وضع التوغل التركي البري في شمال سوريا وما تلاه من اشتباك مع "وحدات حماية الشعب" الكردية الولايات المتحدة في موقف صعب. فالطرفان المعنيان حليفان لها، وأي إنحياز الى هذا الطرف أو ذاك مكلف سياسياً وعسكرياً. وإذا كانت الضغوط الاميركية أفضت الى هدنة الامر الواقع، فإن من الصعوبة بمكان التوفيق بين ما يطالب به أكراد سوريا والغاية التي أطلق من أجلها الرئيس التركي عملية "درع الفرات".

وليس مستغرباً ما أوردته صحيفة "الوول ستريت جورنال" من ان أميركا فوجئت فعلاً بالتوغل التركي البري في هذه اللحظة بالذات التي كانت فيها "وحدات حماية الشعب" التي تؤلف العمود الفقري لـ"قوات سوريا الديموقراطية" تنجز المطلوب منها أميركياً على صعيد الهجوم على "داعش" وخصوصاً بعد طرد التنظيم الجهادي من منبج. ولعل ما لم تدركه أميركا هو أن نجاح المقاتلين الاكراد في منبج وتطلعهم الى جرابلس لم يتركا أمام اردوغان إلا أن يسبقهم الى هناك.
وعندما دعت الولايات المتحدة تركيا قبل عام للدخول براً الى شمال سوريا لقتال "داعش" تلكأ اردوغان واختلق الاعذار حتى بات مثل هذا الدخول مستحيلاً بعد التوتر مع موسكو اثر اسقاط مقاتلة تركية قاذفة روسية على الحدود السورية - التركية في تشرين الثاني من العام الماضي. وقد دفع ذلك واشنطن الى الاتكاء على "وحدات حماية الشعب" شريكاً برياً في الحرب على "داعش".
لكن تزايد الدعم الاميركي للمقاتلين الاكراد السوريين وتوسعهم على نطاق جغرافي - سياسي ربما حملا أردوغان على "ابتلاع كبريائه"، على حد تعبير موقع "الدايلي بيست" الاميركي، والذهاب الى روسيا لابداء الأسف للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأنه بدا في سباق مع الوقت من أجل قطع الطريق على دولة كردية سورية على طول الشريط الحدودي لجنوب تركيا.
ولأن واشنطن تدرك أن الدخول التركي البري لن يكون محصوراً بـ"داعش" فقط وحده، فإن موقفها زاد صعوبة في مهمة التوفيق بين أنقرة وأكراد سوريا، لأن الانزلاق الى حرب صريحة بين الجانبين سيدخل الحرب السورية في مرحلة جديدة ويترك الكثير من الانعكاسات السلبية على حرب أميركا على "داعش" وعلى الضغوط الاميركية لاستنزاف النظام السوري من جهة أخرى.
وما يهم واشنطن في هذه اللحظة هو عدم نشوء إصطفافات جديدة في سوريا من شأنها تعقيد الحرب على "داعش" أو حصول تطورات تريح النظام في دمشق، خصوصاً أن اسئلة كثيرة بدأت تطرح عما اذا كانت ثمة علاقة بين ما يحصل في الشمال السوري وما حصل في داريا والمعضمية ومضايا قرب دمشق وحي الوعر في حمص في الايام الاخيرة، وهل كان انفجار الوضع في حماه اعتراضاً من طرف ما على ما يعتبره صفقة تجري بمعزل عنه؟

 

سميح صعب