رجّحت مصادر عراقية مطّلعة أن يكون خبر التحاق الجنرال الإيراني المثير للجدل قاسم سليماني بجبهة الموصل مجرّد بالون اختبار من قبل طهران التي تعمل جاهدة على انتزاع دور لها في المعركة الفاصلة ضدّ تنظيم داعش، وتجد صعوبات في ذلك بعد تمكّن منافستها الرئيسية على النفوذ في العراق؛ وهي الولايات المتّحدة، من الإمساك بزمام الاستعدادات للمعركة المرتقبة، بما في ذلك تخطيطها وموعد إطلاقها وحجم القوات والمعدّات المرصودة لها.
وقالت ذات المصادر إنّ حجم الاعتراضات الداخلية والخارجية على المشاركة الإيرانية في معركة الموصل شديدة، إلى حدّ أن مشاركة الميليشيات الشيعية المحسوبة على إيران، والمنضوية ضمن الحشد الشعبي لا تزال موضع شكّ، وستكون إن حدثت ثانوية ومحدودة نظرا لرفض أهالي محافظة نينوى القاطع لاستقبال الميليشيات الشيعية في مناطقهم.

ودفع ذلك الرفض الجهات العراقية الواقفة خلف الحشد والمدافعة عن دوره إلى الاحتماء بمظلة رئيس الوزراء في محاولتها فرض دور للميليشيات في المعركة التي توصف بأنها الأهم في مسار الحرب ضدّ تنظيم داعش في العراق.

وتتمسّك تلك الجهات بأن الحشد الشعبي خاضع لإمرة رئيس الحكومة القائد العام للقوات المسلّحة، لكن أغلب العراقيين يعرفون أنّ ذلك مجرّد حيلة قانونية مكشوفة، وأنّ الميليشيات تأتمر بأوامر شخصيات قوية ونافذة يستمد بعضها قوّته من موالاته المباشرة لإيران.

ومن تلك الشخصيات هادي العامري زعيم ميليشيا بدر المدافع الشرس عن دور للحشد الشعبي، وبالتالي لإيران، في معركة الموصل التي ستكون نتيجتها محدّدة وفاصلة في رسم خارطة النفوذ في العراق خلال مرحلة ما بعد تنظيم داعش.

وجزم العامري في أحدث تصريح له بشأن معركة الموصل بأن مقاتلي الحشد سيشاركون في المعركة، قائلا إنّ قادته “يبحثون مع القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي تنفيذ عملية قبل الحملة المرتقبة لاستعادة الموصل”.

وتواجه إمكانية مشاركة إيران في المعركة عبر خبرائها العسكريين بقيادة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس ضمن الحرس الثوري اعتراضا شديدا لا يقل عن الاعتراض على مشاركة الميليشيات الشيعية.


ساجدة محمد: وجود أشخاص غير عراقيين يقودون معركة الموصل أمر معيب
وأثار خبر التحاق سليماني بجبهة الموصل الذي تم تسريبه عبر المتحدث باسم فصائل الحشد الشعبي أحمد الأسدي عاصفة من الرفض والاعتراض من قبل القوى السياسية السنية العراقية التي ترى أن حضور سليماني والميليشيات في محافظة نينوى يثير النعرات الطائفية ويمثل عبئا على المعركة بدل أن يكون عاملا مساعدا على كسبها.

ورفض اتحاد القوى، وهو أكبر ائتلاف سياسي يمثّل السنّة في البرلمان العراقي، الخميس، مشاركة سليماني في إدارة الحملة العسكرية المرتقبة لاستعادة الموصل من قبضة تنظيم داعش.

وقالت القيادية في الاتحاد ساجدة محمد، لوكالة الأناضول، إنّ “وجود أشخاص غير عراقيين يقودون معركة الموصل أمر مرفوض”، موضّحة أنّ “وجود سليماني بالمعركة أمر معيب”. وأشارت إلى أنّ “معركة الموصل لا تحتاج إلى وجود سليماني لأن القوات العراقية قادرة على حسم المعارك”.

ولم يعلن العراق جدولا زمنيا لاستعادة الموصل، لكن القوات العراقية تشن منذ استعادة مدينة الفلوجة، كبرى مدن الأنبار، قبل نحو شهرين هجمات لاستعادة مناطق واقعة جنوب وجنوب شرق الموصل تمهيدا للهجوم على المدينة.

وتعهّد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بانتزاع المدينة من داعش قبل نهاية العام الجاري. وحاول العبادي منذ توليه السلطة قبل نحو عامين التقرب من المكون السنّي، الذي يشتكي أبناؤه من تطبيق سياسات طائفية بحقهم خلال ثماني سنوات من تولي نوري المالكي رئاسة الوزراء.

وتدعم طهران فصائل شيعية ضمن الحشد الشعبي متهمة بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين السنّة في المناطق التي شاركت تلك الفصائل في استعادتها من داعش.

وقلّل صادق مهدي القيادي في ائتلاف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، من أهمية تصريحات المتحدث باسم الحشد الشعبي.

وقال إنّ “قرار مشاركة أي جهة في معارك تحرير الموصل سيخضع لقرار قيادة العمليات المشتركة والقائد العام للقوات المسلحة”.

وبشأن إمكانية وجود سليماني في معركة الموصل، أشار مهدي إلى أنّ “الحكومة العراقية تقدر جميع أنواع الدعم الذي تقدمه الدول الصديقة عبر المستشارين الذين يقدمون خدمات للعراق في محاربة داعش”.

ومن جهته، قال عبدالعزيز الظالمي عضو كتلة الأحرار التي يقودها مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، الخميس، إن مشاركة أي جهة في معركة الموصل بما في ذلك المستشارون الأجانب يخضع لقرار الحكومة العراقية.

وأضاف أنّ “مشاركة المستشارين الأجانب في مهمة تقديم الاستشارة من اختصاص الحكومة العراقية حصرا، ولا توجد أي جهة أخرى قادرة على فرض أي توجه على قرار الحكومة”.

وبشأن إمكانية مشاركة قائد فيلق القدس الإيراني في معركة الموصل، قال الظالمي إنّ “القرار يعود إلى الحكومة، والقوات العراقية والحشد الشعبي حررا المناطق من قبضة داعش، والمناطق الأخرى ستحرر من قبل القوات العراقية”.

ويبدو الجدل حول من يشارك في المعارك ضدّ تنظيم داعش في العراق -ظاهريا- شأنا عراقيا داخليا، لكنه مرتبط بشكل وثيق بالصراع على النفوذ في البلد، وخصوصا بين قطبين كان لهما الدور الرئيسي في ما آلت إليه الأوضاع في العراق، وهما إيران والولايات المتحدة.

وتراوحت علاقات الطرفين في ما يتصل بالعراق بين الشراكة حينا والصراع حينا آخر. فالبلدان اللذان التقت مصالحهما منذ تسعينات القرن الماضي على محاصرة العراق وضربه وإضعافه وصولا إلى إسقاط نظامه واحتلاله سنة 2003 وحلّ جيشه وتسليم الحكم فيه للأحزاب الشيعية، لا ينقطعان -رغم ذلك الوفاق- عن الصراع على السيطرة على مقدّرات البلد والتحكّم في مصيره على غرار ما هو جار حاليا حول المعركة الفاصلة ضدّ داعش في الموصل.

العرب