القمة العربية , لا قرارات , لا إتفاق  ....

السفير :

أقصر القمم العربية وأكثرها بعداً جغرافياً. وكأن التاريخ يعيد نفسه. كلما اجتمعوا انتكسنا. وكلما أصدروا بيانا أو تبنوا إعلانا من عاصمة عربية، انهالت على أمتنا الويلات. وكلما قالوا بتحرير فلسطين، كلما بادروا الى معاهدات صلح وتفاوض. وكلما قالوا اجنح الى السلم، كلما ابتلع العدو المزيد من أرضنا وحقوقنا.
وهكذا وصلت القمم العربية الى حضيضها السياسي والشعبي المطلق. من مؤتمر قمة انشاص في العام 1946 في محاولة اولى لإنقاذ فلسطين، ثم في بيروت في العام 1956 بعد العدوان الثلاثي، وصولا الى قمة القاهرة في العام 1964 التي قررت تكليف أحمد الشقيري إعداد الشعب الفلسطيني لمواجهة الاحتلال، ثم قمة الاسكندرية من بعدها لتحرير فلسطين عاجلا أو آجلا وتأييد تأسييس منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني ومؤتمر «لاءات الخرطوم» في العام 1967. وما تلى هذه القمم لم يكن أحسن حالا، فمن انهيار الى آخر، ومن مساومة الى تنازل، والى مبادرات عربية متتالية تقابلها اسرائيل بمزيد من الدم والاحتلال. وصرنا الآن «ننفتح» على العدو بالتنسيق الأمني والسياسي والأكاديمي ونأمل استضافتهم في عواصمنا .. وآخرها الرياض!
مشكورة موريتانيا أن بادرت الى تلقف المهمة المفاجئة التي ألقيت على عاتقها لاستضافة القمة، وهي بالتأكيد، كما استشعرت طويلا غياب العرب عنها، استشعرت بفداحة النيران التي تلتهم المشهد العربي في صورته الواسعة، ولا تلام بالتالي على هزالة الاجتماع ولا مقرراته البائسة، وغالبية الدول العربية ساقطة في متاهات الأمن والانقسام والعوز.. أو العمالة، حتى لتبدو قمة انشاص قبل 70 سنة صورة زاهية عن حال العرب وقوتهم!
ولهذا، ربما تكون القمة العربية الأولى والأخيرة التي تستضيفها موريتانيا التي لم يمض على انضمامها للجامعة العربية أكثر من ثلاثة وأربعين عاما.
تطرح قمة نواكشوط، بعد قرار المغرب عدم استضافتها، أسئلة كثيرة، منها أن القمة صارت عبئا على العرب الذين اعتادوا الهرب في خضم التحديات، فكيف الحال وهم في لحظة يجمعون فيها على أولوية مواجهة تحدي الإرهاب المركزي، لكنْ «كل على ليلاه»، خصوصا عندما تختلط الحسابات بالأحقاد وعندما تتبدل فجأة هوية «العدو»، فيصبح «الإيراني» أكثر خطرا من «الاسرائيلي»، وعندما تصبح قضية فلسطين مجرد شماعة، بينما تهرول دولة تلو دولة للتطبيع مع العدو!
وبمعزل عن بيان ختامي كتبه أهل الخليج في ديوانياتهم، قبل وصولهم الى موريتانيا، و «إعلان» صار شبه تقليد ليس بمضمونه المكرر بل في عدم اقتران القول بالفعل عربيا، وبمعزل عن خطابات بدت مملة وممجوجة، فإن القمة بدت وكأنها مسروقة، شكلا ومضمونا، بدليل أن من حضر من قادة العرب، كأميري قطر والكويت، وغيرهما من ممثلي الدول، أعطوا الأوامر بعدم إطفاء محركات طائراتهم، فكان أن ألقوا كلماتهم وشاركوا في التقاط الصورة الرسمية وعادوا من خيمة القمة الى المطار مباشرة.
وهكذا، لم يكن منتظرا إلا أن تكون النتائج هزيلة لقمة الساعات السبع المبتورة الحضور والمناقشات برغم الجهد الجبار الذي بذلته موريتانيا لعقد القمة العربية السابعة والعشرين على أراضيها، بعد اعتذار المغاربة لأنهم لا يريدون أن يكونوا شهود زور «على توصيات عادية وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن العربي»!
شارك في القمة سبعة زعماء ورؤساء (الكويت وقطر واليمن وموريتانيا والسودان وجيبوتي وجزر القمر) وستة من رؤساء الحكومات ونواب الرؤساء، فيما تمثل باقي الدول بوزراء الخارجية، وانعقدت في خيمة بلاستيكية كبيرة قرب قصر المؤتمرات الذي لم ينته العمل به بعد، وفي ظروف بالغة التعبير كانقطاع الكهرباء والانترنت وتعذر الاتصالات وانقطاعها، فيما كانت البلاد تشهد مطرا صيفيا وحوادث معبرة على هامش القمة مثل إصابة أحد الوزراء العرب بنوبة قلبية مفاجئة.
غاب أكثر الزعماء العرب تأثيرا في سير المناقشات واتخاذ القرارات، بمن فيهم الرئيس السابق للقمة عبد الفتاح السيسي الذي لم يكلف نفسه عناء تسليم الراية لنظيره الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الذي ألقى كلمة افتتاحية أعلن فيها استنكار بلاده للتدخلات الخارجية في الشؤون العربية. أما حضور الرئيس السوداني وأمير الكويت وأمير قطر والرئيس اليمني المختلف على شرعيته، فقد كان من باب اللياقة ومحاولة إثبات الحضور لا أكثر ولا أقل. أما الغائب الأكبر، فكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مع أن الموضوع الأساس للقمة، هو القضية الفلسطينية!
حتى أن الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون نأى بنفسه عن قضايا العرب وغاب عن القمة التي دُعي إلى حضورها وكلّف ممثله في اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد تمثيله وإلقاء كلمة عنه.
