يستمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سياسته الجديدة المنفتحة على دول الإقليم وإعادة تدوير الزوايا معهم ومن هذه الدول إيران التي لم تنقطع العلاقات معها طوال الأزمة السورية ولم تشهد فترات توتر غير طبيعية إن على مستوى الخطاب أو العمل العسكري الميداني المباشر، فالدولتان يفهمان أهمية المصالح المشتركة بينهما وبالأخص العنوان الإقتصادي حيث يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من 8 مليارات دولارات سنويا وهو مرجح للإرتفاع في مجالات الطاقة والغاز والنفط.
علاقة مميزة:
بحكم الجغرافيا والتاريخ قد يفهم المراقبون أهمية العلاقات بين تركيا وإيران ولكن لو أضفنا عليها بعدا جديدا متعلقا بهوية من يحكم البلدان نفهم المدى الإستراتيجي لهذه العلاقة خصوصا في عهد أردوغان.
فأردوغان ينتمي لمدرسة الإخوان المسلمين وهو المحامي الأول عن مشروعها في المنطقة العربية وخصوصا في مصر أما إيران فتحكمها ولاية الفقيه التي إستندت إلى العديد من أدبيات الإخوان لجهة الدعوة والعمل والحكم وإستلهمت كثيرا من منظري الإخوان المسلمين وفي طليعتهم السيد قطب.
فالعلاقة بين إيران وتركيا أردوغان هي علاقة الإسلام السياسي في آخر قلاعه في هذا العالم ومن هنا يفهم حرص إيران على بقاء أردوغان في السلطة عند محاولة الإنقلاب لأنها تدرك مسبقا أن سقوط أردوغان في هذه اللحظة التاريخية هو ليس سقوط شخصي بل سقوط لمشروع الإسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني وأيضا يفهم حرص إيران على حكم مرسي في مصر وتوافق السياسية الخارجية الإيرانية مع تلك التركية حول إدانة الإنقلاب الذي حصل في مصر وأطاح بحكم الإخوان.
الوضوح يتجلى أكثر عندما ندرك أن قطر حليفة تركيا في المشروع الإخواني هي أيضا ليست بعيدة عن إيران ولم تنقطع علاقتها معها وإلى اليوم لا تزال الإتصالات مستمرة وعلى مستوى رفيع بين المسؤولين القطريين والإيرانيين.
فلكي تحلل العلاقة التي تربط بين تركيا وإيران يجب إدراك حقيقة مشروع الإسلام السياسي الذي يرتكز كلاهما عليه وسقوط أحدهما هو سقوط للآخر.
الإختلاف حول الأزمة السورية:
شكلت الأزمة السورية محطة خلاف عميقة بين الدولتين ولكنهما حرصا على حصر الخلاف داخل سوريا وفصلها عن باقي المواضيع.
حلب تشكل معركة مصيرية للجميع ومن يحسمها يمتلك قوة تحديد مستقبل سوريا الغد.
لكن حلب ليست كل الأزمة السورية، فهناك خطر قديم جديد يشكل نقطة إلتقاء لكل من تركيا وإيران وهو الخطر الكردي.
فالأكراد يطمحون لبناء دولتهم التي تشمل سوريا والعراق وإيران وتركيا وهذا يعني تقسيم أو إجتزاء أراض من تركيا وإيران وكلاهما يرفضان ذلك لأن التقسيم يضعف دورهما على المستوى الإقليمي.
فالخطر الكردي هو من الملفات الأساسية التي تجمع بين تركيا وإيران وتشكل هاجس يومي لهما خصوصا إذا حاز على دعم أميركي.
وتأتي زيارة الدكتور محمد جواد ظريف لتركيا في هذا السياق الطبيعي وبعد تحقيق تقدم نوعي للأكراد في منبج وإن كان عنوان الزيارة هو التهنئة بفشل الإنقلاب والمصالح الإقتصادية.
دعوة نصر الله التصالحية مع داعش والنصرة:
تدرك أيضا تركيا وإيران أن أقوى الفصائل العسكرية الموجودة في سوريا اليوم هي حزب الله وداعش والنصرة وهم وحدهم قادرون على الإطاحة بالمشروع الكردي الذي سينقلب على الجميع.
ولكن هذه الفصائل متخاصمة وتقاتل بعضها البعض ولو علنا ولا يمكن إفشال هذا المشروع إلا بتقاربهم وتنسيقهم.
جاءت دعوة السيد حسن نصر الله النوعية والصادمة لتؤسس لمرحلة جديدة قد تشهدها الأزمة السورية.
فهي دعوة نوعية لأنها الأولى من نوعها بهذه الصراحة والجرأة والتوقيت الذي ترافق مع زيارة ظريف لتركيا وصادمة لجمهوره الذي يعيش منذ 5 سنوات على دعاية أن هؤلاء إرهابيون ولا يجمعنا شيء معهم وهم يريدون محونا من الوجود.
دعوة نصر الله كفيلة بإسقاط شعارات مقدسة رفعت لمدة من الزمن وساهمت في خلق وعي جماعي عند جمهوره رافض كليا لهذه الجماعات.
لكن بعيدا عن هذا، تأتي الدعوة من نصر الله لتحذر هذه الجماعات وخصوصا داعش من خطر محدق بها حصره نصر الله بالأميركي.
لكن هذا الأميركي من يدعم عسكريا ولوجستيا وبطريقة مباشرة في سوريا لمحاربة داعش؟
إنها قوات سوريا الديمقراطية القوة العسكرية الأولى لأكراد سوريا والتي تحارب داعش وطردتها من منبج وأعلنت حكم فيدرالي في الإقليم الكردي السوري.
فدعوة نصر الله للمصالحة مع هذه القوى بدأت من طهران وتركيا لمحاربة الأكراد وإفشال مشروعهم التي تدعمه أميركا.
والآن، ليس غريبا أن تركيا علاقتها بأميركا سيئة وكذلك إيران وليس غريبا أن الأكراد يتقدمون بدعم أميركي في سوريا وهذا ما لا ترضاه إيران وتركيا ويعتبروه خطرا وجوديا على كيان دولهم، وعندما يصل الخطر لمستوى كياني يتحالف من يظن أنفسهم بأنهم ملائكة مع الشياطين.
وعليه، ليس مستغربا أن نجد عناصر حزب الله قريبا يقاتلون في صف واحد مع داعش فيعود أبو بكر البغدادي إلى الهدنة التي وقعها بن لادن مع إيران مسبقا.