يبدو أن أول تداعيات عملية "درع الفرات" التي تقودها فصائل "الجيش السوري الحرّ" بدعم تركي، شمال سورية، بدأت تظهر من خلال حصول تصدعات في ما يعرف بقوات "سورية الديمقراطية" التي تتشكل من عدد كبير من الفصائل، لكن يهيمن عليها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة. ويأتي ذلك في الوقت الذي ترد فيه معلومات من الشرق السوري عن ولادة فصائل جديدة مناوئة للأكراد، وتهدف إلى مقاتلتهم وتنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) والنظام السوري. والفصيل الأول الذي انشق عن "سورية الديمقراطية" هو "لواء التحرير"، عقب اشتباكات اندلعت، أخيراً، بين عناصر هذا اللواء ووحدات "حماية الشعب" الكردية التابعة لـ"سورية الديمقراطية" (قسد) في قرية القنيطرة بريف الرقة الشمالي، بعد انسحاب لواء التحرير من مدينة تل أبيض الحدودية. 

وبحسب الصفحة الرسمية للواء التحري، فإن عناصر الأخير دمروا سيارتين للوحدات الكردية وقتلوا مَن داخلهما، نافية ما أشيع من قبل بعض وسائل الإعلام الكردية حول اعتقال وحدات الحماية لقائد لواء التحرير عبد الكريم العبيد المعروف باسم أبو محمد كفر زيتا. وقال ناشطون إن الاشتباكات أسفرت عن سقوط نحو 10 قتلى من الجانبين. واستقدمت "سورية الديمقراطية" تعزيزات كبيرة من مليشيات "أسايش" و"حماية الشعب" من مدينة رأس العين بالحسكة إلى المنطقة للمشاركة في القتال ضد لواء التحرير، إلا أن عناصر اللواء تمكنوا من دخول الأراضي التركية وتسليم أسلحتهم للجيش التركي.

" وأعلن العبيد عن انسحاب لواء التحرير من مدينة تل أبيض إلى قرية القنيطرة لوجود بعض الإشكاليات مع وحدات الحماية. وقال في تسجيل مصوّر إن قيادات الفصائل المنضوية في تحالف (قسد) مهمشة بشكل كامل من قبل وحدات حماية الشعب. وأشار بالتحديد إلى "لواء الصناديد"، و"لواء ثوار الرقة" اللذين قال إن وحدات الحماية قطعت عنهما وعن لواء التحرير الطعام والشراب، مطالباً بتعهد من الولايات المتحدة بإعادة هيكلة هذه القوات.

وأوضح ناشطون أن سبب الاشتباكات يكمن في رفض لواء التحرير سلوك قوات "قسد" تجاه المكونات العربية والتركمانية في ريفَي الرقة وحلب الشرقي، وهو رفض تصاعد بعد دخول الجيش السوري الحر إلى مدينة جرابلس بدعم من الجيش التركي، إذ رفض اللواء القتال ضد قوات "الجيش الحر" في ريف منبج شرقي حلب.

في غضون ذلك، تداول ناشطون وقوع اشتباكات بين المليشيات الكردية ولواء أحرار الرقة (لواء الجهاد سابقاً) بقيادة فرحان العسكر، إذ استطاع عناصر اللواء السيطرة على عشر قرى بريف مدينة عين عيسى. وذكرت وكالة "عين عيسى الإخبارية" أن اشتباكات عنيفة دارت بين لواء أحرار الرقة والوحدات الكردية غربي مدينة عين عيسى، إذ استطاع "أحرار الرقة" السيطرة على عدد من القرى، وأسر 15 عنصراً من الوحدات الكردية.غير أن العسكر نفى حصول هذا الانشقاق، وقال في بيان له إن عناصره "مرابطون على الجبهات القتالية كجزء حيوي من هيكلية قوات سورية الديمقراطية بغرض مواجهة مرتزقة داعش". وهاجم العسكر قائد لواء التحرير، ووصف انشقاقه بأنه "قمة الخيانة بعدما قام ببيع ضميره لقوات الاحتلال التركي"، بحسب تعبيره. وانضم "لواء أحرار الرقة" رسمياً إلى "سورية الديمقراطية" لمحاربة التنظيم بمدينة الرقة وريفها في مارس/آذار الماضي. وشارك اللواء في غرفة عمليات "بركان الفرات"، وساهم في معارك طرد "داعش" من منطقة تل أبيض في ريف الرقة.

كما امتد الحديث ليصل إلى انشقاق في "لواء ثوار الرقة" بقيادة أبو عيسى. غير أن رئيس المكتب السياسي لجبهة ثوار الرقة محمود الهادي نفى في تصريح لـ"العربي الجديد" حصول أي انشقاق في اللواء أو وجود خلافات مع "سورية الديمقراطية"، وقال إن هناك اجتماعات بدأت قبل ثلاثة أيام بين الجانبين بغية التحضير لمعركة الرقة.