ولم تكن «قمة الأمل» بمستوى عنوانها، لا بل إن الأمل تراجع الى حد كبير في تحقيق ولو خطوة نوعية واحدة باتجاه وقف حمامات الدم السائلة في أكثر من بلد عربي، ووقف حالات الانقسام والتفتت وتدمير الذات العربية.
وحده أمير الكويت المخضرم أضفى بحضوره على القمة تأثيرا لكنه بدا مشوبا بعجز بلده عن إنجاز المصالحة اليمنية وتقديم مبادرات في باقي الاتجاهات العربية والاقليمية. لكن الجو العربي الضاغط، ووجود أمين عام جديد للجامعة (أحمد أبو الغيط) مكبّل اليدين، لم يؤد إلى ما ينتظره الشارع العربي، برغم أن كلمته في افتتاح أعمال القمة أكدت وجوب التغيير الجذري في بنيان الجامعة العربية.
وعلى جاري العادة، فإن ما كتبه وزراء الخارجية العرب قبل سنة ونيف في قمة القاهرة هو ذاته ما كُتب في اجتماعاتهم التمهيدية للقمة في نواكشوط، وهو ما ضغطوا لتضمينه في القمة الإسلامية التي عقدت في اسطنبول قبل أشهر، وهو نفسه ما عبّر عنه البيان الختامي للقمة، بما يؤكد «استيطان» حالة الانقسام ربطاً بالتطورات الإقليمية المتسارعة والخطيرة في آن معا.
لبنان: الأولوية لقضية النازحين
أما لبنان، فقد كان وفده الرسمي برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام يمنّي النفس بمزيد من التضامن العربي لعله يكون مدخلا لحل الازمات العربية ومنها أزمة لبنان المفتوحة على مصراعيها فراغا دستوريا غير مسبوق منذ الاستقلال حتى يومنا هذا.
وما كان متوقعا ناله لبنان، وهو التضامن اللفظي في موضوع أزمة النازحين السوريين ومكافحة الارهاب، باعتباره موضوعا يهم كل العرب وكل العالم، مرفقا بالدعوة الى استقرار لبنان وانتخاب رئيس للجمهورية. أما الترجمة بالدعم المالي، فقد كان مصيرها «النأي بالنفس» عن موجباتها.
وبلغة هادئة لكن واضحة وصريحة، خاطب رئيس حكومة لبنان تمام سلام العرب، مقترحاً «تشكيل هيئةٍ عربيّة تعمل على بلورة فكرةِ إنشاءِ مناطقَ إقامة للنازحين داخل الأراضي السورية، وإقناعِ المجتمع الدوليّ بها»، داعيا إلى «إنشاءِ صندوقٍ عربي لتعزيز قدرة المضيفين على الصمود، وتحسين شروط إقامة النازحين المؤقّتَة».
واعتبر سلام، خلال إلقائه كلمة لبنان أمام القمة العربية، «أن رعايةَ السوريين في أرضهم أقلُّ كلفةً على دول الجوار وعلى الجهاتِ المانحة، وأفضلُ طريقةٍ لوقف جريمةِ تشتيتِ الشعب السوريّ».
وشدّد سلام «على الطابعِ المؤقتِ للوجود السوريّ»، مؤكداً أن «لبنان ليس بلدَ لجوءٍ دائم، وليس وطناً نهائياً إلّا لأهلِه».
وقال سلام إن «هناك ما يقارب مليوناً ونصف مليون نازحٍ سوريّ، في بلدٍ ذي إمكاناتٍ محدودة»، مشيراً إلى أننا «بلدٌ صغيرٌ يؤدي واجبَه الأخويّ بلا مِنَّة، ترفُدُه مساعداتٌ دوليةٌ ما زالت قاصرةً عن تلبية حاجاتِ النازحين والمجتمع المُضيف». أضاف: «أمام هذا الواقع، نتطلّعُ إلى إخواننا العرب، فَمَنْ الأجْدَرُ منهم بسَماعِ شكوانا، والأقدرُ على مساندتِنا».
وأكد «اننا لسنا محايدينَ في كلّ ما يَمَسّ الأمن القوميّ لأشقائنا، وخصوصا دول مجلس التعاون الخليجي، ونرفضُ أيَّ تدخّلٍ في شؤون البلدان العربية ومحاولةَ فرضِ وقائعَ سياسيّةٍ فيها، تحت أيّ عنوان كان».
«إعلان نواكشوط»
ولم يتضمن «إعلان نواكشوط»، الصادر عن القمة العربية أي جديد يذكر في المواقف من القضايا المطروحة على جدول أعمال القمم المتتابعة.
ودعا الإعلان إلى «حل سياسي للأزمة السورية، يعتمد على مقومات الحفاظ على وحدة سوريا ويصون استقلالها وكرامة شعبها».
كما أكد القادة العرب «دعم العراق في الحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه ومساندته في مواجهته للجماعات الإرهابية وتحرير أراضيه من تنظيم داعش الإرهابي».
وأشاروا إلى التزامهم بانتهاج أنجح السبل العملية من أجل التصدي لكل التهديدات والمخاطر التي تواجه الأمن القومي العربي، من خلال تطوير آليات مكافحة الإرهاب أياً كانت صوره وتعزيز الأمن والسلم العربيين بنشر قيم السلام والوسطية والحوار ودرء ثقافة التطرف والغلو ودعايات الفتنة وإثارة الكراهية.
وأعادوا تأكيد «مركزية القضية الفلسطينية في عملنا العربي المشترك والمضي قدما في دعم صمود الشعب الفلسطيني في وجه العدوان الإسرائيلي الممنهج وتكريس الجهود كافة في سبيل حل شامل عادل ودائم يستند إلى مبادرة السلام العربية ومبادئ مدريد وقواعد القانون الدولي والقرارات الأممية ذات الصلة».
ورحبوا بالمبادرة الفرنسية الداعية إلى عقد مؤتمر دولي للسلام يمهد له بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية بما يكفل حق الشعب الفلسطيني «وفق إطار زمني» في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كاملة السيادة على مجالها الجوي ومياهها الإقليمية وحدودها الدولية.

