مع معلوماتي المتواضعة عن دور الحوزات الدينية وخصوصا المرجعيات الراعية لهذه الحوزات ومدى تأثيرها في المجتمعات وتوجيه الجمهور نحو الهدف الأسمى والتي تشكل حافزا لطرق أبواب المعرفة والتزود بما تيسر من المناهل الصافية، لإزالة الشكوك والهواجس وحتى الاتهامات التي تتراكم في أذهان العامة من الناس عن الوظيفة الحقيقية لهذه الحوزات في ظل الانهيارات الكبيرة التي تضرب المجتمعات الإسلامية وخصوصًا في منطقة الشرق الأوسط التي تحولت بلدانها إلى أراض مستباحة للصراعات الدولية والإقليمية جعلت من شعوبها قبائل وملل متناحرة يغزو بعضها البعض الآخر في حروب مدمرة ومعارك دامية تصل إلى حد الإبادة دون وازع إنساني او يقظة ضمير مع المشاهد الإجرامية والصور المتوحشة التي تمارسها بعض الجماعات الإرهابية والتكفيرية والخارجة عن مألوف المواثيق والمعاهدات الدولية التي تحرم تعريض المدنيين لأهوال الحروب والفاقدة للحس الأخلاقي في التعامل مع الأسرى والجرحى والسجناء. 
وإذا لم نسيء الظن بدور الحوزات الدينية فيمكن وصفها بالمدارس الأقرب إلى المدارس الأكاديمية منها إلى المدارس الدينية، إذ أن المطلوب من الذي يريد الانتساب إليها التركيز على ملكات الحفظ وسرعة البديهة وتخزين المعلومات غيبا كالببغاء واجادة الوقوف على المنابر وطلاقة اللسان وقدرة الاقناع والتلاعب على الألفاظ والاغداق بالمواعظ والإرشادات ومقدرة حث الناس على بساطة العيش والحياة المتواضعة كما يعيش الفقراء باعتبارهم الأقرب إلى الجنة، مع التساهل الواضح مع الوافد الجديد إلى هذا الصرح الديني والتغاضي عما يفترض أن يتميز به من التقيد بالسلوكيات الأخلاقية الرفيعة والالتزام بممارسة ما يدعو إليه والعمل بالأنظمة والشرائع السماوية والرضوخ لمبدأ الثواب والعقاب واخضاعه للمراقبة في تعامله مع المجتمع مع الإشارة إلى غياب المحاسبة عن طلاب الحوزات الذين اختاروا طريق ذات الشوكة. 
وهذا يقودنا إلى الاعتقاد إلى أنه يتم عن قصد او غير قصد والارجح عن قصد إلى عملية ممنهجة لتفريغ الحوزات الدينية /إن لم يكن قد تم افراغها فعلا / من مضمون العمل التوجيهي والقيام بدور الدعاة إلى الله والعمل في سبيله والتحرر من الانانيات والمصالح الشخصية للخروج من براثن الجهل والتخلف، ونبذ التعصب الطائفي والمذهبي والانفتاح على الرأي الآخر والتمثل بالآية الكريمة (وأدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) والعمل على جمع شتات الأمة والنهوض بالمجتمع إلى الأفضل والارتقاء به نحو الرفعة والسمو وإشاعة أجواء الألفة والمحبة والإخاء والعدالة بين أفراده على اختلاف انتماءاتهم والوانهم. 
هذا الواقع يدعو إلى التساؤل عن العوائق التي تحول دون قيام المرجعيات والحوزات الدينية عن الالتزام بمسؤولياتها الشرعية ووظائفها الدعوية الهادفة إلى بناء الإنسان والمجتمع على أسس سليمة وخالية من أية شوائب؟ 
وعن التقصير الواضح في القيام بالمهمة الموكولة إليها والمتصدية لها؟ 
قد يكون في الإجابة على هذا السؤال قصور ناتج عن عدم الإحاطة بكافة جوانب المشكلة، لكن يبدو واضحا أن العلاقة الملتبسة بين السلطة الدينية والسلطة السياسية هي أبرز مظاهر المشكلة، ذلك أنه وبعد أن تحولت الحوزات الدينية وامتداداتها المتعلقة بأماكن العبادة وأئمة المساجد إلى مؤسسات رسمية أو شبه رسمية وجزء من مؤسسات الدولة، فإنها فقدت حريتها في إتخاذ  القرارات المصيرية التي تهتم بشؤون الأمة وبمشكلاتها، وتحولت إلى أدوات بيد القيادة السياسية تعمل وفقا لرغباتها وتنفذ اوامرها تبعا لمصالحها الخاصة حتى لو تناقضت مع المصلحة العامة، وهذا ناتج عن قوننة المؤسسات الدينية من جهة. ومن جهة أخرى حاجتها لتوفير متطلباتها المالية من الدولة، فيصبح في حكم الواقع والضرورة حاجة المؤسسات الدينية لاكتساب رضى السلطة السياسية فتضطر للعمل بتوجيهاتها. 
في ظل هذا الواقع يصبح من الترف الإلحاح في طرح المزيد من الأسئلة عن امتناع الحوزات الدينية والمراجع العليا في كل من السعودية وإيران والعراق ومصر وغيرهم عن التداعي للقاء موسع يجمع كافة المذاهب والاطياف وإصدار فتاوى تحرم القتل بكافة أشكاله والاقتتال بين بلدان المنطقة مهما كانت أسبابه ودوافعه وخلفياته، والحض على الوحدة والتلاقي والتعاون بين شعوب المنطقة،  إذ أن الجواب يكمن في الحديث الشريف /إذا رأيتم السلاطين على أبواب العلماء، فنعم السلاطين ونعم العلماء، أما إذا رأيتم العلماء على أبواب السلاطين فبئس العلماء وبئس السلاطين، وواضح أن واقع الأمة يتماهى مع الشطر الثاني من الحديث.....