل الآن؟
سواء أقدمت واشنطن على خطوات للمحافظة على الاتفاق أو أعادت طمأنة موسكو ودمشق، يجيب الباحث نفسه، على الأولى أن تدرك الأثار السلبية لعدم القيام بشيء. إذ على المدى القريب سيتابع نظام الأسد وروسيا اعتبار الحادثة عملاً مقصوداً هدفه إعطاء دير الزور لـ"داعش". واذا سقط الاتفاق يفقد "التحالف" آلية لفرز المعارضة المعتدلة عن المجموعات الراديكالية، وتضعف حوافز روسيا لمنع الأسد من الاستمرار في تجميد دخول المساعدات الإنسانية الى المناطق المحاصرة. وذلك كله يعطي بوتين عذراً كبيراً لعدم التعاون، علماً أن قراره الفعلي قد يكون كذلك منذ البداية. واذا كان كذلك فإن إجراءات بناء الثقة لن تُحدِث أي فرق. والعمل الوحيد الذي يجب أن تقوم به أميركا لتغيير هذا الوضع المستجد هو توفير مزيد من المعلومات عن "الحادثة" وخصوصاً التي من شأنها الإثبات للعالم أنها تحاول جاهدة القيام بكل التزاماتها في "الصفقة" أي الاتفاق الأخير مع الروس