النهار :

وسط الإنقسامات والأزمات المستمرة في المنطقة العربية، انعقدت القمة العربية السنوية في العاصمة الموريتانية نواكشوط في حضور ستة فقط من الزعماء العرب واختصرت الى يوم واحد بدل يومين كما كان مقررا.
وكان أعلن في وقت سابق عن مشاركة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ولكن اعلن لاحقاً انه لن يحضر "لاسباب صحية". كذلك لم يحضر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بسبب "اجندة داخلية مثقلة بالمواعيد". لكن صحيفة "المصري اليوم" عزت اعتذار السيسي عن حضور القمة إلى كشف محاولة اغتيال كانت ستستهدفه في العاصمة الموريتانية.
ونسبت إلى مصادر طلبت عدم ذكر اسمها أنه وردت "معلومات مؤكدة" إلى رئاسة الجمهورية تفيد أن الرئيس السيسي سيتعرض لمحاولة اغتيال حال وجوده في موريتانيا، موضحة أن هذه المحاولة ليست الأولى تستهدف السيسي خلال جولاته الخارجية، وأنه بناء على تلك المعلومات تقرر عدم مشاركة الرئيس في القمة.
وقد حضر كل من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وأمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح ورؤساء السودان واليمن والصومال وجيبوتي وجزر القمر، فيما أوفد العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين رئيس الوزراء هاني الملقي.
وأكد الزعماء العرب في "إعلان نواكشوط" الذي اصدروه في ختام القمة "التزام تطوير آليات مكافحة الإرهاب أيا كانت صوره، وتعزيز الأمن والسلم العربيين، ودرء ثقافة التطرف والغلو ودعايات الفتنة وإثارة الكراهية".
وشدد الإعلان على مركزية القضية الفلسطينية، وحض على تكريس الجهود للتوصل الى حل شامل وعادل ودائم يستند إلى مبادرة السلام العربية.
وأبدى ترحيب الزعماء العرب بالمبادرة الفرنسية الداعية إلى عقد مؤتمر دولي للسلام قبل نهاية السنة الجارية، يمهد له بوقف جميع النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية لتحقيق حلم الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كاملة السيادة على مجالها الجوي ومياهها الإقليمية وحدودها الدولية، وفق إطار زمني.
ودعا البيان الأطراف في ليبيا إلى السعي الحثيث لاستكمال بناء الدولة من جديد والتصدي للجماعات الإرهابية. وناشد الافرقاء في اليمن تغليب منطق الحوار والعمل على الخروج من مسار الكويت بنتائج إيجابية تعيد الى اليمن أمنه واستقراره ووحدة أراضيه في أقرب وقت.
وأعرب عن الأمل "في أن يتوصل السوريون إلى حل سياسي يعتمد على الحفاظ على وحدة سوريا ويصون استقلالها"، وأكد "دعم العراق في الحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه ومساندته في مواجهته للجماعات الإرهابية وتحرير أراضيه من تنظيم داعش الارهابي".
وتجدر الإشارة إلى أن جامعة الدول العربية أعلنت في شباط الماضي نقل اجتماعات القمة إلى موريتانيا، بعد اعتذار المغرب عن استضافة الاجتماعات التي كانت مقررة في نيسان الماضي.

 

قمة مختصرة
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قال لدى افتتاحه القمة إن الإرهاب أحد التحديات التي تواجه العرب، وإن المنطقة ستبقى في حال عدم استقرار ما لم تحل القضية الفلسطينية.
وتسلم الرئيس الموريتاني الرئاسة الدورية لقمة جامعة الدول العربية من ممثل الرئيس المصري رئيس الوزراء شريف إسماعيل الذي ألقى خطاب السيسي أمام القمة.
وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط الذي يحضر القمة الاولى منذ انتخابه اميناً عاماً خلفاً لنبيل العربي في وقت سابق من هذه السنة: "سأحرص على الحيادية خلال عملي كأمين عام للجامعة"، معتبراً أن "الجامعة العربية في حاجة إلى التطوير العاجل لمواجهة التحديات".
وقال الرئيس السوداني عمر حسن احمد البشير: "إننا نجدد دعمنا للجهود الأممية للتوصل إلى حل سلمي للنزاع السوري".
وقدّر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي "موقف العرب المساند للشعب اليمني والشرعية"، وذكر أن "الحوثيين و(الرئيس اليمني السابق علي عبدالله ) صالح بدعم من إيران واصلوا الانقلاب على الشرعية والشعب"، "الشعب اليمني لايزال يقاوم الميليشيات الطائفية".
أما رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج، فقد أبدى ترحيبه بالمبادرات الساعية الى إنهاء الأزمة السياسية لليبيا، لافتا إلى أن "الجيش الليبي يواجه داعش على رغم ضعف الإمكانات"، مشدداً في السياق ذاته على "رفضه لأي تدخل خارجي ينتهك السيادة الليبية دون الاتفاق مع حكومة بلاده".

 

المستقبل :

دانت القمة العربية السابعة والعشرون التي اختتمت أعمالها أمس اثنين: «داعش» وإيران. الأول لأنه ينفذ وتنظيم «القاعدة» «عمليات إجرامية ويحرّض على العنف والتطرفّ والإرهاب». والثانية لأنها «تتدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية». وبذلك جَمَع القادة العرب في بيان واحد ما سبق وأعلنوه مراراً وتكراراً «بالمفرّق»، وحدّدوا «خارطة موقف» وإن لم يحدّدوا خارجة طريق إزاء «خطرَين» تناوب معظمهم على الإسهاب في مقاربة انعكاساتهما على المجتمعات العربية.

