الأمور تتسارع بلبنان والمنطقة وتتدحرج ككرة الثلج سريعا لتصل إلى النقطة التي تصطدم فيها بجدار التسوية الموعودة.
جميع الأمور بحكم الامر الواقع محكومة بالتسوية، هذه هي حالة السياسة والسياسيين.
وأن تقرأ في طالع تفكير سياسيي لبنان ومن طراز نبيه بري عليك أن تدرك أن ثلاثية الحوار  في 2 و 3 و 4 آب 2016 ليست ترفا سياسيا أو مضيعة للوقت بل مقصودة ومخطط لها ومرتبطة باللحظة الإقليمية التي دشنت الخطة " ب" للحل السياسي في سوريا. فطاولة بري إلى الآن لم تفشل لأنه من الأساس ليس مطلوبا منها النجاح في هذا الوقت، جل ما في الأمر هي جلسات تمهيدية لتواكب متغيرات ما يحصل في الإقليم الشرق متوسطي.
الخطة "ب" السورية:
في تقرير لجريدة معاريف الإسرائيلية تم الحديث عن الإتفاق على خطة " ب" للحل السياسي في سوريا، والتقرير يشير إلى حصة إسرائيلية في هذا الحل يمهد لسلام دائم مع الحكم السوري في المستقبل بعد ضمان أمن الجولان. كذلك يشير التقرير إلى صلاحيات الرئاسة الأولى لجهة تقليصها وزيادة صلاحيات الإدارات المحلية كرؤية مستقبلية للفيدرالية أو اللامركزية الإدارية. وتحدث التقرير عن زيارة سرية قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو في حزيران الماضي  وعن زيارة لنتنياهو وتوقع أن يطلع بوتين نظيره أردوغان عن تفاصيل هذه الخطة التي من المستبعد أن يرفضها الأخير بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة التي حصلت في تركيا.
والخطة هي نتاج أفكار أميركية وروسية لم تتحدث بشكل واضح عن مصير الأسد لكنها تمهد لسوريا جديدة مختلفة عن تلك التي كانت ما قبل إندلاع الأحداث السورية في 2011.
الاقتراح الذي تقدمت به الامم المتحدة للمعارضة السورية حول نواب للأسد يستلمون مهام الأمن وصلاحيات واسعة والتي رفضتها المعارضة تعتبر جس نبض للخطة وما حصل في حلب أخيرا وقضية المعابر الإنسانية والتحذير الأميركي من ضمن مندرجات الحل النهائي.
لكن تبقى قضية حلب تشكل أزمة لجميع الأطراف، فحسمها لصالح أحد أطراف النزاع مستبعد قبل وصول رئيس جديد لأميركا وتسلم مهامه، ويبقى التوقيت الذي أعلن في بداية آب كموعد لبداية تطبيق الحل السياسي في سوريا مدروسا إذا ما قورن بموعد عقد جلسات الحوار اللبناني على شاكلة خلوة تحاكي مؤتمرا تأسيسيا جديدا ، فسوريا الجديدة ستخلق لبنان الجديد، حقيقة جيوسياسية راسخة وثابتة لا يفقهها إلا أربابها.
المواكبة اللبنانية للخطة:
بالطبع لم يكشف كل شيء عن هذه الخطة، لكن لبنانيا كان ملفتا العودة للحديث عن إتفاق الطائف وضرورة تطبيقه.
لا شك أن الحاضرين في جلسات الحوار يفتقدون للشرعية القانونية والدستورية لكنهم يمتلكون شرعية الأمر الواقع،  فهم مكون السلطة والقيمون على ما تبقى لهيبة قانون وشرعية دستور.
فالنقاش حول أحقية أن تصدر هذه الطبقة المترهلة حلول للأزمة اللبنانية أو لاء هو نقاش عقيم لا قيمة ومعنى له بل مثالية مفرطة في بلد لا يعترف بالمثاليات.
وعود لمقررات الحوار الوطني والذي أنتج أخيرا إتفاقا حول تشكيل لجنة لدراسة ظروف وصلاحيات وآليات مجلس الشيوخ والذي ينظر في القضايا المصيرية للبلد.
القضايا المصيرية من ضمنها طبعا قرار السلم والحرب في لبنان، فما هو موقف حزب الله؟
حزب الله وقضية الحوار:
الأمور باتت مكشوفة أكثر في التعامل مع قضايا اليوم وهذا ما يظهر في خطاب حزب الله يوما بعد يوم.
ما لا يدركه كثر أن حزب الله لن يخرج من سوريا إلا بثمن سياسي كبير يعوض له ما خسره في الداخل السوري خصوصا في حال تم الإتفاق على الإطاحة بالأسد.
فالمكاسب الجغرافية لا طعم لها ما لم تترجم بالسياسة أثمان وهذه الأثمان يريدها حصص قوية ووازنة وحتى معطلة داخل النظام اللبناني.
ثلاثية الحوار وما سبقها ويليها في أيلول هي جلسات " بروفا" يديرها بري ببراعة لهدفين يخدمان سياسة حزب الله في القريب والبعيد، اولهما ربط نزاع مع الداخل اللبناني وثانيهما تمهيد لتغيير نظام لبنان إلى وجه مختلف يكون فيه الحزب الممسك الوحيد بلغة القانون لا السلاح بالدولة اللبنانية وقرارها الإستراتيجي.
عندما يضمن القيمون على الحل الإقليمي هذه الحصة لحزب الله في نظام لبنان الجديد، حينها يكون الحزب قد إتخذ قراره بالإنسحاب من سوريا ويكون الحل السوري السلمي قد أخذ مجراه الطبيعي والقانوني.
عندما تتغير سوريا يتغير لبنان، حكم التاريخ والجغرافيا والمصير.