أولاً: الدخول الروسي الفظّ..
عندما تعرّض العرب لضربة إسرائيلية ماحقة في حزيران عام ١٩٦٧ ،وأسفرت خلال ستة أيام فقط عن احتلال أراضي ثلاث دول عربية، بالإضافة
إلى وضع اليد كاملة على ما تبقّى من أرض فلسطين التاريخية، لم يحرك الاتحاد السوفيتي (أي روسيا) ساكنا، صحيح أنّهم أعادوا تسليح الجيوش العربية بعد الهزيمة، إلاّ أنّهم لم يحركوا ساكنا عندما أقامت الولايات المتحدة الأميركية جسرا جوياً عسكريا لمدّ يد العون لإسرائيل في حرب أكتوبر عام ١٩٧٦، فقلبت هزيمتها انتصارا عسكريا آخر في ميادين القتال، أمّا اليوم فقد تجشّمت روسيا عناء نقل ترسانة عسكرية كاملة، وتدخل مباشر بسلاح الجو في الأحداث السورية، وذلك للحفاظ على النظام السوري الاستبدادي ورأس هذا النظام، فنجحت في ذلك حتى الآن، وباعتمادها نقل طائرات عسكرية إلى قاعدة همدان لاستعمالها بالهجوم على أهداف سورية، يكون التحالف الإيراني الروسي قد بلغ مداه، وذلك بتحالف "رأس الكفر" بالمنظور الإسلامي مع "رأس الإيمان" ، وهذا قولٌ للنبي عندما انبرى الفتى علي بن أبي طالب لمبارزة عمرو بن عبد وُدّ العامري: الآن خرج رأس الإيمان لمبارزة رأس الكفر، اليوم يتحالف رأس الكفر ورأس الإيمان على دماء العرب في سوريا ونواحيها.
ثانياً: الوجود الإيراني المتمادي..
تدخّلت الجمهورية الإيرانية في شؤون الأمة العربية، حتى غطّت مشرقها بأكمله، من اليمن حتى لبنان حتى إمارة غزة في فلسطين، ولم تترك شبراً إلاّ وتركت فيه بصماتها، فبعد الاطباق شبه الكامل على وضع لبنان، والتدخلات المباشرة وغير المباشرة في اليمن والبحرين والعراق والسعودية، دخلت في حرب شرسة لإنقاذ النظام السوري، وزجّت بالقوة العسكرية التي يمتلكها حزب الله اللبناني، وإذ لم تُفلح، وكاد النظام أن يتهاوى أكثر من مرّة، جاء الحليف الروسي مُغطّى بشرعية النظام السوري، فعمل على إنقاذه وإنقاذ حلفائه، وهم إذ يستشعرون مخاطر القوى المعارضة وهجومها الأخير لفكّ الحصار عن حلب، يطورون تفاهمهم مع الإيرانيين و"يستوطنون" في قاعدة همدان الإيرانية، وسط منابع النفط، بحجة مهاجمة داعش والتكفيرين، فإذ بهم يستهدفون، أول ما يستهدفون مواقع "فصائل إسلامية" في حي الراموسة في حلب.
ثالثاً: الأدوار الأميركية المشبوهة..
يعزو المرشح الأميركي للرئاسة السيد "ترامب" تفاقم مشاكل سوريا والشرق الأوسط والهجرة "الإسلامية" الكثيفة نحو الغرب، واطالة عمر داعش إلى سياسة أوباما الواهنة والمترددة والمتخاذلة، وأنّ هذه السياسة هي التي سمحت لروسيا بأن تتحول إلى اللاعب الأبرز في ساحة الشرق الأوسط، وهذا القول فيه نصيب وافر من الصحة، وإن كان يتّسم بالعداء العنصري حيال المسلمين، والتي تميّز خطابات ترمب، فسياسة أوباما كانت وما زالت محكومة بالتردد، والتجريب والمراهنات ،خاصة مع "الحليف الروسي المستجد" لحل مشاكل الشرق الأوسط، وهاهم يصرّحون اليوم ، بأنّهم كانوا على علم بقيام روسيا بنقل طائرات عسكرية إلى إيران، إلاّ أنّهم فوجؤا بسرعة التنفيذ، نعم هناك سرعة في التحرك الروسي، وعند الأميركيين طول صبر وأناة منذ خمس سنوات، عمر انطلاق الانتفاضة السورية.
مهما تضاربت التحليلات، وأسهبت التعليقات، واستفاضت التوقّعات ،فالظاهر حتى الآن أنّ حلفا شيطانيا يكاد أن يكون معلناً بين الشيطانين الكبيرين: أميركا وروسيا، (الشيطنة تأتي من الامركة) والملاك الوديع إيران، وذلك لتأديب العرب، والرقص على دمائهم، وتدمير بلدانهم، هؤلاء العرب الذين قاموا بالفتوحات، وأقاموا الممالك، ينتظرون مخططات كيري- لافروف- ظريف، بعد تطويع اردوغان، ودماؤهم تنزف، فهل ينتصر الدمُ على السيف، في مآثرنا الشيعية نعم، ونعم جازمة.