قمة نواكشوط التي احتفل الموريتانيون على طريقتهم بانعقادها على أرضهم، واستقبلوا القادة العرب على طريق المطار على ظهور الجمال حاملين أعلام الدول العربية المشاركة في القمة، دعت من جهة إلى «عمل عربي جماعي لاجتثاث المنظمات الإرهابية ودحرها، وأهمها تنظيما «داعش» و»القاعدة»، وأدانت من جهة ثانية التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية باعتباره «انتهاكاً لقواعد القانون الدولي ولمبدأ حُسن الجوار وسيادة الدول».

وتحفّظ لبنان عن فقرتَين (السابعة والثامنة) من قرار إدانة «التدخّل الإيراني».. بسبب ورود عبارة «حزب الله الإرهابي»، فيما نأى أعضاء مجلس التعاون الخليجي بالنفس إزاء فقرة «التضامن مع الجمهورية اللبنانية» رغم سحب الكويت وسلطنة عمان نأيهما، مقابل تصعيد بحريني تمثّل بالتحفّظ على هذه الفقرة بعد أن كان موقف البحرين يقتصر على «النأي بالنفس».

«الحلم الذي تحقّق» في موريتانيا، كما سمّاه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الموريتاني اسماعيل ولد الشيخ أحمد، شكّل منبراً لإدانات عربية جديدة قديمة ضدّ إيران و»داعش» باعتبار أن أرض العرب أصبحت مسرح عمليات لأدوارهما في المنطقة، فأجمع رؤساء وفود مثل الكويت والمملكة العربية السعودية واليمن والبحرين والبرلمان العربي على انتقادهما معاً. فيما أكد رئيس الحكومة تمام سلام الحرص «على المصلحة العربية العليا وتضامننا مع أشقائنا العرب في كل قضاياهم المحقّة». وقال في كلمته أمام القمة «لسنا محايدين في كل ما يمسّ الأمن القومي لأشقائنا وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي»، رافضاً أي تدخّل «في شؤون البلدان العربية ومحاولة فرض وقائع سياسية فيها تحت أي عنوان كان». واقترح إنشاء «مناطق إقامة للنازحين داخل الأراضي السورية وإقناع المجتمع الدولي بها.. وفي انتظار تحقيق ذلك ندعو إلى إنشاء صندوق عربي لتعزيز قدرة المضيفين وتحسين شروط إقامة النازحين المؤقتة».

السعودية

وأكدت المملكة العربية السعودية في القمة أن ما تشهده المنطقة والعالم من مواجهة تطرف عنيف وأعمال إرهابية متفرقة تشكل تهديداً لشعوبنا وأوطاننا والأمن والسلم الدوليين، وأن العديد من مرتكبي هذه الجرائم الإرهابية يحاولون إلصاقها بالإسلام، والإسلام بريء منها.

ودعت المملكة إلى تكثيف الجهود على كافة الأصعدة وطنياً وإقليمياً ودولياً لمحاربة الإرهاب والتطرف من جوانبه الأمنية والعسكرية والمالية والفكرية، ومن هذا المنطلق بادرت المملكة بإنشاء أول تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب والتطرف الذي انضمت إليه حتى الآن 40 دولة عربية وإسلامية.

وجاء في الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير رئيس وفد المملكة إلى القمة العربية العادية في دورتها السابعة والعشرين في موريتانيا، أن القمة تنعقد «في ظل ما يعصف بعالمنا العربي من أزمات، وما يتعرض له من خطوب بعضها مزمن كالقضية الفلسطينية أو مستجد مثل أزمات سوريا والعراق وليبيا واليمن، أو ما يكتسب طابع التحدي المستمر فكراً وممارسة، مثل التطرف والطائفية والإرهاب بكل صلفه وأشكاله«.

وتابع الوزير السعودي أنه «إذا كانت القضية الفلسطينية تشكل بنداً ثابتاً في جدول أعمال لقاءاتنا السابقة فإن السبب كان ولا يزال يعود لاستمرار التعنت الإسرائيلي لأسس ومبادئ التسوية السلمية، والمتناقض مع مقررات الشرعية الدولية ومبادرة ورؤى السلام المطروحة المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وحقه في إنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وبما يتفق مع قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية«.

وقال: «في ما يتعلق بالأزمة السورية، ما يعطل حلها سلمياً هو استمرار مسلك النظام السوري المناهض لأي محاولات أو مسعى لوضع مبادئ إعلان جنيف الأول وبنود قرار مجلس الأمن رقم 2254 موضوع التطبيق العملي، وإمعانه في انتهاج أسلوب القتل والتدمير، وما نتج عن ذلك من إزهاق أرواح مئات الآلاف وتشريد الملايين من شعب سوريا الشقيق، ناهيك عما لحق بالبلاد من دمار وخراب، وهذا الأمر من شأنه التأكيد على استحالة أن يكون لبشار الأسد أو من تلطخت أيديهم بدماء الشعب السوري الشقيق أي دور في مستقبل سوريا«.

وأضاف «ما زالت الجهود قائمة لحل النزاع في اليمن سلمياً، وبالأسلوب الذي يحفظ لهذا البلد الجار والشقيق أمنه واستقراره وسيادته، تحت راية وسلطة حكومته الوطنية والشرعية، وفقاً للمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن 2216، ويحدونا الأمل في تحقيق هذه الأهداف في المباحثات التي تستضيفها مشكورة دولة الكويت الشقيقة، ومساعٍ متصلة من قبل المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد«.

