في شريط فيديو نشر على موقع حركة الداعية التركي فتح الله غولن، يظهر الرجل ليوضح موقفه من المحاولة الانقلابية التي شهدتها تركيا مساء الجمعة الماضي.

بهدوء بالغ ورباطة جأش يقول غولن من مقر إقامته في ولاية بنسلفانيا الأميركية: "أدين وأرفض أي انقلاب مهما كان، واستنكر وأرفض كذلك أي محاولة انقلابية".

في تركيا، يستشيط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتهاماته لغولن بتدبير المحاولة الانقلابية، ويتوعده بـ"العقاب" إذا نجحت مساعي الحكومة التركية في اقناع واشنطن بتسليم "المسؤول" عن كل مصائب حزب العدالة والتنمية منذ سنة 2013، حسب زعم أردوغان.

كيف تحولت الصداقة إلى عداوة؟

الطريق لفهم طبيعة العلاقة بين أردوغان وغولن قد يكون متعرجا في كثير من الأحيان ويصعب على الفهم في أحايين أخرى، ويبدو السؤال عن سبب تحول أردوغان من حليف قوي لغولن، إلى "عدو لدود" لهذا الداعية، صاحب الأتباع المنتشرين في تركيا وأنحاء كثيرة من العالم، محاطا بكثير من نقاط الاستفهام ومحتملا لكثير من القراءات والتحليلات.

ومع ذلك، فالواضح أن علاقة الرجلين بدأت في القطيعة النهائية، وتحولت إلى مواجهة وصدام، سنة 2013.

في تلك السنة شهدت تركيا تحقيقات أحرجت وزراء ومسؤولين رفيعين مقربين من أردوغان، فضلا عن بعض من أفراد عائلته نظرا لما كشفت عنه تلك التحقيقات من مؤشرات على تورط هؤلاء في الفساد.

أثارت نتائج تلك التحقيقات غضب الرئيس التركي الذي اتهم حركة غولن المعروفة بـ"حزمت"، أي خدمة باللغة العربية، بالوقوف وراء التحقيقات لتصفية حسابات بين الرجلين.

ما الذي يدفع حليف أردوغان ومسانده القوي في انتخابات 2002 إلى السعي لتصفية حسابات معه؟ وما هي طبيعة تلك الحسابات؟

الفراغات ونقاط الظل قد تبدو هنا كثيرة، إلا أن "مرحلة القطيعة" سبقها توتر في العلاقة بين أصدقاء الأمس رغم أن غولن وأردوغان يتفقان في جوانب عدة في رؤيتهما لإصلاح المجتمع.

حرب مفتوحة

استهلت وكالة الصحافة الفرنسية  تحليلا نشرته سنة 2013 للحديث عن الخلافات بين غولن وأردوغان بعبارة "الحرب المفتوحة" لوصف مآل العلاقة بين الرجلين.

وبحسب الدكتور محمد العادل مدير المعهد العربي التركي للدراسات الاستراتيجية في أنقرة، فإن الصراع "لم يعد شخصيا" كما كان يصوره البعض قبل المحاولة الانقلابية "التي أفاضت الكأس"، بل إن الحكومة التركية باتت تنظر إلى الصراع على أنه صراع بين حركة "حزمت" من جهة والدولة التركية بجميع مؤسساتها من جهة أخرى.

ويشرح العادل في حديث لموقع قناة "الحرة" أن "الحكومة التركية متجهة لتصفية الجماعة بكل أذرعها داخل الدولة".

                                                                                                                                                                                                               

ويتوعد أردوغان بشدة، من يقول إنهم متورطون في الانقلاب، وإن لهم جميعا صلات أو أنهم منتمون فعلا لجماعة غولن، حسب تصريحاته الأخيرة.

وأظهرت الأيام الخمس الأولى فقط على المحاولة الانقلابية إصرار الحكومة التركية على مواصلة الاعتقالات والإقالات، إذ تم تعليق مهام أو طرد 55 ألف شخص من وظائفهم، واعتقل حوالي 10 آلاف آخرين.

وفي قطاع التعليم الذي تستثمر فيه جماعة غولن أموالا طائلة، علقت الحكومة مهام 15 ألف موظف يتبعون لوزارة التعليم، وأمرت 1500 من عمداء الجامعات العمومية والخاصة بتقديم استقالاتهم.

