بدأ التفاؤل الذي خيم خلال الأيام الأولى من كسر الحصار على الأحياء الشرقية من مدينة حلب، التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية، يخبو، وسط قصف روسي سوري عنيف على مواقعها، ازداد شراسة خلال اليومين الأخيرين.
وكانت فصائل المعارضة، عقب تحقيقها تقدما استراتيجيا في 31 يوليو بمنطقة الراموسة والكليات العسكرية أفضى إلى كسر الطوق عنها واقترابها من عكس الآية، قد أعلنت عن معركة كبرى لاستعادة المدينة كلها التي تقاسم النظام السيطرة عليها، متعهدة بأن إعلان النصر سيكون قريبا.

ولكن هذا الإعلان لم يجد طريقه إلى التطبيق بعد، ما دفع البعض إلى القول إن الفصائل المقاتلة تعوزها القدرة العسكرية في ظل النقص الذي تعانيه في العدة والعتاد وكثافة القصف الجوي، فيما ذهب البعض الآخر إلى الإقرار بوجود قرار تركي لتخفيف الدعم بانتظار ما ستسفر عنه المشاورات المكثفة مع كل من روسيا وإيران التي سيزورها الرئيس رجب طيب أردوغان الأسبوع المقبل.

ومعلوم أن تركيا تعتبر الداعم الرئيسي لفصائل المعارضة وأساسا الإسلامية منها في شمال سوريا وبخاصة في محافظة حلب.

وهذه ثاني زيارة يقوم بها أردوغان إلى دولة أجنبية بعد روسيا وذلك عقب الانقلاب الفاشل الذي تعرض له. وتشي هذه الزيارة بأن الأزمة السورية ستتصدر اللقاءات مع كبار المسؤولين الإيرانيين.

وحاولت الفصائل السورية إيجاد تبريرات مختلفة لعدم انطلاقة معركة استعادة المدينة.

وقال أبويوسف المهاجر المتحدث العسكري باسم حركة أحرار الشام الإسلامية (أحد فصائل جيش الفتح)، إن المعركة في حلب ستكون طويلة أو على الأقل متوسطة المدى كونها مدينة كبيرة من الناحية السكانية والعمرانية، لافتاً إلى “تعيين مدة زمنية لها أمر لن يكون صحيحاً أو دقيقا”، وفق تعبيره.

ونوه المهاجر إلى أن أولوية فصائل المعارضة حالياً هي تأمين الطريق الذي شقته من ريف حلب الجنوبي الغربي إلى المدينة مؤخراً، مشيراً إلى أن الطريق يتعرض لقصف مكثف من الطيران الروسي ما أسفر عن العشرات من القتلى والجرحى خلال الأيام الأخيرة .

وأكد المتحدث أن هذه المعركة (معركة حلب) تقاد من خلال غرفة عمليات ذات تنسيق عالٍ، وتشهد اجتماع القادة العسكريين للفصائل، إضافة إلى التحرك بأمر عسكري واحد والانضباط بتنفيذ الأوامر المعطاة، معتبراً أن “ما ميز هذه المعركة أن جميع الفصائل دخلت باتجاه الهدف نفسه ولكن من عدة محاور، فلم يكن هناك تشتت في الأهداف”.


ياسر عبدالرحيم: النظام يعتمد استراتيجية إطالة المعركة في حلب لتثبيط عزيمة المعارضة
وتطرق المهاجر إلى أهمية مدينة حلب كإحدى أكبر مناطق التجمع لقوات النظام والميليشيات المساندة له في البلاد، معتبراً أن “سقوطها سيكون النهاية الحتمية لبشار الأسد(رئيس النظام)”.

وقال الرائد ياسر عبدالرحيم قائد غرفة عمليات “فتح حلب”، (تجمع لفصائل معارضة في حلب) إن “الاستراتيجية التي يتبعها النظام في حلب هي إطالة عمر المعركة لقتل نشوة الانتصار وروح الاندفاع لدى فصائل المعارضة إلا أن الأخيرة حسمت أمرها وهي مصممة على تحرير المدينة وطرد قوات النظام والميليشيات الطائفية المساندة له منها”.

وأشار عبدالرحيم إلى أن الانسحابات الكبيرة التي قامت بها قوات النظام خلال الهجمة الأخيرة لفصائل المعارضة على ريف حلب الجنوبي الغربي “أثبتت هشاشته وإمكانية هزيمته بشكل كامل في المدينة”.

ويتحصن الجيش السوري والميليشيات الموالية له بمدينة حلب في كل من “الأكاديمية العسكرية” على مدخل المدينة الغربي، و“فرع المخابرات الجوية” (فرع استخبارات تابع للنظام) شمال غربي المدينة، وفرعي “الأمن العسكري” و”الأمن السياسي”(فرعا استخبارات تابعان للنظام) وسط المدينة، ونادي الضباط بحي الأعظمية.

واعتبر قائد غرفة عمليات “فتح حلب” أن الصعوبات التي تواجه فصائل المعارضة في عملياتها العسكرية بحلب، تتمثل في خذلان المجتمع الدولي والعالم وصمتهما على المجازر التي ترتكب بحق المدنيين من قبل طيران النظام السوري ونظيره الروسي.

وسُجل الخميس، قصف مركز من قبل الطيران السوري والروسي على المواقع التي استعادتها فصائل المعارضة.

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن “تشن الطائرات السورية والروسية العشرات من الغارات يوميا على محافظة إدلب وريف حلب الغربي لمنع الفصائل من إرسال تعزيزات إلى مواقعها في جنوب مدينة حلب”.

وأحصى المرصد السوري الأربعاء مقتل 25 شخصا يتوزعون بين 15 مدنيا وعشرة مقاتلين جراء هذه الضربات على مدينة إدلب التي تعرضت الخميس لضربات جوية مماثلة.

واعتبر العميد المنشق عن الجيش السوري والقيادي في الجيش الحر أحمد بري أن المرحلة القادمة من معركة حلب ستكون “الأصعب”، بسبب غياب عنصر “المفاجأة” الذي تحقق بشكل كامل في المراحل السابقة، إضافة إلى أن النظام السوري والميليشيات “الطائفية” التي تسانده ومن بينها حزب الله اللبناني، قد وصولوا إلى مرحلة “الاستماتة”، أي إما “الموت أو البقاء”، حسب قوله، لافتاً إلى إمكانية قيام روسيا بأعمال أشد قسوة من السابق لأن الخسارة في حلب تعتبر خسارة لها خاصة أنها زجت بكامل ثقلها وقوتها لكسر المعارضة وحتى اليوم لم تنجح في ذلك.

وأبدت موسكو الخميس استعدادها لتمديد الهدنة الإنسانية التي أعلنتها منذ أيام في حلب إلى 48 ساعة اعتبارا من الأسبوع المقبل، وفق ما أعلنه الناطق باسم وزارة الدفاع إيغور كوناشينكوف.

وتعرضت روسيا في الفترة الأخيرة لضغوط شديدة لتمديد هذه الهدنة التي كانت حصرتها في ثلاث ساعات فقط يوميا.

وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في وقت سابق، إن قوافل المساعدات الإنسانية لم تتمكن من دخول أي من المناطق المحاصرة في سوريا منذ شهر بسبب المعارك، مجددا دعوته روسيا إلى تمديد الهدنة في حلب.

صحيفة العرب