الاشتباك السوري مع الأكراد ليس جديدا، لكن قصف دمشق لمواقع كردية سورية الخميس أثار تساؤلات بشأن ارتباطه بالتقارب الروسي التركي الإيراني، واتفاق طهران وأنقرة على تنسيق المواقف لمنع توسع النفوذ الكردي في المنطقة.
وقال متحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية السورية والمرصد السوري لحقوق الإنسان إن طائرات حكومية قصفت مناطق يسيطر عليها الأكراد في الحسكة بشمال شرق البلاد الخميس لأول مرة خلال الحرب الأهلية الدائرة منذ أكثر من خمس سنوات.

وذكر المتحدث ريدور خليل أن الضربات الجوية أصابت مناطق كردية من المدينة، ومواقع لقوات الأمن الداخلي الكردية المعروفة باسم الأسايش.

وتصاعد التوتر منذ الثلاثاء بين القوات الحكومية وجماعات كردية في الحسكة مما أدى إلى تفجر أسوأ موجة عنف بين الطرفين منذ قتال استمر عدة أيام في أبريل بالقامشلي.

وأعلنت وحدات حماية الشعب الكردية في بيان أنها “لن تصمت” على هجمات الحكومة السورية بما في ذلك ضربات جوية في الحسكة وصفتها بأنها اعتداء سافر.

وقالت الوحدات في البيان “نحن في وحدات حماية الشعب لن نصمت على تلك الهجمات الهمجية السافرة ضد شعبنا وسنقف بحزم لحمايته. كل يد ملطخة بدماء شعبنا ستحاسب على ذلك بكل الوسائل المتاحة والممكنة”.

وكانت الاشتباكات قد اندلعت مباشرة منذ أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية الجزء الأكبر منها، سيطرتها على مدينة منبج القريبة من الحدود مع تركيا في نهاية عملية استمرت شهرين، وذلك بدعم جلي من الولايات المتحدة.

ودفع هذا التزامن محللين ومراقبين إلى التساؤل عن طبيعة هذا الاشتباك: هل هو هادف إلى تذكير الأكراد بقدرة الحكومة السورية على كبح جموحهم ورغبتهم بالتمدد، أم هو مرتبط بالتحولات الإقليمية في الملف السوري.


علي باكير: من المبكر تفسير القصف على أنه خطوة من الأسد وإيران للتقرب من تركيا
واعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس أن المقاتلين الأكراد شمال سوريا يهددون أمن تركيا، معلنا أن بلاده ستتحرك ضدهم إذا لزم الأمر، وذلك ما يدعم وجود تنسيق تركي سوري مشترك ولو بشكل غير مباشر عن طريق روسيا أو إيران.

وسعت أنقرة إلى الحصول على دعم روسي إيراني لمواجهة صعود دور أكراد سوريا الذين تعتبرهم واشنطن القوة الأكثر تنظيما وقدرة على طرد تنظيم داعش من الأراضي السورية.

وقاد الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة للمقاتلين الأكراد إلى توتر دبلوماسي مع أنقرة التي هرولت باتجاه موسكو وطهران على أمل بناء تحالف جديد قد يضم الرئيس السوري بشار الأسد الذي لا يخفي قلقه من تغول الأكراد، حتى وإن استدعى الأمر اعتذارا تركيا للأسد شبيها بالاعتذار لبوتين.

ولم تعد أنقرة تهتم بمجريات الحرب الميدانية في حلب عدا تصريحات عامة لتسجيل الحضور وسط تسريبات عن أن الرئيس التركي لم يمانع خلال زيارته لموسكو بإحكام مراقبة الحدود ومنع تسلل مقاتلين أجانب إلى سوريا.

وقال الباحث في الشؤون التركية والإيرانية علي حسين باكير لـ”العرب”: نعم. في المبدأ لا يوجد إلى الآن أي اتفاق بين تركيا وإيران أو تركيا وروسيا حول تصنيف الحزب الكردي الذي يتزعمه صالح مسلم كجماعة إرهابية أو حول سبل مواجهته.

وأضاف باكير “لا شك أن موسكو وطهران باتتا تتفهمان بكل وضوح ماذا يعني الموضوع بالنسبة إلى الجانب التركي، لكن باعتقادي لا يزال من المبكر تفسير قصف النظام للبعض من مواقع الميليشيات الكردية على أنه خطوة من النظام وإيران للتقرب من تركيا.

وأشار إلى أنه “قد تكون هذه الاشتباكات محاولة غزل وتقرب نعم، لكن يجب علينا الانتظار لنرى ما إذا كانت حدثا معزولا أو خطأ أو سياسة ممنهجة”.

وذكّر الباحث في الشؤون التركية والإيرانية بأنه “سبق للنظام أن اشتبك عدة مرات مع الميليشيات الكردية التي يجمعه بها تقاطع في المصالح ويتم استخدامها كأداة بين الحين والآخر ليتبين في ما بعد أن المعركة بين الطرفين كانت لتحديد نفوذ كل منهما وليس للتقرب من تركيا وقد يكون نفس الأمر من جديد”.

ومن الواضح أن أولوية الحرب على داعش جعلت واشنطن تراهن على ورقة الأكراد غير مبالية بخسارة حلفائها داخل المعارضة السورية، أو لدى الدول الإقليمية. وتخلت بذلك عن لعب أي دور في الحل السياسي لفائدة روسيا التي صارت محور الاتصالات والمشاورات.

ولا يتوقع المراقبون أي تعديل في الموقف الأميركي حاليا بانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر، والتي قد تكون فرصة لتجاوز قصور استراتيجية أوباما.

صحيفة العرب