وقال بخصوص العراق إنه «بلد التاريخ والحضارة ولا يزال يعيش تحت وطأة الأزمات، وكلنا أمل في أن يتمكن الأشقاء في العراق من تجاوز خلافاتهم، وإعادة الأمن والاستقرار والازدهار إلى هذا الجزء الغالي من أمتنا العربية، وفي إطار الحفاظ على وحدته الوطنية بكافة مكوناته وطوائفه«.

واعتبر « ان الازمة الرئاسية في لبنان تتطلب من الاشقاء اللبنانيين تغليب المصلحة الوطنية العليا على ما عداها من مصالح فئوية ضيقة لحل هذه الازمة ووضع لبنان على مسار التنمية والإزدهار».

وأوضح الجبير «أن ما يعصف بمنطقتنا والعالم من مواجهة تطرف عنيف وأعمال إرهابية متفرقة تشكل تهديداً لشعوبنا وأوطاننا والأمن والسلم الدوليين وللأسف يحاول العديد من مرتكبي هذه الجرائم الإرهابية إلصاقها بالإسلام، والإسلام بريء منها. ولمواجهة هذا الخطر، فإنه مطلوب منا تكثيف جهودنا على كافة الأصعدة وطنياً وإقليمياً ودولياً لمحاربته من جوانبه الأمنية والعسكرية والمالية والفكرية، ومن هذا المنطلق بادرت المملكة بإنشاء أول تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب والتطرف الذي انضمت إليه حتى الآن 40 دولة عربية وإسلامية.

وأضاف الجبير: «إن تدخلات إيران في شؤون الدول العربية ومحاولة تصدير الثورة يتناقض مع مبادئ حسن الجوار والقيم والأعراف الدولية، الأمر الذي أدى الى إثارة الفتن والقلاقل والنزاعات في المنطقة مما يتطلب التصدي له وفق مقررات الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة.

وتابع قائلاً «إن هناك جوانب اقتصادية وثقافية وتنموية يتعين الالتفات إليها وإعطاؤها ما تستحق من الاهتمام والانشغال، وهذا يعني أنه لا بد لنا من ربط القرارات السياسية برؤية مشتركة حول سبل النهوض بمتطلبات التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لشعوبنا، والمملكة من جانبها حرصت على تعزيز هذا المسار من خلال رؤية 2030، ونماء أوطاننا من شأنه المساهمة في دعم نماء بقية الأوطان والشعوب العربية«.

الديار :

المظاهر الباذخة غابت عن قمة نواكشوط. لا ثريات، ولا ازهار، ولا سيارات فارهة. القمة تحت خيمة، وقد تكون المظهر الاكثر دقة لاحوال العرب في المرحلة الراهنة...
في العاصمة الموريتانية، الزعماء الذين حضروا كانوا قلائل، سكان المدينة توزعوا بين الفضول واللامبالاة. للمرة الاولى تستضيف نواكشوط قمة سياسية، ولكن لا شيء يمكن ان يتغير، الاجترار السياسي، واللغوي، اياه، واوراق اضافية الى الخزائن.
لبنان الغائب الحاضر. اللافت ان وزير خارجية الكويت الشيخ صباح خالد الحمد الصباح هو من دعا الى تضمين البيان الختامي نصاً حول دعم لبنان، وسؤال ما اذا كان السعوديون قد تخلوا عن لبنان؟
عتب سعودي، بل غضب سعودي، على افرقاء لبنانيين، حلفاء لها لانهم لا يواجهون «حزب الله» على قاعدة الصاع صاعين، دون الاقتناع باسلوب «الراجمات التلفزيونية».
بطبيعة الحال، هناك في المملكة الكثير من الحكماء الذين يدركون مدى قابلية لبنان للانكسار، بل وللانفجار، وكان لهم الدور الكبير في ضبط الايقاع الداخلي، بدءاً من تسمية الرئىس تمام سلام، لتشكيل الحكومة الانتقالية التي كانوا يعرفون انها ستمكث طويلاً، وانتهاء بالقبول بعقد جلسات الحوار بين تيار المستقبل و«حزب الله».
غير ان التراشق الاعلامي بين الرياض وحارة حريك هو في تصاعد مستمر، ودون ان تتوقف المسألة عند حدود التراشق، بل ثمة اجراءات، وضغوط، الى درجة الاقتناع بأن اللوبي السعودي في الولايات المتحدة انفق مليارات الدولارات من اجل تمرير قانون العقوبات في الكونغرس، وبتلك السرعة القياسية، لزعزعة القاعدة الشعبية للحزب ودفعه الى ازمة مالية قاتلة.
جماعة سعودية غير راضية لا على اداء الرئيس سعد الحريري، ولا على اداء  الآخرين الذين اذ يتهمون الحزب بتعطيل الاستحقاق الرئاسي، لا يفعلون شيئاً لكسر هذا التعطيل، واذ يتهمون الحزب بالسيطرة  على مفاصل الدولة يكتفون بالشكوى التلفزيونية لا اكثر ولا أقل.
لا بل ان قيادات في تيار المستقبل اذ تتحدث عن «سلوك سعودي مثير للانتباه» في ما يتعلق بقضية «سعودي اوجيه»، ترى ان مواجهة الحزب بالسلاح «غير واردة عندنا على الاطلاق، لاننا لا نريد حزب الله»، لتضيف ان من الطبيعي ان يكون هناك خلل في التوازن السياسي ما دام البعض يحمل السلاح والبعض الآخر بعيد عن ثقافة السلاح.
شيء ما يوصف بـ«الغريب» او «المستغرب» بين السعودية وتيار المستقبل. الغاز تحيط بالوضع السياسي كما بالوضع المالي لـ«الشيخ سعد»، ليترافق ذلك مع كلام عن حل الازمة السياسية والازمة المالية في وقت قريب.
في اجتماع وزراء الخارجية العرب لم «يهضم» البعض مواقف لبنان، لا سيما في ما يتعلق بتصنيف «حزب الله» منظمة ارهابية، يفترض بسلام ان يقف في القمة ويكون اول الموقعين على قرار التصنيف، ولا مشكلة ان وجد ان طريق المطار وقد اقفل بالاطارات المشتعلة، او ان يجد استقالة وزراء على طاولته، وبالصورة التي تحمله على التنحي تلقائياً عن منصب رئيس الوزراء.
اجواء القمة كانت عصبية وضاغطة، ليس لان كل مظاهر الرفاه قد غابت، وهذا ما اضفى ظلالاً كئيبة على المشهد، وليس لان معظم القادة لم يشاركوا بعدما كانت هناك تحذيرات من ان الامن الموريتاني ليس من الحرفية بحيث يستطيع التصدي لعملية ارهابية كبيرة، مع ان «فرقاً» من رجال الاستخبارات المتعددي  الجنسيات انتشرت من مطار نواكشوط وحتى مقر انعقاد القمة. ثمة اسباب اخرى تتعلق بـ«صدمة البعض» من «هشاشة الاصطفاف».
سلام كان يدرك  كل هذا، وكان يعلم لماذا تخلى الوزراء علي حسن خليل ووائل ابو فاعور وجبران باسيل عن الرحلة الشاقة الى موريتانيا. الاهم انه يدرك مدى الخطر الوجودي، والبنيوي للنزوح السوري على لبنان، وكان لا بد ان يقرع ناقوس الخطر امام القمة بعدما تجاهل وزراء الخارجية او ممثلوهم الاشارة الى دعم لبنان في مواجهة تلك الكارثة...

