حوار الطرشان كما يطلق البعض على الحوار بين المسؤولين اللبنانيين , ظنا بأنهم لا يسمعون بعضهم أثناء الحوار  , هذا التشبيه  هو تبرئة لهم من التهمة الاساسية , التي هي إرتباطهم بإملاءات خارجية  ولمصالح خارجية , وليس لها علاقة بعنوان الحوار , وهذا التشبيه يعني رفع المسؤولية عنهم , حيث لا يلام الاطرش ولا يُطالب بما لا يسمع , بل ينبغي تسمية الحوار هذا ( لقاء العبيد ) , الذين لا يملكون أيّ قرار , لا في أصل اللقاء , ولا بما يحصل أثناء اللقاء , لأن اللقاء المسمى حوارا قد فُرض عليهم من الخارج , والنقاط التي تُبحث على الطاولة قد أملتها عليهم الجهة المالكة لهم  .

إنهم يعرفون تماما ما هي مشكلة لبنان , ويعرفون أيضا أنهم مملوكون لجهات خارجية , ويعملون ضمن برنامج مرسوم لهم من قِبل أسيادهم , أصحاب القرار , فلذلك منذ أن قُرِرت طاولة الحوار المزعومة , وحُددت الشخصيات التي سوف تحاور , ظهرت بوضوح نتائج هذا الحوار قبل إنعقاده , ومع ذلك قد حاولنا أن نخلق جوّا من التفاؤل على قاعدة , تفاءلوا بالخير تجدوه , مع ضمّ قناعتنا بأن الحوار أو اللقاء يبقى أفضل من التباعد الذي يخلق التوتر .

هؤلاء العبيد الذين يتلهون بما يسمى طاولة الحوار اللبنانية , لن يخرجوا باي نتائج ملموسة على المستوى الوطني , لأنهم هم الذين ساهموا بربط الازمة اللبنانية بكل الازمات في المنطقة , ولا يريدون أن يفهموا واقع المنطقة السائرة نحو التغيير الكبير , حيث لا مكان لهم فيه , لأن اللاعبين في المنطقة قد تغيرت أدوارهم , ولم يعد الاميركي والروسي بحاجة إلى وسطاء , بل إستغنوا عن الوسيط ودخلوا مباشرة إلى ساحة الصراع .

كانت الاحزاب اللبنانية فيما مضى حاجة ماسة للأنظمة الاقليمية  , فكانت تغذيها وترضعها وتحميها  لأن الرسائل السياسية والامنية بين هذه الانظمة وبين الدول الكبرى عادة تمرّ عبر هذه الاحزاب , والضغوطات المتبادلة بينهما كانت تحتاج إلى هذه الاحزاب  , أما اليوم عندما وقفت هذه الانظمة في المنطقة مباشرة ووجها لوجه أمام الدول الكبرى ومصالحها  , تحوّلت تلك الاحزاب إلى أدوات هامشية , ومصالحها لم تعد أولوية .

هذا ما نراه واضحا من خلال عدم الاهتمام الجدي بالقضايا اللبنانية من قِبل الدول الكبرى , وهذا الذي لم تنتبه له القوى اللبنانية المتصارعة على جزئيات غير اساسية على الساحة اللبنانية , والانكى من ذلك كله هو أن اللبنانيين يعتقدون أنهم حاجة أساسية  لبعض الدول والانظمة , وفي الواقع إن لبنان متروك ومُهمل , وكل ما نسمعه من تصريحات ومن إهتمامات ومن نصائح , ما هي إلا كلام سياسي لا رصيد في الواقع بل هو فقط لتضييع الوقت .

نعم , إن طاولة الحوار المزعومة , والمفروضة من جهات دولية على اللبنانيين قد ساهمت في شيء واحد , هو تهدئة الساحة الداخلية , ومنع الانفجار الداخلي , وهذا شيء مهم , لكنها لم تقدم أي حل للقضايا اللبنانية العالقة , ولا لأزمات اللبنانيين  غير أنها وضعت كل القضايا في الثلاجة السياسية , والفضل في ذلك ليس للقيادات اللبنانية بل الفضل للقرار الاميركي الذي يصرّ إلى الان على عدم توتير الساحة اللبنانية .