رحل المفكر الاسلامي جمال البنا عن ثلاثة وتسعين عاما، ملتحقا بقافلة المفكرين النهضويين التنويريين العقلانيين من أمثال محمد اركون ونصر حامد أبو زيد ومحمد أحمد خلف الله وغيرهم، تاركا وراءه إرثاً من حوالى مئة وخمسين كتابا، كرّس القسم الأساسي منها لمناقشة الفقه الاسلامي، وقراءة النص الديني قراءة عقلانية وتاريخية، مجتهدا في قضايا متعددة بما يخالف رأي الاحزاب والتيارات الدينية، وقبلها رجال الدين. 

على غرار اسلافه، ناله من المؤسسة الدينية الرسمية ومن محتكري الاسلام ومفسريه وفق اهوائهم السياسية، نصيب وافر من الاتهام بالارتداد والهرطقة والكفر والالحاد. ولأنه شقيق مؤسس "الاخوان المسلمين" حسن البنا، ظل بمنأى عن اعتداء "الإخوان" جسدياً عليه، على رغم نقده الدائم لفكرهم ومسلكهم.
سعى البنا الى تحرير الفقه الاسلامي من أسر التقليد الذي سجنته فيه المؤسسات الدينية ورجالها، وأصدر فتاوى اتسمت بالجرأة، فرأى أن للمرأة حق الإمامة من الرجال إذا كانت أعلم بالقرآن، وقال إن الحجاب ليس اصلا من اصول الدين، تالياً ليس فرضاً على المرأة، وإن القرآن الكريم خص به نساء الرسول محمد، كما رأى ان شعر المرأة ليس عورة ليفرض عليه الحجاب او النقاب. في السياق نفسه، اعتبر أنه لا يجوز للرجل ان يطلّق زوجته منفردا، وذلك كونه تزوج منها بصفة رضائية، مما يوجب رضا الطرفين على الطلاق او الانفصال.   ورأى أن المرء لدينه او تحوله إلى دين آخر لا يستوجب حد الردة او القتل  لا اكراه في الدين، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). وذهب بعيدا في بعض اجتهاداته من قبيل أن التدخين أثناء الصيام لا يبطل الصوم وخصوصا لغير القادرين عن الإقلاع عنه. 
تناول البنا في مناقشاته الفقهية، الفكر السياسي الاسلامي التقليدي الذي يشكل اساسا تنهل منه التيارات الدينية والسلفية وخصوصا منها مقولة "الاسلام دين ودولة". مشى على خطى سلفه الشيخ علي عبد الرازق الذي كان اثار عاصفة عندما نفى ان يكون الاسلام دينا ودولة، فرأى "ان الاسلام دين وامة وليس دينا ودولة"، مشددا على ان نظرية التوحيد بين الدين والدولة انما وضعها الفقهاء المسلمون في سياق تكوّن الدولة الاسلامية منذ العهود الاولى للاسلام، وكانت بالتوافق مع المؤسسة السياسية التي ارادت من هذه النظرية اعطاء مشروعية لسلطتها المستمدة من الدين ومن الحق الإلهي. لذا شدد في معظم كتبه على ضرورة وضع حدود فاصلة بين الدين والسياسة، في زمن يوظَّف فيه الدين لصالح السياسة ويعطي المشروعية لأنظمة الاستبداد. كما قال في هذا المجال بنفي وجود الدولة الدينية في الاسلام، ودعا الى تكريس الدولة المدنية وفصل الدين عن السياسة. وذهب الى نفي حصرية البحث في شؤون الدين على الازهر ورجاله، بل من حق كل انسان التعمق في النصوص الدينية واجراء البحوث فيها استنادا الى العقل والقراءة التاريخية لهذه النصوص واسباب نزولها والظروف التي صدرت في ظلها، ومدى توافقها مع العصر الراهن وحدود ما هو صالح نأخذ به، وما تقادم عليه الزمن يرمى جانبا.
سعى البنا في تجديده للفكر الاسلامي الى نزع الأساطير والخرافات التي سجنه فيها الفقهاء على امتداد التاريخ الاسلامي، والتي استخدمتها الأنظمة السياسية في تكريس سلطتها وهيمنتها على المجتمعات العربية والاسلامية. كان يريد ان يواكب الاسلام العصر، وان يتوافق مع مقتضيات التطور العلمي والتكنولوجي. كان يرى ان تخليص هذا الفقه من القيود شرط رئيسي لازالة صفة التخلف عن الاسلام ولمنع رميه بالارهاب، وخصوصا ان هذه الصفة تلتصق به اليوم من جراء ممارسة التيارات الدينية المتطرفة التي تستند الى تفسير خاص للنص الديني لتبرر به ممارساتها العنفية، كما تستند الى فقهاء اجتهدوا في تشريع هذا العنف.
 لم يكن حسن البنا يوما على وفاق مع جماعة "الإخوان المسلمين"، وكان دائم النقد لإطروحاتهم، وعندما اندلعت الانتفاضة المصرية، استبشر خيرا بها، لكنه ظل حذرا من سيطرة "الاخوان" عليها، لذا كتب في مدوّنته التي تحمل اسمه على الانترنت نصوصا عدة تقرأ اللحظة الثورية المصرية، وفي احدها المنشور بتاريخ 15 شباط 2012 يقول ناقدا الأداء السياسي لـ"الإخوان" بعد الثورة أن "جماعة الإخوان منظمون ومؤمنون لكن الثورة لم تكن ملكهم أو أنهم قد فكروا بها، بل عندما وجدوها جادة شاركوا فيها، ولكن لديهم داء عدم الايمان إلا بفكرتهم ولا يتبعون إلا فرديتهم ولا يعملون مع الآخرين وهم الآن يفرضون وصايتهم على الأشياء".