ـ تجميد عضوية لبنان ـ

لا بل ان ديبلوماسياً عربياً قال لـ«الديار» ان ممثل احد الوزراء لم يتورع عن الدعوة الى تجميد عضوية لبنان في جامعة الدول العربية.
وفي الوسط السياسي ان القضية ليست في استقالة الحكومة او عدمها. لم يعد خفياً ان الفرنسيين واوروبيين آخرين، حذروا دولاً عربية فاعلة من ان الانتشار الفوضوي، والكثيف، للنازحين السوريين يهدد لبنان بوجوده...
هؤلاء لا يغفلون البتة الجانب الاخلاقي والانساني، وحتى الاخوي من القضية، ولكن هناك وقائع على الارض ولا  يمكن تجاوزها في حال من الاحوال، اذ كيف للبنان بتصدعه الداخلي، وبدينه العام الذي يناهر الـ80 مليار دولار، وبتدهوره الاقتصادي ان يتحمل عبء مليوني نازح ولاجىء سوري وفلسطيني بمساعدات خارجية لا تكفي لتغطية ما بين ربع وثلث تكلفة الاعباء الضاغطة على المشهد اللبناني.
سلام قال في نواكشوط ما يفترض ان يقال. وفود كانت في مكان آخر، وتراهن على ان يكون النازحون السوريون الذين يستطيعون تجنيد مائة الف شاب عندما يدق النفير القوة الضاربة التي تواجه «حزب الله».

ـ الفيتوات الفلسطينية ـ

بطبيعة الحال، الاكثرية الساحقة من النازحين بعيدة جداً عن اي تفكير من هذا القبيل، ولكن ماذا فعلت السياسات العشوائية، وحيث وضع اللاجئون في غيتوات البؤس، بالكتلة الفلسطينية؟ الم يصبح ياسر عرفات الرجل الاول في لبنان، الذي يتحكم بالسياسات، والذي يتدخل حتى في اختيار رئىس الجمهورية، وفي تشكيل الحكومات؟
لا بل ان هناك جماعة سياسية تعتبر ان النزوح السوري اشد خطراً بكثير من اللجوء الفلسطيني لان التواصل بين لبنان وسوريا تواصل طبيعي، ومن خلاله يمكن اعداد السيناريوات التي يمكن ان تهدد لبنان.
البعض يأخذ بلدة عرسال مثالاً. كان هناك فريق لبناني يعتبر ان البلدة ستكون بمثابة منصة انطلاق باتجاه الداخل السوري لتقويض نظام دمشق، اين هي عرسال الآن، وما هو مصيرها؟
سلام قال للعرب ان «هناك ما يقارب مليوناً ونصف مليون نازح سوري في بلد ذي امكانات محدودة، اقفلت الحرب حدوده، وانقطع التواصل التجاري البري بينه وبين الرئة العربية التي يتنفس منها»، ليضيف «نحن بلد صغير يؤدي واجبه الاخوي بلا منّة، ترفده مساعدات دولية ما زالت قاصرة عن تلبية حاجات النازحين والمجتمع المضيف».

ـ هيئة عربية لاعادة النازحين ـ

لبنان اقترح «تشكيل هيئة عربية تعمل على بلورة فكرة انشاء مناطق اقامة للنازحين داخل الاراضي السورية، واقناع المجتمع الدولي بها لأن رعاية السوريين في ارضهم اقل كلفة على دول الجوار وعلى الجهات المانحة، وافضل طريقة لوقف جريمة تشتيت الشعب السوري».
رئيس الحكومة رأى انه «في انتظار ذلك، ندعو الى انشاء صندوق عربي لتعزيز قدرة المضيفين على الصمود وتحسين شروط اقامة النازحين الموقتة». واكد «اننا لسنا محايدين في كل ما يمس الامن القومي لاشقائنا، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، ونرفض اي تدخل في شؤون البلدان العربية، ومحاولة فرض وقائع سياسية فيها تحت اي عنوان كان».
الاسلوب اللبناني في مقاربة حقول الالغام معروف للعرب، المقصود ايران بطبيعة الحال ودورها في سوريا والعراق واليمن، لا بل ان قوى 14 آذار توجه اليها الاتهام مباشرة بتعطيل الاستحقاق الرئاسي لاستخدام لبنان عندما تدق ساعة الصفقات كورقة تكتيكية على الطاولة.
هذه القوى تعتبر ان حالة اللادولة في لبنان تؤمن التغطية لـ«حزب الله»، كما انها لا تملك اي امكانية للحيلولة دون الحزب والذهاب الى العمق السوري...