ويرى زهير عطوف الذي يشغل منصب مدير أحد مراكز الدارسات في إسطنبول أن أردوغان "بدأ يتخوف من هذه الجماعة بسبب وجودها في كل مفاصل الدولة".

ويقول عطوف متحدثا لموقع قناة "الحرة" إن أردوغان يحاول استئصال هذه الجماعة من مؤسسات الدولة، "لكنه لم يستطع حتى الآن بسبب قوتها وطريقتها في الاشتغال التي لا تسمح بالتعرف على جميع مناصريها أو المتعاطفين معها".

ويرجع عطوف تفجر الصراع بين حلفاء الأمس إلى "تحول المصالح من التقارب إلى التضارب ووصول طموح الطرفين إلى خطوط التماس".

ويؤكد المتحدث ذاته على الطبيعة غير السياسية لحركة "حزمت"، وتركيزها على العمل الاجتماعي والدعوي، لكنه يضيف " في اعتقادي أن حزمت في عمقها حركة سياسية".

ويري محلل سياسي تركي تحدث لوكالة الصحافة الفرنسية طالبا عدم الكشف عن اسمه، أن أردوغان وغولن "لا يختلفان سياسيا. فهما معارضان لمبادئ مصطفى كمال أتاتورك، ويتبنيان إسلاما معتدلا وبرنامج مجتمع محافظ".

ويضيف المحلل ذاته القول: "كانا متحالفين لفترة طويلة إذ اعتمد رجب طيب أردوغان عندما كان رئيسا للحكومة لفترة طويلة على شبكات غولن لإرساء سلطته في مواجهة نفوذ التيار الكمالي والعلماني في الإدارة."

من هو غولن وحركته؟

حركة "حزمت" التي تسميها الحكومة "منظمة فتح الله الإرهابية/بنية الدولة الموازية"، تعمل في تركيا منذ سبعينيات القرن الماضي، إلا أن النفوذ القوي الذي تملكه، وعلاقات غولن الواسعة مع رجال الأعمال ومناصريه الكثر في السياسة والاقتصاد والتعليم ومجالات أخرى عديدة، جلعت الحركة تتمكن من أن تملك شبكة مدارس توجد في 180 بلدا حول العالم، منها الولايات المتحدة الأميركية.

وتلخص هذه الحركة أهدافها في السعي لخدمة المجتمع، ويقدمها البعض على أنها "نسخة معتدلة من الإسلام"، في حين يرى فيها آخرون شكلا من الإسلام الصوفي، فهي ليست مثل تيار الإخوان المسلمين ولا هي أيضا مثل التيارات السلفية.

أما زعيم الحركة الداعية غولن الذي يربو على لـ 75، فيقدم على أنه داعية مهتم بالحوار بين الأديان ويركز في نشاطاته على الأعمال الاجتماعية.

ومثلما ولد في قرية وادعة في محافظة أرضروم التركية، يعيش الآن في منطقة لا تقل وداعة في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة حيث حط الرحال في هذا البلد في سنة 1999.

هو الآن المطلوب الأول في تركيا وإلقاء القبض عليه "مهم جدا بالنسبة لأردوغان لأنه يعرف بأن قوة جماعة خدمة في قوة غولن نظرا للطبيعة العمودية لعمل الجماعة"، حسب عطوف.

ويقصد عطوف بالطبيعة العمودية للجماعة، اعتمادها على أوامر "تصل من القمة وتنفذها القاعدة كما جاءت".

ويشير  تقرير نشرته وسائل إعلام أميركية إلى أن غولن، بالإضافة إلى تأثيره الفكري على كثيرين في تركيا ودول أخرى من العالم، هو رجل غني تحتوي خزائنه على مبلغ 25 مليون دولار أميركي.

فكيف سينتهي هذا الصراع بين الداعية والرئيس؟

يؤكد العادل وعطوف بأن أردوغان يريد القضاء على هذه الجماعة، لكن عطوف يختم قائلا "القضاء عليها لن يكون سهلا ومآلات الصراع ليست في صالح تركيا".

المصدر: موقع قناة الحرة / وكالة الصحافة الفرنسية