الفساد هو الخروج بالشيء عن حدّ اعتداله، وهو ضدّ الصلاح, ويقال أصلح الشيء بعد إفساده. ومن معاني الفساد الجدب في البرّ والقحط في البحر ، وعلى هذا المعنى فسّر الفساد في قوله تعالى :  ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ...

ويطلق الفساد عادة بمعنى الخروج عن الاستقامة , والخروج عن الاستقامة ظاهرة إجتماعية لها عدة أشكال سلوكية , ومرتبطة إرتباطا وثيقا بالثقافة الفكر , ولقد بيّنت الاديان السماوية خطورة هذه الظاهرة وما لها من عواقب على البشر والحجر وعلى الدنيا بما فيها , وحذّرت منها فأرسل الله سبحانه وتعالى , لذلك الانبياء والرسل لنشر الفضيلة والقيم وإرشاد الناس إلى الخير , فغيّرت الناس وبدّلت وزوّرت رسالات الله سبحانه , ووصايا الانبياء , تبعا لمصالحهم الدنيوية فنتشر الفساد والظلم .

لقد ذكر القرآن الكريم  في عشرات الآيات والنصوص , تحذيرا من الفساد والمفسدين , ولم ينكر سلوكياتهم فحسب , بل أنكر أفكارهم التي هي الاساس الدافع للفساد والافساد .

فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض

وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا

إن المطلوب من الانسان الذي حمّل أمانة الخلافة لله على الارض أن يكون أمينا على ما حمّل

حيث قال الله : (إني جاعل في الارض خليفة  ...), وقال في موضع آخر : (هو أنشأكم من الارض وإستعمركم فيها ....). فلا تفسدوا فيها حيث قال : ( ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها ...)  , ولا تبدلوا نعمة الله التي أنعمها عليكم , فقال : ( ومَن يبدّل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب ) .

العناد والنفاق :

 وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ

لقد واجه الانبياء نموذج من الناس تدعي أنها من المصلحين , وتدعي أنها على مستوى من الصلاح فلا تحتاج إلى مرشد وواعظ , كما يواجه اليوم المصلحون نفس النماذج , التي تتميز بالعناد والنفاق , فإذا قيل لها لا تفسدي , لا تظلمي , فتقول : إنما نحن مصلحون , وقد وصفهم القرآن الكريم وحذّر منهم , لأنهم يملكون سطوة على الناس ولهم رهبة , وبارعون بتزوير الحقائق لأنهم يُحسنون فن القول , فتستهويهم الناس ويُعجبون بقولهم , ويحولون الفساد والانحراف إلى ثقافة دينية , وهم في الحقيقة منافقون مفسدون في الارض , وإنكار الله لأفكارهم دليل على خطورة أن يتحول الفساد إلى ثقافة وفكر , لأن الفساد إذا تحول إلى فكر يتعذر القضاء عليه , أما إذا كان سلوكا مخالفا للفكر والثقافة يكون القضاء عليه سهلا .

وهنا تمكن صعوبة الاصلاح اليوم , حيث أن الفساد السلوكي الظاهري ناتج عن ثقافة فاسدة , وفكر منحرف , يعتبر الفساد والانحراف ذكاء ما دام يصبّ في مصلحة الزعيم أو المصلحة الشخصية أو في مصلحة المذهب أو الطائفة أو الحزب السياسي

وصف الله سبحانه هذا النموذج من الناس بقوله :

وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ

وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