ـ الشبح الايراني ـ

شبح ايران (وحزب الله) في قمة نواكشوط كان اكثر حضوراً، وتأثيرا من شبح الخليفة ابي بكر البغدادي، ولكن ما تردده مصادر ديبلوماسية خليجية حول المأزق الذي تواجهه السعودية بسبب تلك الحرب العبثية في التضاريس القبلية والسياسية والجغرافية لليمن، وحول المراوحة على الساحة السورية، والفوضى المتعددة الوجوه في العراق، يشير الى أن المأزق الايراني لا يقل تعقيداً بسقوط القوس الجيوستراتيجي الذي كان يمتد من خراسان الى شاطىء لبنان بحسب ما كتبه الجنرال ماكسويل تايل عشية الاجتياح الاسرائيلي للبنان في صيف 1982. الايرانيون في قعر الزجاجة ايضاً.
السعوديون يعتبرون انه لو كان هناك موقف عربي حقيقي لكان باستطاعة التحالف دفع الايرانيين الى ما وراء الهضبة. قمة نواكشوط كانت قمة الصدمة. لا استراتيجية مشتركة، ولا رؤية مشتركة. وأحد اعضاء الوفود لم يتردد في التعليق ساخراً، بـ«ان الدبابات هنا تمشي على الورق».

الجمهورية :

لولا الإشارة إلى قضية النازحين بشمولية، والمطالبة بالانسحاب الإسرائيلي من كلّ الأراضي العربية المحتلّة بما فيها الجولان العربي السوري والأراضي المحتلة في جنوب لبنان إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967، لَجاءَ بيان القمّة العربية في نواكشوط خلواً من أيّ إشارة إلى لبنان الذي طالبَ خلالها بإنشاء صندوق للدول المضيفة للنازحين، وهو في مقدّمهم، ولكنّ البيان الختامي جاء عامّاً وشاملاً في هذا الاتّجاه من دون كشفِ أيّ تفاصيل.

إقترَح رئيس الحكومة تمام سلام أمام القمّة «تشكيل هيئة عربية تعمل على بلورة فكرة إنشاء مناطق إقامة للنازحين داخل الأراضي السورية، وإقناع المجتمع الدولي بها» ودعا، في انتظار تحقيق ذلك، إلى «إنشاء صندوق عربي لتعزيز قدرة المضيفين على الصمود، وتحسين شروط إقامة النازحين الموقتة».

وشدّد على الطابع الموقّت للوجود السوري، معلناً أنّ لبنان «ليس بلد لجوء دائم، وليس وطناً نهائياً إلّا لأهله»..

وذكّر سلام المؤتمرين بأنّ لبنان «تعرّض لموجة إرهاب عابرة للحدود، وعلى الرغم من أزمتنا السياسية، التي حالت حتى الآن دون انتخاب رئيس للجمهورية، تمكّنا من التصدّي لهذه الظاهرة التي تنشر العنف بلا أيّ وازع ديني أو أخلاقي».

وقال: «إنّنا مطالبون بالخروج من موقف الدفاع في وجه هذا الوحش، وتجنيد كل الطاقات الأمنية والسياسية والفكرية لمحاربته بكلّ الأشكال». وأكّد «حرص لبنان الدائم على المصلحة العربية العليا، وتضامنَه مع أشقائه العرب في كل قضاياهم المحقّة».

وقال: «نحن لسنا محايدين في كلّ ما يمس الأمن القومي لأشقائنا، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، ونرفض أيّ تدخّل في شؤون البلدان العربية ومحاولة فرض وقائع سياسية فيها، تحت أيّ عنوان كان». وشدّد على أنّ «لبنان لم يعتَد من إخوانه العرب، إلّا تعامل الشقيق الأكبر، المتفهّم لواقعه، الداعم لتماسكِه، والحريص على تجربة العيش الواحد بين الطوائف والمذاهب فيه».

منصور

في غضون ذلك، وصَف وزير الخارجية السابق عدنان منصور قمّة نواكشوط بأنّها «قمّة الأمل المفقود»، وقال لـ»الجمهورية»: «في الشكل، عندما تُعقد القمّة مرّة في السنة فيجب على الأقل ان يحضرها الرؤساء والملوك أسوةً بالقمم التي تنعقد في العالم، مثل القمة الاوروبية وقمّة شانغهاي وقمّة دول بحر قزوين أو دول اميركا اللاتينية. أفهم أن يغيب شخص مسؤول، رئيس أو ملك، لكن أن يغيب عن الساحة اكثر من نصف أعضاء دول الجامعة العربية ولا يحضروا القمّة ويكون مستوى الحضور هزيلاً، فهذا يدلّ على عدم جدّية التعاطي مع الاحداث التي تنعقد القمّة من أجلها».

وأضاف: «ثمّ إنّ القمّة تنعقد في جوّ أبعد ما يكون عن وحدة الصف العربي والهدف العربي، في اعتبار أنّ الخلافات مستحكمة في داخل البيت العربي، فكيف يمكن إيجاد حل أو قرار حاسم بالنسبة للقضايا التي تتعلق بعالمنا العربي، سواء في مواجهة الإرهاب أم في مجال العمل العربي المشترك أو الأمن القومي العربي أو المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟».