" وحول ما يقال عن تهميش المكوّن العربي وغيرها من الفصائل في قوات "سورية الديمقراطية" لصالح الأكراد، قال الهادي إننا "نقدم وجهة نظرنا وملاحظاتنا دائماً للإدارة". وأشار إلى أن "عدد لواء ثوار الرقة على الجبهة يفوق الألف مقاتل، بينما يصل عدد المقاتلين العرب في مجمل قوات سورية الديمقراطية إلى 8 آلاف مقاتل، وتبلغ نسبتهم حوالي 30 في المائة من مجمل هذه القوات". وأضاف أنه في جبهة ثوار الرقة يقوم المكون العربي بالدور الأساسي في إدارة المعارك، مشيراً إلى أن "لواء ثوار الرقة هو فصيل من الجيش الحر ضمن قوات سورية الديمقراطية".

وعن نظرتهم لما يدور في غرب الفرات من معارك بدعم تركي، أعرب الهادي عن أمله بأن يواصل "الجيش الحر" غرب الفرات معركته الأساسية في محاربة التنظيم والنظام السوري، وألا ينجر إلى معارك جانبية تخدم أجندات خارجية، بحسب تعبيره. وأوضح أن هناك التباساً في الإعلام بين "لواء ثوار الرقة" و"لواء أحرار الرقة"، مشيراً إلى أن الأخير هو ربما من لديه اختلافات مع "سورية الديمقراطية"، لكنها خلافات لم تتطور إلى انشقاق كما ورد في وسائل الإعلام، ولم تقع حتى اشتباكات بين الجانبين، معتبراً أن الأمر يتعلق بمحاولات تجري لسحب المقاتلين العرب من "سورية الديمقراطية" إلى "درع الفرات"، وجعل المنطقة الشرقية خالية من المقاتلين العرب، بالترافق مع حملة إعلامية نفسية معادية.

وسيطرت قوات "لواء التحرير" و"لواء ثوار الرقة" ومليشيات تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، في يونيو/حزيران 2015، على معظم مدن وبلدات ريف الرقة الشمالي بدعم جوي من طائرات التحالف الدولي.

وفي تعليقه على هذه التطورات، قال الصحافي عدنان حسين المقيم في مدينة الحسكة إن "هناك صعوبات أمام لواء ثوار الرقة تتمثل بالحصار من قبل طرفي الصراع؛ وهما الوحدات الكردية شمالاً والتنظيم جنوباً، إذ لا أمل له بالوصول إلى الحدود التركية إذا ما فكر بالانشقاق عن قوات سورية الديمقراطية". وأوضح لـ"العربي الجديد" أن للواء ثوار الرقة تجربة سابقة في الصدام مع الوحدات الكردية في تل أبيض، لكنه ما لبث أن تراجع ووضع من سانده، آنذاك، وهم العشائر العربية من المنطقة بريف الرقة، في مأزق كبير. ورأى حسين أنه "إذا استمرت الفصائل المنضوية تحت راية سورية الديمقراطية المحسوبة على الجيش الحر بتكرار سيناريو الانسحابات، فإن هناك ما يشي بانفراط عقد تحالف سورية الديمقراطية الهش أساساً؛ لأنه بني على توافقات غير وطنية". لكنه يعتقد أنه سيكون هناك تدخل من قبل الولايات المتحدة الراعية لهذا الحلف؛ بغية إعادة الأمور إلى السكة المرسومة لها.

" واستبعد حصول مزيد من الانشقاقات في المرحلة المقبلة؛ لأن هناك تحالفات لا يمكن المساس بها، وخصوصاً في ريف الرقة حتى تستمر "الخطة" في إطار ما يسمى بـ"الحرب على الإرهاب" المتمثل بالتنظيم. واعتبر أن الخلافات بين المكون العربي وأكراد قوات سورية الديمقراطية تتمثل أساسا في الدور الملغي لهذه التشكيلات، إذ تصادر الوحدات الكردية القرار لجهة مشروعها الخاص مع تهميش باقي الفصائل، لكن تحاول الأخيرة تجميل الموقف؛ بغية إظهار هذا التحالف على أنه يمثل أطيافا مختلفة من بنية المجتمع السوري.

غير أن أنباء وأجواء التمرد على قوات سورية الديمقراطية يتواصل ورودها من الشرق السوري، إذ أعلن تشكيل جديد يدعى "سرايا القادسية" استهداف سيارة نوع بيك آب تابعة لمليشيا وحدات "حماية الشعب" ومقتل من فيها، غرب عين عيسى بريف الرقة الشمالي على الطريق الدولي حلب ـ الحسكة. كما أعلن قبل يومين عن ولادة تشكيل آخر باسم "أجناد الحسكة" يهدف إلى محاربة الوحدات الكردية في الحسكة، والنظام السوري.

وتشكلت قوات "سورية الديمقراطية" بمحافظة الحسكة في أكتوبر/تشرين الأول 2015 وضمت فصائل من "الجيش الحر" والوحدات الكردية بدعم أميركي؛ بغية استعادة المناطق التي يسيطر عليها "داعش". ويضم هذا التشكيل نحو 27 وحدة عسكرية، تشمل مليشيات كردية وعربية وسريانية وأرمنية وتركمانية، عمودها الفقري هو وحدات "حماية الشعب".