الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوقيع عليه بين إيران والدول الغربية ألست وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية لم يكن بحاجة إلى سنوات طويلة من المفاوضات المعقدة والمضنية بين الطرفين لو توفرت منذ البداية النوايا الحسنة الإيرانية والشفافية والمصداقية لدى المفاوض الإيراني خلال جولات التفاوض.

إذ أن الرواية الإيرانية بشأن برنامجها النووي كثيرا ما كانت تتضمن معلومات مغلوطة يتم الكشف لاحقا عن زيف ادعاءاتها خلال عمليات التفتيش والمراقبة التي كانت تتولى القيام بها وكالة الطاقة الذرية الدولية على المنشآت النووية الإيرانية.

الأمر الذي كان يضع الحكومات الغربية في دائرة الشكوك والهواجس من الأهداف الحقيقية التي كانت تسعى إليها  إيران  من انصياعها للأرادة الدولية والرضوخ للمجتمع الدولي والدخول في هذه العملية التفاوضية حول برنامجها النووي، فسلوك الحكومات الإيرانية المتعاقبة ومنذ إنتصار الثورة الإسلامية أواخر السبعينيات من القرن الماضي تجاه قضايا العالم وخصوصا قضايا منطقة الشرق الأوسط وتحديدا المنطقة العربية والقائم على استراتيجية تصدير الثورة وتوسيع نطاق النفوذ في الدول المجاورة من خلال إنشاء ميليشيات وخلايا مرتبطة مباشرة برأس السلطة في طهران وتنحصر مهمتها بعمليات اغتيال لأمراء وزعماء هذه الدول وضرب الأمن والاستقرار فيها.

هذا السلوك الإيراني شكل مبعث قلق وخوف لدى دول العالم العدوة والصديقة وحتى الحليفة منها على حد سواء، سيما وأنه كان هناك وعلى الدوام رفض إيراني للألتزام بالقرارات الصادرة عن المنظمات الدولية كمجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة تحت ذريعة غياب العدالة عن هذه القرارات، لكن إيران وتحت ضغوط العقوبات الاقتصادية الدولية  اضطرت مكرهة للتوقيع على الاتفاق النووي على أمل رفع هذه العقوبات للتخفيف من المعاناة والاعباء التي ألقيت على عاتق الشعب الإيراني جرائها.

 
واليوم وبعد مرور عدة شهور على توقيع هذا الاتفاق فإن العقوبات المصرفية لا تزال قائمة على إيران إذ أن هناك عقوبات دولية بقيت قائمة وهي مرتبطة بالإرهاب وحقوق الإنسان وعليه فإنه ليس في استطاعة أي مصرف أميركي أو أوروبي أو روسي او عربي او حتى لبناني أن يتعامل مع إيران او يفتح فرعا للمصرف هناك لأن العقوبات الأميركية المتبقية حتى الآن قد تطاله عمليا عند حدوث أي خلل في الاتفاق صادر عن الجانب الإيراني.

وبالتالي فإن المصارف الغربية تتريث في تمويل العمليات المصرفية مع إيران، وفي هذا السياق فإن مصادر دبلوماسية تفيد أن طهران منزعجة من أنه ورغم التوقيع على الاتفاق فإن العقوبات الاقتصادية الدولية لا زالت قائمة وهي مؤثرة عليها وخصوصا في القطاع المصرفي، واللافت هو حجم الخوف لدى المصارف والمستثمرين ومدى الاحجام عن التوجه إلى إيران والتعامل معها رغم أن الولايات المتحدة الأميركية سعت إلى تسهيل توجه المؤسسات المصرفية والاستثمارية والمالية  إلى إيران لكن ذلك لم ينفع. و

السبب ربما يتأتى من خلفية المخاوف على مصير الاتفاق النووي فضلا عن الخوف من نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران. إذ أن هناك قلق غربي من عدم عودة الرئيس الحالي الإصلاحي الشيخ حسن روحاني إلى سدة الحكم والذي تم توقيع الاتفاق في عهده، إن تجربة ثلاث عقود ونصف من عمر الثورة الإسلامية الإيرانية افقدت العالم ثقته بالنظام الإيراني وبممارساته الخارجة عن مألوف الأنظمة والقوانين الدولية. 

أعطت انطباعا بأن عودة الاستثمارات إلى طهران لا ترتبط بالتوقيع على ورقة إسمها إتفاق نووي بقدر ما ترتبط بتغيير سلوك نظام الملالي في إيران تجاه هذا العالم حتى يستعيد ثقته بالجمهورية الإسلامية الإيرانية والألتزام بالمصداقية والشفافية في وعوده والكف عن المراوغة والتدخل في الشؤون الخارجية..