فرنجية في الديمان

وخرَق الجمود السياسي السائد في البلاد زيارةُ رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية للصرح البطريركي في الديمان مساء أمس ترافقُه عقيلته السيّدة ريما فرنجية والخوري إسطفان فرنجية، حيث التقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وكان في استقبالهم عند مدخل الصرح المحامي وليد غياض والمطران مارون العمار، وانتقل الجميع الى شرفة الجناح البطريركي حيث تمّ عرض مجمل التطوّرات على الساحة اللبنانية، واستبقى البطريرك فرنجية إلى مائدة العشاء، لتُعقد بعدها خلوة استمرّت نحو ساعة تمّ خلالها عرض المستجدّات على الساحة المحلية، ولا سيّما منها موضوع الفراغ الرئاسي، وغادر بعدها فرنجية من دون الإدلاء بأيّ تصريح.

ولكنّه قال ردّاً على سؤال لـ«الجمهورية»: «لن أقول شيئاً، فلم يعُد ينفع الكلام، «ما بينفع إلّا الصلاة».

وفيما تردّدت معلومات عن أنّ الراعي طلب من فرنجية سحبَ ترشيحه لمصلحة رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، نفَت مصادر البطريركية المارونية لـ«الجمهورية» أن يكون الراعي طلبَ مثلَ هذا الأمر من زائره. وأكّدت انّ البطريرك يدعو الزعماء الموارنة وجميع القيادات اللبنانية الى الاتفاق على انتخاب رئيس للبلاد.

مخطّط إرهابي

أمنياً، دقّ الإرهاب مجدداً جرس الإنذار للّبنانيين، لمزيد من اليقظة في مواجهة هذا الخطر الذي يحاول الإرهابيون زرعَه في الأرجاء اللبنانية.
ولعلّ الخطير في الامر، تسليط الارهابيين أنظارَهم على البوّابة الجنوبية، انطلاقاً من مخيّم عين الحلوة، سعياً منهم، وفي التوقيت الملائم لهم، إلى جعلها منفذاً لمخطط خطير، كان الإرهابيون على وشك الشروع في تنفيذه لضربِ الداخل اللبناني بتفجيرات وغزوات وتدمير وإثارة فوضى في المناطق اللبنانية وزرع الفتنة بين اللبنانيين.

وعلمت «الجمهورية» من مصادر موثوقة أنّ المجموعات الإرهابية التكفيرية، عملت في الفترة الاخيرة على تشكيل عدد من الخلايا الإرهابية، وتجنيد الإرهابيين والانتحاريين داخل مخيّم عين الحلوة.

وأتبَعت ذلك بإعداد خطة خطيرة حدّدت فيها مجموعة أهداف:

الهدف الأوّل: ضربُ وحدات الجيش المتمركزة في محيط المخيّم، ومحاولة قطعِ خطوط إمداد الجيش ونقاطه ومواقعه الموجودة في أطراف المخيّم أو في المناطق القريبة أو حتى نحو طريق بيروت ـ صيدا. والأهمّ هو ضرب الطرق الحيوية التي يَسلكها الجيش اللبناني نحو ثكنِه بغية قطعِ المؤازرة عنه، وبالتالي يكون الهدف عزل تلك النقاط والانقضاض عليها.

الهدف الثاني: قطعُ طريق الجنوب، صيدا ـ الغازية، وأوتوستراد صيدا - الزهراني الذي يمرّ من مناطق محاذية للمخيّم، بصفته شرياناً حيوياً يجب قطعُه لكي يضيّق الخناق على «حزب الله» وبيئته. على أن يتمّ ذلك، إمّا بالقنص من بعيد من أماكن مشرفة داخل المخيم، وإمّا من طريق الغزو المباشر وتنفيذ هجمات مفاجئة وارتكاب مجازر في حقّ العابرين.

الهدف الثالث: إشغال الجيش وإرباكه، إنْ فكّرَ في شنّ عملية عسكرية ما، أو تنفيذ ضربة عسكرية ما للمخيّم في حال تحرّك ضد المناطق التي تأوي الإرهابيين الفارّين إلى داخل المخيّم.

ويروّج الإرهابيون، كما هو وارد في الخطة الإرهابية، أنّ الجيش سيعمل وفق سيناريو القضمِ لتلك المناطق، إنْ دخلَ إليها، أي عزلها وتقسيمها بغية تسهيلِ حركته فيها وتطويق الإرهابيين في جيوب صغيرة تمهيداً لقتلِهم أو اعتقالهم أو الانقضاض عليهم».
الهدف الرابع: إحداثُ الفوضى في مدينة صيدا وجوارها عبر عمليات تفجير واغتيالات.

الهدف الخامس: إحداثُ فوضى كبيرة ودمار وترويع في سائر المناطق اللبنانية، وتحديداً في بيروت وضاحيتها الجنوبية عبر استهداف تجمّعات وأماكن سكنية مكتظة.

ولقد بلغَت الجيشَ معلومات موثوقة بأنّ أمير»داعش» في مخيّم عين الحلوة عماد ياسين قد تلقّى في الفترة الأخيرة توجيهات مباشرة من مسؤول العمليات الخارجية في «داعش» المدعو أبو خالد العراقي، يطلب فيها القيام سريعاً بعمليات تفجير كبيرة، على غرار تلك التي جرَت في العراق أخيراً وأوقعَت مئات الضحايا.

يتزامن ذلك مع تحرّكات مشبوهة تُعِدّها «داعش» والمجموعات الإرهابية لمنطقة الشمال، وثمَّة معلومات موثوقة عن محاولات لتهريب السلاح إلى المنطقة، بحيث تضرب بلدة عرسال عبر اغتيال وتصفية وجهائها إلى جانب أعضاء المجلس البلدي الجديد والمختارين الذين يَعتبر التنظيم الارهابي أنّهم لا يَدورون في فلكِه.

 

اللواء :

قبل أيام قليلة من نهاية شهر تموز، وبدء جلسات الحوار على مدى ثلاثة أيام في عين التينة، في 2 و3 و4 آب، خفت صوت الضجيج العوني حول «امكانية جامحة» للتو<